يصادف يوم 15 أكتوبر ذكرى احتفال العالم سنويا بيوم العصا البيضاء تعبيراً عن مشاعر المشاركة والدعم لمن فقدوا حاسة البصر، وتهدف هذه المناسبة إلى إبراز اهتمام الأمم وجميع دول العالم بالأفراد المعاقين بصريا، من خلال تقديم الخدمات لهم على مختلف المستويات، ومساواتهم بالأفراد المبصرين في حقوقهم وواجباتهم، وتأمين احتياجاتهم الخاصة التي تسهم في زيادة قدراتهم، وإعطائهم الفرص لكي يحيوا ويعيشوا ضمن مجتمعاتهم، أفراداً منتجين.
إيحاءات وإيماءات تعززها فكرة حمل العصا البيضاء للمكفوفين في شتى أنحاء العالم، ولكن يبدو أن هذه الثقافة منعدمة بين مجتمع المكفوفين الخليجين، بما فيها المجتمع الكويتي الذي يفتقر الى كيفية وآلية استخدام هذه العصا التي من المفترض أنها الصفة المرافقة لهذه الفئة والأداة المعينة لهم، وفق ما ذكره العديد من ذوي الاعاقة البصرية، طالبوا بتعزيز ثقافة المجتمع حول استخدام العصا البيضاء، مبينين أن الاهتمام الذي ينعم به الكفيف من قبل أسرته والمجتمع الذي يعيش فيه، دفعه الى العزوف عن استخدام العصا البيضاء وإحلالها بالمرافق.
واشتكى المكفوفون من عدم وجود متخصصين في مجال تعليم فن الحركة باستخدام العصا البيضاء وتدريب المكفوفين على استخدامها، مؤكدين أن توعية المجتمع بحقوقهم وقدراتهم أهم كثيرا من نظرة العطف والشفقة.
وأشار عدد من المكفوفين إلى إمكانية حصولهم على العصا البيضاء عبر الانترنت ومحال متخصصة في بيعها وبأسعار رمزية، كما يمكن الحصول عليها من جمعيات النفع العام المختصة مجانا، كما تتعدد أشكالها وأنواعها وأحجامها، فمنها الالكترونية ومنها العادية.
القبس التقت عدداً من المكفوفين والنماذج المشرقة منهم، للتعرف على مدى ادراك المجتمع الكويتي، وخصوصا المكفوفين لثقافة استخدام العصا البيضاء، كما انتهزوا الفرصة لطرح مشاكلهم وطموحاتهم، وكانت حصيلة الحصاد التالي:
غانم العودة:
الاهتمام بالصحة النفسية للكفيف
«أرى الدنيا بعيني الإرادة»، شعار للتفاؤل يرافقه أينما ذهب ليبصر الحياة بإرادته وعزيمته، هكذا هو حال غانم العودة عضو جمعية المكفوفين الكويتية، ومدقق في مطبعة عبد المحسن الخرافي، ومنسق للمشاريع الثقافية، ولديه رؤية ثقافية، فحواها أن الانسان الكفيف شريك في الثقافة وصانع للحياة، ومنتج للثقافة، وليس مجرد مستهلك.
وقال العودة: اذا كانت العصا البيضاء هي شعار للكفيف، فنحن لسنا بحاجة اليها اذا كنا نثق بأنفسنا ونستخدم رؤيتنا من الداخل، فإذا كان الانسان يتمتع بالرضا والصحة النفسية وقادراً على تنمية ذاته فهذه هي العصا البيضاء الحقيقية.
واعتبر أن الكفيف في المجتمع الكويتي مدلل، مضيفاً «ربما يصدم البعض بأن المعاق عموما، والكفيف خصوصا، يعاني من بني جلدته من إخوانه في الاعاقة»، لافتا إلى عدم معاناة الكفيف من مشاكل حقيقة، وإنما يعاني من مشاكل نفسية بالدرجة الأولى.
وزاد بالقول «آن الأوان للاهتمام بالصحة النفسية للكفيف، وتدعيم ثقته بذاته وإعادة بناء شخصيته، فهو يحتاج للدعم النفسي أكثر من كل من الدعم المادي والسلعي والمالي»، مطالبا بالاهتمام بالصحة النفسية.
وأشار إلى عدم وجود اهتمام بإعادة تأهيل من يتعرّض لكف البصر، أي ليست هناك جهة قادرة على تدعيم سيكولوجية الكفيف وإعادة تأهيله بعد تعرضه لصدمة الاعاقة (فقدان البصر )، مردفا بالقول: لدينا عباقرة ومبدعون من المكفوفين من قبل أكثر من قرن، ولكننا الآن غير قادرين على صناعة أي مبدع كفيف، وهذا نقد وقصور ذاتي من قبل الكفيف، وليس من الحكومة.
منصور العنزي:
الوعي بقيمة العصا البيضاء ضعيف
بالإرادة والمثابرة وبفضل تشجيع بعض الموجهين، استطاع منصور العنزي تحقيق حلمه وتحويله إلى واقع، ويعتبر الوحيد من الكويتيين المكفوفين الذين التحقوا بكلية الآداب ــــ قسم اللغة الانكليزية، ويدرس مادة اللغة الانكليزية في وزارة التربية، ويتولى حاليا رئاسة قسم اللغة الانكليزية في مدرسة النور ـــ بنين، اضافة إلى منصب أمين سر الجمعية الكويتية للمكفوفين.
ولم يغفل أن يستذكر الصعوبات التي واجهته في للعمل في مجال مؤهله الدراسي، فلم يجد أي اهتمام في البداية لتأهيله وظيفيا، متمنيا أن تشكل وزارة التربية مجلساً استشارياً من المعلمين من ذوي الاعاقة حتى يساهموا في صنع القرار خاصة في الجانب المتعلق بتدريس ذوي الاعاقة في التربية الخاصة.
كما تمنى أن يحظى المكفوفون بمقابلة وزير التربية لطرح مشاكلهم التعليمية، لافتا إلى أن «الجمعية خاطبت الوزير والوكيل لحضور حلقة نقاشية حول همومنا التعليمية، ولكن لم نر أي تجاوب».
وعن المناسبة، أشار إلى عدم استخدام المكفوفين في الكويت العصا البيضاء بشكل منتظم، كما أنها ليست الصفة المرافقة للكفيف، وإنما هي مجرد تجارب فردية للمعدودين من هذه الفئة، مرجعا السبب في ذلك إلى عدم ملاءمة الطرق والمباني للمكفوفين، وبالتالي فإن استخدام العصا ليست له جدوى، بخلاف الأمر في الدول المتقدمة، حيث الطرق المهيأة لاستخدام العصا، وتوجد علامات ترشد الكفيف على تجاوزه امتارا، ولفت الانتباه للسائقين.
واستغرب العنزي نظرة المجتمع التي وصفها بالغريبة تجاه استخدام العصا لدرجة تصل في بعض الأحيان إلى الازدراء والسخرية، ناهيك عن انعدام الوعي والثقافة لدى الكفيف ذاته بأهمية العصا وكيفية استخدامها، لافتا إلى أن التدريب على استخدام العصا شكلي، وليس جديا، فلا توجد متابعة واهتمام من وزارة التربية لاستخدام العصا وفن الحركة.
من أين استوحيت الفكرة؟!
يعتبر إحياء هذه المناسبة بمنزلة تقليد وطني في أميركا، حيث يتم إحياؤها في الخامس عشر من أكتوبر من كل عام. وبدأ هذا التقليد عام 1964. وهدف إحياء هذه المناسبة هو الاحتفال بالإنجازات التي يحققها المكفوفون في كل عام، وتعزيز كون العصا البيضاء رمزاً لاستقلالية الكفيف. وأقر الرئيس الأميركي ليندن جونسون هذه المناسبة كمناسبة وطنية، حيث وقع عليها الرئيس بموافقة الكونغرس الأميركي، على أن تكون مناسبة وطنية يُحتفل بها في الولايات المتحدة الأميركية في كل عام، وفق الدستور الأميركي. وهذا بالطبع يوحي بأن الكفيف في أميركا نجح في توصيل ما يهمه من أمور إلى أعلى المستويات. فلم يتفضل عليه أحد بإقرار مناسبة كهذه في سنة دون أخرى، بل تحولت إلى مناسبة وطنية يُحتفل بها رسميا.
فالدستور الأميركي يُلزم بإقرار فعاليات واحتفالات رسمية في الخامس عشر من أكتوبر من كل عام. وهذا الإنجاز لم يكن من الممكن تحقيقه لولا جهود النخبة في الاتحاد الأميركي الوطني للمكفوفين NFB.
بتاريخ 1964/10/6 أقر الكونغرس الأميركي قانونا عاما رقم 628 ـــ 88 ينص على أن يكون يوم 15 أكتوبر من كل عام هو احتفال بيوم عصا الأمان البيضاء، كيوم يعبّر فيه المكفوفون عن أنفسهم، ومن هنا انتقلت الفكرة الى عديد من الدول العربية لتحتفل في يوم 10/15 من كل عام بالشخص الكفيف وبعصاه البيضاء.
وعد العازمي: فتح المجال لدراسة المواد العلمية في الثانوية
اشتكت وعد العازمي، وهي طالبة كفيفة منذ الولادة، وتدرس في الصف العاشر، من اقتصار تدريس المواد العلمية للطلبة المكفوفين على المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، بخلاف الأمر في أغلب الدول العربية، حيث يتم تدريسها في جميع المراحل العلمية.
وتمنت العازمي أن تصبح معلمة رياضيات في المستقبل، ولكن عدم تدريس المواد العلمية في المرحلة الثانوية، دفع العديد من الطلبة الى الالتحاق بالقسم الأدبي إجباريا، الأمر الذي يعيق تحقيق حلمها.
تضامن ومساندة
تضامناً مع المكفوفين، نظم غروب فتيات الكويت التطوعي حملة مشي بمناسبة الاحتفال بيوم العصا البيضا، بهدف تعزيز الجانب الرياضي ودمج المكفوفين مع أقرانهم المبصرين في رياضة المشي.
حوراء العنزي: تهيئة الطرق.. وتغيير نظرة المجتمع تجاه الكفيفة
طالبت حوراء العنزي (طالبة بالفرقة الأولى بكلية الحقوق ـــ جامعة الكويت) بتهيئة الطرق في جميع المرافق العامة، ولا سيما في الجامعة، متمنية الاستغناء عن الكاتب الذي يرافقهم لمساعدة الطلبة في حل الاختبارات والاعتماد على ذاتهم والشعور بالاستقلالية.
وتمنت تغيير نظرة المجتمع الدونية تجاه الكفيفة من حيث عدم قدرتها على الاعتماد على ذاتها والاهتمام بمظهرها الخارجي، مثل قريناتها من المبصرات، لافتة إلى معاناتها من انعدام التواصل الاجتماعي مع زميلاتها في الدراسة من باب الصداقة.
المصدر : مى السكرى \ جريدة القبس