كل يوم يولد العديد من الأشخاص بإعاقات مختلفة، هم من يعرفون بذوي الاحتياجات خاصة، غير انّ مجموعة قليلة منهم هي التي ترفض الاستسلام للإعاقة وتبحث عن كافة الطرق التي تفلح في التخلص منها.. أما الإبهار فيتحقق حين تجد فردا من هذة الفئة قد استطاع الوصول إلى القمة التي لا يتمكن من إدراكها الكثير من الأصحاء.
الكثير من عوالم الفن والإعلام والرياضة، الذين بموهبتهم وإرادتهم القوية، استطاعوا أن يتحدوا الإعاقة ووصلوا إلى ما لم يصل إليه أسوياء، إنها فطرة مبدعين وجدوا في إمكانياتهم الذاتية وسيلة لتجاوز مشكلاتهم البدنية والتعامل مع الحياة بالصبر والتحدي.
وفي هذا الصدد قالت نجاة الكرعة، البطلة البرالمبيّة في رمي القرص، إن “الإعاقة بالنسبة لي ليست مشكلا.. أتعامل معها منذ الصغر بشكل عادي ولا تسبب لي أي إحراج مع من يحيطون بي، ومع ذلك كنت أرى دوما أن الكثيرين ينظرون إلي باعتباري غير سوية، لم أكن أحزن لأني كنت أعي بأن الإعاقة لا يمكن أن تتجسّد إلى على مستويَي العقل والنفس، وهذا ما أظهرته في الأولمبياد الموازية بلندن وحققت ما لم يحققه الأسوياء”.
وأضافت الكرعة في تصريحها لهسبريس: “لم أعاني نهائيا من كوني في وضعية إعاقة، لأن هذه مشيئة الله أولا وأخيرا، وحبي للرياضة جعلني أتحدى هذه الإعاقة وأتجاوز ما يعتبره الكثيرون مشكلا، فأن تكون معاقا لا يعني أنك لا تقدر على عمل شيء، فالإرادة وحب البذل والعمل هي عوامل تدفع لتحقيق الأحلام وكل ما بمكن أن يصبو إليه المرء”.
أمّا الممثل المغربي محمد الظهرة فقد قال: “الإعاقة حرمتني من أشياء كثيرة، إذ لا يمكنني أن أذهب مثلا إلى البحر سوى لأجلس وأشاهد الآخرين وهم يسبحون، كما أنها تسبب لي الكثير من المعاناة في حياتي اليومية تجاه من أقابلهم في الشارع أو في الإدارة، كما أنه بالقطار، مثلا، تجد من يزاحمك على مقعد دون أن يرى أحقيتك بالجلوس، أصعب شيء هو أن الكثير من المغاربة لا يساعدون الإنسان المعاق”.
واعتبر الظهرة أن أصعب مرحلة عمرية عند المعاق تبقى هي المراهقة وما ينتج عنها من مشاكل عاطفية، فالمراهق المعاق يعاني أكثر من غيره في مرحلة الطفولة أو لدى البلوغ، ويزيد الظهرة أنّه مع تجاوزه للمراهقة أصبح يعيش حياة عادية، مردفا أنّ زوجته وأبنائه ساعدوه كثيرا في مساره الحياتي.
ذات الممثلل يورد لهسبريس” أن الإعاقة “ليست نقمة أو مشكلا على الدوام”، ويزيد: “كنت أنظر للإعاقة أحيانا كمشكل، لكن بعد دخولي للمجال الفني لمست أنها من أبرز أسباب نجاحي في هذا المجال، وسبب شهرتي أيضا بعدما أصبحت معروفا ومشهورا بها.. فالكثير من الأدوار التي لعبتها كانت بسبب هذه الإعاقة، أومن الحين بأن الإنسان لا يدري أين يكمن الخير بعدما وعيت أن إعاقتي هي سر ما وصلت إليه”.
المخرج المسرحي سعيد عبادي قال إن معشر الأشخاص المتواجدين في وضعية إعاقة يثابرون ويجتهدون من أجلتبوأ المكانة التي تضمن لهم إدماجا محققا في مجتمع تغلب عليه سياسة المظاهر الخادعة.. وزاد: “لقد ترعرعت في زمن كان الناس يعتبرون كل معاناة مع الإعاقة عالة على المجتمع، أو بلاء مسلّطا، وفي المقابل هناك آخرون يعتبرون المتواجدين في وضعيات إعاقة أناسا أهل للشفقة والرحمة، وهذان الأمران كانا بالنسبة لي غير مقبولين لأن المعاق هو كائن فرضت عليه العاهة ولم يخترها، وبالتالي لا يجب أن يعيش هذا التهميش أو هذه الشفقة إلا إذا اختارها هو لنفسه”.
وأردف عبادي في تصريحه لهسبريس: “تعاملي مع هذين المعطيين كانا، في كثير من الأحيان، يخلقان لي عرقلة في التواصل مع من يتعامل معي بمنطق التصغير أو التقزيم، أو من يتعامل معي بمنطق الشفقة أوالرحمة، لذلك اعتبرتها حربا ضدهم، واستعملت سلاح التحدي في إبراز الذات منذ صغري، ذلك أن تربيتي خلقت مني رجلا متعدد التخصصات، واليوم أنا أجد نفسي ذا قابلية لعيش وفهم الحياة من عدة زوايا.. إن اختياري لتخصص الإخراج المسرحي له مبرراته، فالإخراج هو الطريقة التي يعبر بها المرسل كي يتواصل مع متلقيه، وبالتالي أقدم ما لدي لأغير نظرة المجتمع للشخص المعاق”.
عبادي، الحاصل على الماستر في تخصص الإخراج مسرحي من الجامعة الثقافية لروسيا البيضاء، اعتبر أن “الإعاقة ليست عائقا أمام الإدماج بقدر ما تقف وراء ذلك العقلية السائدة والتي تمنع ذوي الاحتياجات الخاصة في طريقهم للإدماج”، وزاد: “أعتبر أن كل تعامل يميل إلى التقزيم والتصغير أو الشفقة والرحمة يعتبر معيقا، وأود أن أقول للجميع: لا تحتقرونا ولا تشفقوا علينا.. فالتحقير يولد الكراهية والشفقة تدرّ التواكل..”.
الإذاعي رشيد صباحي قال إنه لم يكن يتوفر على أي مشكل مع إعاقته، ” لم أفقد شيئاً بسبب ولادتي كفيفا، لقد أحسست دائما أن الإعاقة هي جزء من حياتي ولم يكن لدي أي مشكل معها، أما وجود الإعاقة وتأثيرها فهو مرتبطة بالبيئة التي يعيش وسطها الشخص المعاق، إذا كانت متفهمة تصبح الإعاقة سهلة التجاوز وسلسة التعامل معها، وإذا كانت مغيبة للتفهم تجعل الإعاقة تسبب العديد من العوائق والصعوبات”.. وأضاف صباحي: “لحسن حظي أني نشأت في أسرة متفهمة وواعية، رغم أنها غير متعلمة، فوالدي ووالدتي رحمهما الله كانت لهما إرادة لتحدي الإعاقة لأنهما كانا يعلمان أنهما سيرحلان يوما ويجب علي أن أكون مستعد للحياة بعدهما”.
وختم نفس المنشط الإذاعي تصريحه لهسبريس بالقول : “أقسى ما واجهني وسط الإعاقة في صغري كان يتمثل في الإدماج مع المجتمع وليس مع العائلة، فمساعدة والداي غيبت عني صعوبات الولوج للعالم الإذاعي الذي أحبه منذ الصغر.. أسرتي كانت متفتحة على المجتمع وتعي ظروف المعاق والأفاق المفتوحة أمامه، وهذا ما جعلني لا أحس بالإعاقة في مسار الحياة، على أنه يجب أن نعترف بأن للإعاقة حواجز اجتماعية، لكن التطور الذي حصل في مختلف المجالات سهّل تجاوز الكثير من المعيقات”.