عوض الله تاميرو زيجييه عن هزال وضعف ساقيه بساعدين قويين، فلم يستسلم لإعاقته، وبدأ يتحرك بأسلوب أنيق للأمام وللخلف كما لو كان يقوم بأداء رقصة، وفجأة يتشقلب في الهواء رأسا على عقب مستندا على عكازيه.
بسبب الإعاقة إثيوبي يكسب عيشه من استعراضات السير على اليدين
تاميرو تعني “المعجزة” بالأمهرية، اللغة الرسمية في إثيوبيا، وهو معنى ينطبق تماما انطباق السوار على المعصم في حالة هذا الشاب المعاق ذي الـ31 ربيعا، الذي نجح في تحويل عجزه الدائم إلى طاقة وموهبة عبر السير على يديه.
تبرق عيناه بالفخر والاعتزاز، عندما يقوم باستعراض مهاراته الجسمانية، التي عانى كثيرا من أجل اكتسابها وإتقانها. تجدر الإشارة إلى أن تاميرو ظل طوال ما يقرب من نصف عمره أي نحو 16 عاما يجرجر جسده على الأرض، وعن هذه المرحلة من عمره يقول “كنت أزحف على الأرض مثل الحية لكي اتنقل من مكان إلى مكان”.
احتشد العديد من الأصدقاء والمعارف والفضوليين في أديس أبابا للاحتفال بمحاولة تاميرو دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية، وذلك من خلال قطع مسافة 76 مترا في زمن دقيقة واحدة، سيرا على يديه في هذا الوضع المقلوب ورأسه لأسفل. ولا تزال إدارة الموسوعة تدرس جديا إضافة المحاولة إلى كتابها.
يؤكد تاميرو أنه لا توجد صعوبة لا يمكن التغلب عليها “الأمر قد يستغرق بضعة شهور ولكني في النهاية سأنجح في دخول الموسوعة”.
ولد تاميرو في بلدة لاليبيلا، الجبلية شمال إثيوبيا، أثناء حقبة المجاعة والقحط التي كانت تعيشها البلاد في الثمانينيات، أصيب بشلل الأطفال، وتشوه في الساقين، مما تسبب في صدمة كبيرة لوالدته.
عن طفولته البائسة يحكي تاميرو قائلا “هجرتني أمي لأن الناس كانوا يعايرونها بأنها أنجبت مسخا هو التجسيد الحي للشيطان”. يوجد في إثيوبيا والعديد من الدول الأفريقية اعتقاد بأن المعوقين كائنات تسلط الشيطان على أرواحهم أو بهم مس.
بعد أن تخلت عنه والدته ذهب ليعيش في كنف جده والذي كان لديه مفهوم مختلف عن الإعاقة، حيث كان يعتقد أن الأطفال المعوقين هم “أبناء الرب”. عمده جده تحت اسم “فداكو” وتعني بالأمهرية “مشية الرب”. بعد دخوله المدرسة التابعة للكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية حصل على اسمه الحالي “تاميرو”.
بعد ذلك منح الجد حفيده أقيم هدية يمكن أن تقدم له في هذه المرحلة: حصان. وعن هذا الحدث الفارق يقول تاميرو “برغم سخرية الأطفال لم أتأثر أو أتضايق، على العكس تعلمت ركوب الخيل وأتقنتها. لقد شعرت فجأة أنه أصبح لدي أربعة سيقان. ولكن للأسف تعرض الجد لضائقة مالية مما اضطره للتنازل عن الحصان لسداد دين اقترضه من بعض الجيران.
استمرت معاناة تاميرو في التنقل حيث بدأ يعتمد على ساعديه القويين في جر الجزء السفلي من جسده الهزيل العاجز، عبر الطرق الوعرة المملوءة بالقاذورات. زاد على ذلك أن ساقه اليسرى تعرضت للإصابة بورم ناتج عن تلوث، مما دفع الأطباء إلى التوصية ببترها، ولكنه وجه صرخة استغاثة إلى الله، ليرفق به من كل ما يقاسيه.
وبعد عناء جاءه الإلهام، حيث نجح في علاج ساقه باستخدام لصقات من خليط أوراق بعض النباتات الطبية. بعد ذلك قرر مغادرة بيت جده الذي طعن في السن وأصيب بالعمى، ولم يعد قادرا على الاعتناء به. قام بالزحف ساحبا جسده الهزيل لمسافة 65 كيلومترا من بلدة لاليبيلا إلى أديس أبابا. استغرقت الرحلة ستة أيام.
عاش لعدة سنوات حياة بائسة في شوارع العاصمة الأثيوبية، امتهن حرفة مسح الأحذية التي بالكاد كانت توفر له لقمة العيش، إلى أن بدأ يتكسب من استخدام مهارته في اجتذاب السائحين بالسير لعدة أمتار على يديه.
في أواخر التسعينيات تعرف على شخص غير مسار حياته للأبد. كان هذا الشخص جراح أمريكي زار بلدة لاليبيلا للتعرف على كنائسها المنحوتة في الصخور والمدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) لتراث الإنسانية.
قال تاميرو “فحصني الطبيب في جلية طويلة ونصحني بدخول مستشفى في أديس أبابا، لكي يتمكن من مساعدتي”. قام أهالي البلدة بجمع المال وأرسلوني بالطائرة إلى مستشفى “بلاك ليون” في العاصمة الإثيوبية، حيث لم يكن مشوار العلاج سهلا على الإطلاق بل استمر قرابة 14 عاما أجرى خلالها تاميرو 9 عمليات، ولكن النتيجة في النهاية كانت إيجابية. يستطيع تاميرو الآن قطع مسافات بسيطة سيرا على قدميه بدون دعامات، وقام أيضا بتحسين وضعه الاجتماعي حيث أنهى دراسة الحاسوب والسياحة.
“حينما تمكنت لأول مرة من أضع قدمي بثبات على الأرض، كانت أسعد لحظة في حياتي”. كان يشعر بسعادة بالغة أيضا وهو يستند بذراعيه على العكازين المتطورين من ألياف الكربون ليقوم باستعراضاته الأكروباتية لينقل بهجته إلى الجمهور في سيرك “ديبرا بيرهان”، الذي يعتزم القيام بجولة في السويد يتقدمها عرض تاميرو، من أجل إرسالة رسالة مفادها أن “التمييز ضد المعاقين في قارة أفريقيا يجب أن يتوقف. أنا سعيد باختلافي. أشعر بالتميز لأني أسير على يدين باستخدام دعامتين”.