الكاتب : د. زيد الرمانى
لقد أوضحت نتائج كثير من الدراسات أن التقاعد يؤثر على التوافق الاجتماعي للمسنين، ما لم يستطيعوا تعويض فقدان العمل بأنشطة متنوعة يمكن أن تساعدهم على قضاء وقت الفراغ واشباع حاجاتهم وتحقيق ذاتهم. فالعزلة بالنسبة للمسنين تجعلهم أقل قدرة على التكيف مع البيئة الاجتماعية، أما العمل فيساعدهم على حل الكثير من مشكلاتهم وإعطائهم الأهمية والمكانة الاجتماعية.
وللأسف، فإن نسبة من المسنين ـ وإن كانت قليلة ـ تعتمد على نفسها مادياً والغالبية العظمى تجد صعوبة في توفير الأموال الكافية للعيش الكريم.
إن قلة الموارد المالية تجعل المسن يعيش في ظروف حياتية صعبة حيث لا يستطيع تحمل تكاليف السكن في بيت مريح ومناسب تتوافر فيه الضروريات أو أن يتغذى بشكل مناسب وأن يدفع فواتيره الشهرية بسهولة.
وقد أثبتت الدراسات وفي جميع المجتمعات أن المنزل والمجتمع الذي عاش فيه المسن هو المكان الأنسب له وينبغي أن تتضافر جميع الجهود العائلية والرسمية والتطوعية لإبقاء كبار السن أطول فترة ممكنة في منازلهم وفي المجتمع معتمدين على أنفسهم أو بدرجات متفاوتة من المساعدة من قبل الجهات المختلفة.
وبعد، لنا أن نتساءل عن ماهية دور كبار السن في البرامج التنموية في المجتمع؟! وهل يمكن الاستفادة من القدرات والامكانات العقلية والحسية المحدودة للمسن في انجاز البرامج التنموية؟!… هناك الكثير من الأسئلة التي يمكن أن تتولد حول قضايا ومشكلات كبار السن في المجتمع وعن مدى وحجم وفعالية دورهم في الحياة وهم في أسوأ حالات خريف العمر واحتمالاته.
إن العديد من الدراسات تشير إلى أن مشكلات كبار السن لا تتمثل فقط في المعاناة الجسمية نتيجة لإصابتهم بأمراض الشيخوخة أو بعض الأمراض المزمنة، بل إنها تتعدى ذلك إلى مشاعر البؤس والشقاء التي تنتج عند إحساسهم بأنهم أصبحوا بلا فائدة في المجتمع وإلى مشاعر الوحدة واليأس التي تنتابهم.
فأصبح من الضروري التفكير في أن مشكلة كبار السن ليست فقط في ضرورة توفير المسكن والملبس والمأكل باعتبارها حاجات مادية ضرورية، فضلاً عن الرعاية الطبية بل إن سياسات الرعاية لكبار السن، ينبغي أن تمتد إلى إشراك من له القدرة منهم في البرامج التنموية التي تتناسب مع قدراتهم العقلية والجسمية، لإشعارهم بأهمية الدور الذي يمكن أن يقوموا به، حتى يعطيهم الأمل والحياة في المجتمع، ويتوفر لهم الرضا والاستقرار النفسي.
من أمثلة الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسن: أعمال ترفيهية واستغلال وقت الفراغ، أعمال ثقافية وأدبية، أعمال تعليمية وتربوية وأعمال اقتصادية واجتماعية وخدمات نفسية واستشارات مهنية.
ومما ينبغي التأكيد عليه في هذا المقام أن روافد الرعاية للمسنين في الإسلام تتعدد بتعدد مصادرها، أسرية ومجتمعية ومؤسسية.
بل إن الاهتمام بالمسنين صحياً واقتصادياً واجتماعياً وترويحياً وأخلاقياً يدخل ضمن أبواب التكافل الاجتماعي في الإسلام.
ومن العجيب أن هناك العديد من النظريات والدراسات التي تناولت العمل التنموي والمشاركة للمسنين في المجتمعات الغربية على مختلف المستويات المعيشية بالنسبة للمسنين من جهة، وعلى مختلف القطاعات أو المجالات التي يمكن أن يسهم فيها المسن من جهة أخرى، بينما تعاني الأدبيات على مستوى الوطن العربي من قلة الأطروحات التي تناقش أو تعالج مثل هذه المواضيع التي هي في أمس الحاجة إليها.
ذلك لأن التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة تشير إلى أن الكثير من المسنين يعيشون في حالة جسمية ممتازة ليس فيها أي اضطراب أو عجز ذهني أو عقلي أو نفسي.
ختاماً، أقول: إن معظم المشاكل التي يعاني منها كبار السن مرتبطة بفقدان العطاء في فترة التقاعد، وعلى ذلك فهناك ضرورة ملحة لايجاد وظيفة اجتماعية بديلة ليكتسبوا منها ارضاء كبيراً لأنفسهم.
المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع