الكاتب : د. ياسر بن محمود الفهد
مما لا شك فيه أن الأسرة تتأثر في حال وجود طفل أو طفلة معاقة بغض النظر عن نوعية تلك الإعاقة، وقد تنشأ الخلافات بين الزوجين في حال وجود هذا الطفل وتتفاوت حدتها من بلد إلى آخر ويبقى الواقع المرير والصعب وهو وجود طفل لديه اضطراب التوحد.
وتكمن الصعوبة الأساسية في عملية تحمل الأسرة وتأقلمها مع حالة طفلها التي تم تشخيصها بأنها عرض التوحد، تليها عملية تدخل الأطباء والمتخصصين والمعالجين والمعلمين أو المعلمات في حياة الأسرة بشكل مستمر ومتواصل.
أن تغدو المرأة أماً فهذه لحظة تنتظرها العديد من النساء ولهذه المرحلة طعم خاص في حياة كل زوجة.. فتمر بكل مراحل الحمل ومشاقه.. وتتنفس الصعداء عندما تضع حملها.. وتدب الفرحة في أوصالها.. وترى السعادة على وجهها مستبشرة بوليدها فلذة كبدها… هذا هو حال كل امرأة في هذا الوجود.
بعد ولادة طفل (يشخص بعدها ضمن حالات التوحد) لا يوجد ظاهرياً أي أثر للإعاقة عليه.. الجسم سليم والصحة ظاهرة، تبدأ بعدها مراحل النمو التي تتأثر بها الأم وهي خمسة مراحل:
مرحلة الرشد، تدرك الأم بأن طفلها قد تحول إلى رجل بالغ.. تتساءل الأم ما هو مصير هذا الابن عندما ترحل؟
لذلك أيها الزوج أيها الأب أيها الرجل تذكر أنه من الصعب على أي أم شابة استيعاب كل هذا..
وتذكر أن جميع الأمهات يفكرن في الخمس مراحل لعدة أشهر منذ بداية التشخيص.. لذا حاول أن تكون عوناً لها في هذا الابتلاء
تظهر عدد من العلامات البارزة على الأم عند معرفتها بأن هناك خطأ ما قد حدث وأثر على حياة هذا الطفل ومن العلامات البارزة التي قد تلاحظ تأثر الأم بقوة عند بداية التشخيص.. فغريزة الأمومة تسبب الشعور بالاستياء تجاه الأطباء المختصين بسبب طول عملية التشخيص.. وبالتأكيد ستكون هناك أوقات تشعر الأم فيها بالحزن والإحباط… لكن يجب أن تتعلم الأم القبول وأفضل ما تتحلى به الأمهات هو الحب.
ربما تعتقد بعض الأمهات أن الآباء لا يهتمون أو يتأثرون عندما يتم إخبارهم بأن طفلهم يعاني من خلل ما أو يعاني من اضطراب توحد.. اعلمي أن النكران يعتبر ردة فعل مشتركة بين الآباء وهو نابع عن شعورهم بالمسؤولية إزاء ما يحدث للأسرة..
أما في مرحلة العمر المتقدم في المدرسة، فإن الأب يلاحظ العجز واضحاً ولا يرى أي تقدم ظاهر على الطفل..
ولكن من المهم جدا أن يقوم المعالجون، والأطباء، والمتخصصون، ومقدمو الرعاية، وأيضاً الأم بتوضيح أي تقدم يطرأ على الطفل لوالده.
وفي مرحلة الرشد، يدرك الأب أن ابنه قد أصبح رجلاً بالغاً.. ويستحوذ التفكير على الأب الذي يعرف أنه لن يكون دائماً موجوداً لحماية ابنه.
وكما هو معروف بأن الأب لديه الكثير من الأعباء التي يتحملها تماماً مثل الأم.. فطريقة الأب في التعامل مع التشخيص لا تقل فاعلية عن طريقة الأم.
ومعروف أيضاً أن الرجال يعتقدون أنهم حلالو مشاكل، ولذلك يحاولون حل مشكلة التوحد بسرعة.. ولكن للأسف لا يستطيعون حلها! لذلك أيتها الزوجة الفاضلة اعلمي أن النساء يستطعن عمل الكثير لمساعدة أزواجهن للتصحيح والتعايش مع الوضع عن طريق فهم طبيعة الرجل، وهذا ما سيمكنه من العناية بأسرته بما فيها الطفل الذي لديه توحد مدى الحياة..
(لا تسمح للتوحد بأن يكون كلّ حياتك).. هناك ضغوطات كافية على مسيرة الزواج خصوصا في ظل وجود طفل مصاب بالتوحد.. ونتائج الضغط المتوقعة على الزوجين هي: سرعة الغضب، ضعف في التواصل مما يسمح للحياة بالتدهور والانحراف عن مسارها
إن أسوأ ما يمكن تخيله هو تخلي الزوجين عن بعضهما، فبدل أن يكونا عوناً لبعضهما يفترقان أو أو ربما يتطلقان.
بالتأكيد الحفاظ على المودة هو من أصعب الحالات وتعتبر فريدة في الحياة الزوجية في حال وجود طفل مصاب بالتوحد.. أما كيف تبقى المودة حية فيمكن للزوجين عمل الآتي:
الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان.. لا يتم إيمان المسلم حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه.. وما أخطأه لم يكن ليصيبه.. وأن (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (القمر ـ 94)، وكل ما يقع من المصائب والفتن في الأرض، أو في النفس، أو في المال، أو في الأهل، أو في غير ذلك.. فالله سبحانه قد علمه قبل وقوعه.. وكتبه في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه:
(ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) (الحديد ـ 22).
وكل مصيبة تقع فهي بإذن الله. ولو شاء ما وقعت.. ولكن الله أذن بها وقدرها فوقعت كما قال سبحانه: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} (التغابن 11).
إذا علم العبد أن المصائب كلها إنما بقضاء الله وقدره… فيجب عليه الإيمان والتسليم والصبر.. والصبر جزاؤه الجنة كما قال سبحانه: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) (الإنسان ـ 21).
أرشدنا الله إلى ما نقوله عند المصيبة.. وبين أن للصابرين مقاماً كريماً عند ربهم فقال: (وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة) (البقرة 551 ـ 751).
المؤمن خاصة مأجور في حال السراء والضراء.. قال عليه الصلاة والسلام: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» (رواه مسلم).
في ظل وجود طفل مصاب بالتوحد من الأهمية بمكان أن يولي الأبوان اهتماماً خاصاً بعلاقتها سوياً ويوحدانها ويعطيانها الأولوية القصوى
اجعل الأولوية لشريك حياتك، الناس وخاصة الأمهات قد يجعلون هذه الأولوية تنحرف عن مكانها المناسب وذلك بجعل الطفل أهم من حياتهم (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
مقابلة الأصدقاء بانتظام هي جزء من سلامة الصحة العقلية، ولكن يجب الأخذ بالاعتبار بعدم الاعتماد على الأصدقاء أكثر
رتب زياراتك لهم وخطط لعمل بعض الأنشطة معهم.
زاول بعض الهوايات كالرياضة والمشي وهواياتك المفضلة.. ولكن لا تجعلها تستحوذ على وقتك مع أوقات أسرتك.
أخيراً لا تـجعـل اضطراب التوحد يؤثر على حياتك الزوجية.
المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع