لحظة فريدة، هي مولد علي وسلطان وشقيقتهم في 27 مارس من العام 1993، كما تصفها والدتهم، بعد أن نجحت جهود الأطباء بفضل الله تعالى في عملية ولادة الثلاثة التوائم، ليملؤوا حياة الأب والأم والعائلة الصغيرة بالبهجة والسعادة، لكن بعد عام واحد من الميلاد أصيب اثنان من التوائم بإعاقة في المشي والحركة، وبدأت رحلة العلاج الطويلة والتي لم تنته حتى يومنا هذا.
«العرب» التقت الأسرة الصغيرة، لتضيف والدتهم أم التوأم: «قلنا الحمد لله ورضينا بقضاء الله وابتلائه، فقد شخص الأطباء المرض بشلل دماغي رباعي، والابن الأول سلطان كنت أحمله لإصابته في العمود الفقري بشكل كامل، بالإضافة إلى تيبس الأطراف، ونجحت الجراحة في تصحيح العمود الفقري له».
وتتابع حديثها قائلة: «الأولاد هم أكبر نعمة منحها الله لي في حياتي، فأنا مؤمنة تمام الإيمان بقدرة الله وعظمته، نعم عانيت في السنوات الأولى من رحلة العلاج لكن الدولة ساعدتنا كثيرا بقرار العلاج على نفقتها».
يتحدث «علي» الألمانية بطلاقة، وهو يقول لـ «العرب» بكل فخر: إن أساتذته في المركز الثقافي الألماني بالدوحة يشيدون بمستواه وتفوقه الكبير على زملائه من الدارسين معه في المركز.
«علي» بدأ في اكتساب خبرة اللغة الألمانية في نهاية رحلة العلاج التي قضاها في ألمانيا وهي محطته الأخيرة، على نفقة الدولة، فكان يتحدث مع الأطباء والممرضات، ويقول: «أحببت جدا هذه اللغة، والأطباء الألمان أوصوا والدتي بأن أستكمل دراستها». ويمثل «علي» وشقيقيه التوأم وكل أفراد عائلته قصة كفاح حقيقية لتحدي المرض والإصرار على البقاء والنجاح، كما تكشف معدن الإنسان القطري النبيل وطموحه الذي لا ينتهي، وإيمانه بالقضاء والقدر.
يقول سلطان (20 عاما) وهو في الصف الأول الثانوي: إنه يثبت تفوقه بالمدرسة يوما بعد يوم، مشيراً إلى أنه يحرص على الصلاة والمذاكرة للتفوق، ويؤكد أنه يتمنى أن يخدم وطنه العظيم قطر عندما يتخرج ويرد الجميل لوطنه ولعائلته، والدولة التي لم تقصر، لكننا نرغب في سيارة مجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة ملحق بها مصعد للخروج، فأنا أرهق والدي والآخرين عند التسوق والتنزه والخروج لأي مناسبة.
لكن والدته تقول لـ «العرب»: إن له اهتمامات أخرى فهو يعشق الرياضة، خاصة كرة القدم، مشيرة إلى أن العائلة تتقسم بين تشجيع الغرافة والريان، وموضحة أن سلطان بالذات يمتد عشقه لبرشلونة الإسباني ويتابع البطولات الكبرى.
وتوضح أن تأخر سلطان في الدراسة يرجع إلى مدة كورس العلاج في ألمانيا، الذي تطول فترته في كل عامين تقريبا، فقد بدأ الدراسة في المركز التابع لمستشفى الرميلة، وانتقل عبر برنامج دمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في مدارس القادسية واليرموك وأخيرا خليفة الثانوية، أما شقيقته فقد تفوقت على نفسها وهي تدرس بجامعة قطر حاليا، بينما الشقيق الثاني «علي» ما زال يدرس في مركز الشفلح، لكن أطباء المستشفى الذي كان يعالج فيه بألمانيا طلبوا منه أن يستكمل دراسته للغة الألمانية، فقد أعجبهم بشدة ذكاءه وقدرته على اكتساب المعرفة، وقد راسلوا بأنفسهم المركز الثقافي الألماني لكي يدرس علي به.
ويقول «علي»: والدي والعائلة لم يقصروا معي أبداً، فقد التحقت الآن بالمركز الثقافي الألماني لأدرس اللغة التي أحبها وأنا متفوق فيها للغاية ووالدتي تشجعني بشدة، لكن تكاليف الدراسة أصبحت مرهقة بالنسبة لعائلتي، ولذا أطالب المجلس الأعلى للتعليم بتحمل تكاليف الدراسة.
وأقنع «سلطان» و «علي» والديهما بالتحدث للصحافة وإبداء طلبهما في الحصول على سيارة مجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة والدراسة بالمركز الألماني، عندما ذهب الشقيقان للأستاذ حسن الساعي المشرف على المحليات والتحقيقات بـ «العرب»، وهما يقولان: نتابع «العرب» باهتمام وهي صحيفتنا المفضلة، وفضلنا أن يصل صوتنا للمسؤولين عبرها.
ورفض الوالدان التحدث في البداية، لكنهما استجابا لأولادهم الذين يحبونهم كثيرا، يقولان: «لا نحب أن نكسر بخاطر أبنائنا فعندما أوصى الأطباء الألمان بدراسة «علي» للغة الألمانية قررنا على الفور إلحاقه بمدرسة متخصصة بالدوحة، لكن لم يتم قبوله لكبر سنه، فقد كبر سنه لطول فترة العلاج بالخارج مما اضطرنا لإلحاقه بالمركز الثقافي الألماني».
تضيف والدته «أنه لما طلبنا من المجلس الأعلى للتعليم تحمل نفقة الدراسة رفض بحجة أن المجلس لا يتكفل بمصروفات التعليم بالمراكز الثقافية، وإنما يتكفل بها في المدارس الرسمية، ولأنني لا أحب أن أرفض طلبا لنجلي المتفوق باللغة الألمانية، فقد تواصلت مع المركز وتحملت المصروفات، لكن هو من أصر على المطالبة بحقه في تعليم ما يحب دون إرهاق أسرته».
وبالنسبة لمطلب سلطان في سيارة مجهزة، تقول: «المجلس الأعلى للتعليم ومدرسة سلطان لم تقصر في أي شيء، فهو يلقى الرعاية المطلوبة بالنسبة لانتقاله للمدرسة، لكن الأبناء يطالبونني دائما بالمشاركة في مناسبات الدولة كالعيد الوطني وغيره من المناسبات التي تدعونا كقطريين للفخر ببلادنا، وهو ما يمثل صعوبة في الخروج بالأولاد بسيارة غير مجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة». وفي النهاية، يؤكد «علي» و «سلطان» أنهما استلهما التحدي للإعاقة والمرض، والطموح لخدمة بلدهم الحبيبة من الحكومة الرشيدة للبلاد التي جعلت قطر محط أنظار العالم.