عملية حسابية أشبه ما تكون بالنسبة للصم، تعلم القرآن الكريم، وحفظ قصار سوره، إذ أن عملية حفظه تتم بثلاث خطوات، يستخدم الأصم فيها عقله، وعينيه، ويديه، والكتابة أيضًا.. هكذا شرحت معلمة دار القرآن الكريم والسنة في قطاع غزة أمل لبد، أول تجربة لمؤسستها القرآنية في تحفيظ القرآن لفئة الصم.
وتوضح لبد التي تجيد لغة الإشارة، أن عملية التحفيظ تتم عن طريق عرض برنامج قرآني خاص بفئة الصم، يتناول آيات القرآن الكريم مع شرحها، تكون خلالها أعين الفتيات محدقات النظر فيه، ليتم لاحقًا مناقشة تفسير الكلمات وتقريب معانيها لعقولهن.
وتشير لـ”فلسطين”: “بعدما يتم قراءة الآية، وفهم معناها جيدًا، نقوم بتحويلها للغة الإشارة، ونتدرب عليها، ثم نطبق الحفظ كتابيًا على الدفتر”.
وبرأي المعلمة التي تملك تجربة خاصة في التعامل مع فئة الأصم- كمدرسة للتربية الدينية في مدرسة المكفوفين الثانوية الحكومية “مصطفى الرافعي”-، إن الخطوات السابقة تكون أحدثت اختراقاً جديداً في قلب وعقل “الأصم”، الذي يقوم بعد ذلك بالخروج للسبورة ليطبق الحفظ بلغة الإشارة أمام زملائه.
وتعبر المعلمة عن فخرها وسعادتها بالتجربة القرآنية الأولي، والتي تضم 20 فتاة من طالبات الثانوية العامة، مشيرة إلى أن هناك تفاعلًا واسعًا من قبل الفتيات الملتحقات في الحلقة الوحيدة في قطاع غزة، والالتزام في الحضور إليها، والمواظبة على مراجعة الحفظ في البيت.
وتستهدف الحلقة ذات التجربة الأولى، حفظ وتفسير جزء عمَّ كاملاً، وهو الأمر الجديد على فئة الأصم، الذين يدرسون سورة الفاتحة وبعض الآيات في منهاجهم الحكومي.
أسباب مختلفة
“فلسطين” شهدت بضع دقائق مع عملية التحفيظ التي تكون مع ساعات الصباح الأولى من شهر رمضان المبارك حتى آذان الظهر، فكان الملفت للنظر في تِلك الحلقة التي اتخذت من مقر دار القرآن الكريم والسنة –فرع الطالبات- مكانًا، أنها لم تكن كنظيرتها من الحلقات التي تصدّر دويًا كدوي النحل؛ لأن الحفظ والتسميع بلغة الإشارة.
ولغة الإشارة: هي مصطلح يطلق على وسيلة التواصل غير الصوتية التي يستخدمها ذوو الاحتياجات الخاصة سمعياً (الصم) أو صوتيًا (البكم).
الطالبة ريم داود إحدى الطالبات المشاركات، حدثتها “فلسطين” عبر رسولها، لتعبر بحركات وجهها عن سعادتها بالالتحاق في مراكز تحفيظ القرآن الكريم؛ نيلاً للأجر والثواب في رمضان، وغيره من الشهور.
تعبر داود بحركات يدها لمدرستها، لتصف تجربتها الأولى مع القرآن الكريم بـ”الصعبة جدًا”؛ لأنها لم تتلق ذلك منذ صغرها، في حين تلّوح بيدها أنها متمسكة في الحلقة ومتابعة الحفظ.
ومن ناحية أخرى، ترى زميلة داود الطالبة ليلي دبو، أن تجربتها الأولى مع حلقة التحفيظ، سيساهم بشكل كبير في إثرائها بمعاني الآيات، وفهمها، لاسيما أن قصار السور نرددها كثيرًا في الصلاة دون فهم معانيها.
ولم تكتف المشاركة على دبو، وداود، إذ أن ثمة حركات اشارية ترسل من الطالبة تسنيم الصعيدي لمدرستها؛ رغبة في المشاركة بالحديث الجماعي.
وتوضح الصعيدي التي توزع النظر بين مراسل “فلسطين” ومعلمتها، أن تعلّم القرآن بالنسبة لشريحتنا، سيساهم في تعليم زملائنا في مختلف مراحلهم العمرية، إلى جانب فهم القرآن، والأجر والثواب من المولي.
صعوبات جمة
منسق المشاريع في دار القرآن الكريم والسنة هاني ثريا، أكد حرص مؤسسته القرآنية في تعليم القرآن، وأحكامه، وحفظه لكافة الفئات والأجيال العمرية في قطاع غزة.
وأوضح ثريا لـ”فلسطين”، أن مؤسسته لديها تجربة عريقة في تحفيظ القرآن، وخاصة ما شهدته السنوات الأخيرة من تحفيظه لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة، وآخرهم فئة المكفوفين عن طريق لغة “بريل”.
ونبّه إلى أن الصعوبة في هذه المشاريع تكمن في مخاطبة تلك الفئات، إلى جانب العائق المالي.
وقال: “إن التكلفة المالية تحول دون توسيع حلقات التحفيظ لفئة الصم في جميع أرجاء القطاع”، موجهًا في الوقت ذاته، شكره وتقديره لمؤسسة الأمل للرعاية والتنمية الاجتماعية- لبنان، على رعايتها لحلقة تحفيظ فئة الصم بغزة.
وأضاف: “فئة الصم وغيرها من الفئات الخاصة بحاجة إلى اهتمام واسع، ومتطلبات كثيرة”، مشيرًا إلى رغبة فئة الصم الملتحقات بحلقة التحفيظ في أداء عمرة، وزيارة البيت الحرام.
ولفت إلى أن الحلقة التحفيظية ستشهد جوائز، ورحلات ترفيهية، وإفطارا جماعيا، إضافة إلى كسوة العيد؛ تشجيعًا لتلك الفئة، معربًا عن أملّه أن يشهد العام القادم عملاً واسعًا في تحفيظ القرآن الكريم لأكبر عدد من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.