الكاتب : د. رضا عبدالحكيم رضوان
الإعاقة لفظ مشتق من التأخير والتعويق، وهي حالة انحراف أو تأخير ملحوظ في النمو الحسي أو الجسمي أو النفسي أو العقلي أو الاجتماعي مما تنجم عنه صعوبات وقيود واحتياجات خاصة.
والإعاقة منظومة في تقسيمات علمية تخصصية، وتنصب الدراسة المعروضة أدناه على التدابير الواقية من الإعاقة الذهنية على نحو خاص حيث دلت بحوث علمية على الصلة الوثيقة بين حدوث هذا النوع من الإعاقة عند الأطفال وقصور التغذية.
إن درء الإصابة بسوء التغذية بين صغار الأطفال يظل السياسة المثلى ـ ليس فقط من منطلقات أخلاقية بل من منطلقات اقتصادية أيضاً. إن الدولة توظف ملايين الدولارات من أجل التعليم ولو أن كثيراً من هذا المال يذهب هدراً عندما يقف الأطفال عند باب المدرسة بسبب قصور التغذية. لذلك من الضروري أن تعد الكلفة الفورية لبرامج التغذية وكذلك المدخلات الأوسع نطاقاً استثماراً ملحاً في المستقبل، فسوء التغذية يفسد الاستعداد التعليمي وما يعقبه من تدهور في انتاجية القوى العاملة، الأمر الذي يجعله مجازفة مرفوضة سواء بالنسبة لضحاياها أو بالنسبة لقدرات الأمة. إن أية خطوات تتخذ اليوم لمحاربة سوء التغذية وتأثيراتها الذهنية ستقطع شوطاً طويلاً باتجاه تحسين نوعية الحياة لكثير من المجموعات السكانية بل وللمجتمع بأسره.
يقصد بسوء التغذية Malnutrition عند الأطفال تناول أغذية لا تفي باحتياجاتهم من المواد الغذائية Nutrients الموصى بها والموضوعة من قبل المجمع الوطني للعلوم.
يسبب نقص (قصور) التغذية Under nutrition لدى الأطفال مجموعة من المشكلات الصحية قد يصبح العديد منها مزمناً. فقد تؤدي هذه الحالة المرضية إلى فقد حاد في الوزن وإعاقة النمو وإضعاف مقاومة الجسم للخمجInfection. وفي أسوأ الحالات قد تؤدي إلى الموت المبكر. وبشكل خاص، يكون للتأثيرات الناجمة عن نقص التغذية أبلغ الأضرار خلال السنوات القليلة الأولى من حياة الطفل عندما يكون جسمه في حالة نمو سريع وعندما تصل احتياجاته من السعرات (الكالوريات) والغذيات إلى حدودها القصوى. وقد تؤدي التغذية القاصرة أيضاً إلى تمزيق أو ايقاف ظاهرة الاستعراف Cognition ولو أن ذلك يحدث بطرق مختلفة عن تلك التي افترضت فيما مضى. ففي فترة سابقة كان الاعتقاد سائداً بأن التغذية القاصرة خلال مرحلة الطفولة هي العامل المسبب لإعاقة النمو الذهني (الفكري)، وأن مثل هذه الإعاقة تحدث فقط عن طريق إحداث تلف بنيوي دائم للدماغ، بيد أن الأبحاث الأكثر حداثة تشير إلى أنه من الممكن أن يؤدي سوء التغذية أيضاً إلى إعاقة النمو الذهني بطرق أخرى. كذلك تبين أنه حتى في الحالات التي حدث فيها تلف للجهاز الدماغي فإن بعضاً من هذا التلف قابل للإنحسار أو العلاج. ومن الطبيعي أن يكون لهذه المكتشفات الجديدة تأثير هام عند وضع السياسات الهادفة إلى دعم الانجازات المتعلقة بالأطفال المعوزين.
أظهر عدد من البحوث أن محصلة الأداء في اختبارات الذكاء كانت أقل لدى مجموعة من الأطفال التي لها تاريخ معاناة من سوء التغذية ـ منه في مجموعة أخرى من الأطفال تماثل الأولى من حيث المستويين الاجتماعي والاقتصادي ولكنها تلقت تغذية صحيحة. وقد واجهت البحوث آنفة الذكر أنواعاً مختلفة من المحددات Limitations التجريبية مما جعل نتائجها غير قاطعة. غير أن أبحاثاً أخرى جاءت فيما بعد لتبين بشكل قاطع بأن نقص التغذية خلال الحياة المبكرة قد يعيق النماء الذهني الطويل الأمد.
وهكذا.. يعيق سوء التغذية القدرات الاستعرافية من خلال عدة مسارات تفاعلية وفقاً لأحدث البحوث. هذا في حين كانت النظريات القديمة عن سوء التغذية تعتبر أن مظاهر القصور الاستعرافي تنتج فحسب من تلف يصيب الدماغ.. ويعتقد العلماء اليوم أن سوء التغذية يؤثر سلباً في النماء الذهني من خلال التداخل مع مظاهر الصحة العامة من مثل مستوى نشاط الطفل وطاقته، ومعدل نمائه الحركي، وكذا معدل نموه العام. وهذا بالطبع، إلى جانب فعل الأوضاع الاقتصادية المتدنية التي تضاعف بشكل مثير من تأثير تلك العوامل جميعها، ومن ثم يغدو الأطفال المعوزين ـ على وجه الخصوص ـ هم أكثر الفئات تعرضاً في مقتبل عمرهم لمخاطر القصور الاستعرافي.
مع مضي الوقت، نضجت الآراء بخصوص ماهية سوء التغذية والتوصيات المقترحة لتجنب هذه المشكلة. وقد اعتبرت الدراسات الأولى أن نقص البروتين هو أكثر حالات العوز ازعاجاً في أطعمة الأطفال الذين يعانون قصوراً تغذوياً وبخاصة في البلدان النامية. ومعروف أن البروتين الذي يتناوله الإنسان يتحلل إلى حموص أمينية، وبدورها يعاد استخدامها لبناء بروتينات محددة يحتاج إليها الفرد في زمن معين، كذلك تشكل البروتينات كثيراً من العناصر البنيوية للجسم كما تساعد على قياسه بمعظم العمليات الخلوية. غير أن الباحثين شعروا، مع مطلع السبعينات بقلق تجاه السعرات (الكالوريات) كعامل تغذوي ضروري أيضاً، فعندما يواجه الجسم نقصاً في السعرات فإنه يحلل الأحماض الأمينية من أجل الحصول على الطاقة وذلك بدلاً من استخدام هذه الأحماض في صنع بروتينات جديدة.
وفي سنوات لاحقة أكثر حداثة أظهرت بحوث تغذوية امكانية أن يكون لقصور الفيتامينات والمعادن وبخاصة فيتامين A وكل من عنصري اليود والحديد ـ تأثير ضار أيضاً ـ ويعد فيتامين A عاملاً هاماً من أجل توفير بصر ونمو عظمي سليمين، إضافة إلى نمو طبيعي للأسنان ومقاومة جيدة تجاه الإصابات الخمجية (الانتانية) Infectious. أما عنصر اليود، الذي يندر تواجده في البلدان النامية فهناك حاجة إليه من أجل أداء سليم للجهاز العصبي المركزي، ويساعد الحديد الجسم على تشكل (بناء) خلايا الدم الحمراء التي تقوم بوظيفة نقل الاكسجين إلى النسج (الأنسجة) كما تعمل على مقارعة الأخماج. لذلك يعتقد معظم الباحثين حالياً أن أفضل وسيلة لتحاشي سوء التغذية هي تقديم غذاء يوفر كميات كافية من البروتين والسعرات والفتيامينات والمعادن. وذلك لضمان الحصول على نمو طبيعي.
المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع