الكاتب : د. نادية محمد الدمياطى
إن ولادة طفل مُعاق في الأسرة، ومن ثم في المجتمع، يعتبر مسألة مهمة يجب الإنتباه إليها، ومن الضروري معرفة دور الأسرة الأساسي في التعامل مع هذه الحالة، لما لهذا الدور من آثار على نمو الفرد وتكيفه النفسي وتفاعله مع أسرته ومع أفراد المجتمع المحلي، خاصة وأننا نجد بعض الأسر تمارس كافة أشكال العنف ضد الفرد المعاق ليس إلا لكونه مُعاقًا، وتسبب هذه الإعاقة بعض الحرج للأسرة.
يتعرض الأطفال من ذوي الإعاقة إلى العديد من أشكال العنف الموجَّه ضدهم عمومًا، والتي تتخذ عادة نموذج الإساءة المتعمدة ومنها:
ولها أكثر من تعريف، وحسب الجهة التي تقوم على هذا التصنيف، فقد تُعرف من منظور طبي شرعي على أنها «وجود إصابات غير عرضية على جسم الطفل المساء إليه كالحروق أو الرضوض أو الكدمات أو السحجات والجروح، أما من الناحية الإجتماعية؛ فيمكن تعريفها على أنها (كل فعل أو امتناع يمكن أن يحدث من خلاله ضرر مقصود يوقعه القائم على رعاية وتنشئة هذا الطفل).
قد يكون الأطفال مهددين ضمن كثير من الأسر بالتعرض إلى مثل هذا النوع من المعاملة من قِبَل آبائهم أو من قِبَل القائمين على رعايتهم ولقد عُرَّف الإستغلال الجنسي من قِبَل منظمة الصحة العالمية في العام 1986، على أنه (استخدام الطفل بطريقة غير مشروعة بهدف الحصول على اللذة الجنسية للراشد) وقد ينطوي هذا الاستغلال على أشكال عدة منها (الحديث الجنسي المفضي إلى إثارة الطفل جنسيًا، إجبار الطفل على أعمال الدعارة أو تصوير الأفلام الإباحية).
يمكن القول بأن هذه الإساءة تنطوي بشكل كبير وأساسي على «إخفاق الوالدين القائمين على أسلوب التنشئة والتربية لأطفالهم، في توفير متطلبات أبنائهم الأساسية والضرورية لنموهم أو تطورهم، وبشكل مقصود ومتعمد أو بشكل إظهار اللامبالاة بهذه الحاجيات.
إن إساءة معاملة الأطفال ظاهرة سلبية لها آثار مستقبلية على الصحة النفسية والعقلية لهؤلاء الأطفال، ناهيك أن يكون هؤلاء الأطفال مصابين بإعاقات مختلفة قد تتطور إلى مراحل متقدمة ومستعصية على العلاج في حالة تعرضهم المتكرر للعنف أو الإساءة، نتيجة إخفاق الأسرة في التعامل مع حاجات ومتطلبات أبنائهم من ذوي الإعاقات المختلفة عمومًا والعقلية منها تحديدًا.
لقد دلت بعض الأبحاث والدراسات إلى أن الأطفال المعاقين هم أكثر من غيرهم، عرضة لإيقاع الإساءة والعنف عليهم، كما أن هذه الإعاقة قد تكون مصدرًا للضغط والتوتر لدى الآباء المسيئين بسبب حاجة هؤلاء الأطفال إلى العناية والإشراف اللازمين ولعل من المفيد هنا التطرق إلى بعض الظروف المسرعة لإحداث الإساءة على هذه الشريحة من الأطفال، والتي منها:
ويُعنى بها أن يكون الآباء قد تعرضوا هم أنفسهم إلى العنف والإساءة في طفولتهم، مما يجعلهم أكثر ميلاً واستعدادًا إلى إسقاط تجاربهم السلبية على أطفالهم وخصوصًا الآباء الذين لديهم أطفال من ذوي الإعاقة.
إن كثرة المشاكل بين الزوجين واستحكامها تزيد من حدة التوتر والضغط داخل المنزل مما قد يساهم في تسريع فرص تفريغ ثورات الغضب التي تنتاب الآباء على أطفالهم، وبالتالي وقوعهم ـ أي الأطفال ـ في دائرة الإيذاء والعنف، وإذا كان هذا الأمر يتم مع أطفال غير معاقين، فإنه من المتوقع في حالة وجود طفل من ذوي أن تزيد احتمالية الخطر؛ ولاسيما وأن كلا من الوالدين يُحمَّل أحدهما الآخر المسؤولية عن الإعاقة الخاصة بطفلهما.
إن عجز أرباب الأسر عن تأمين احتياجات أفراد أسرهم نتيجة لسوء الوضع الإقتصادي الملازم لهم، أو نتيجة عوامل البطالة المختلفة، قد يؤدي إلى نشوء صراع بين الزوجين، وقد تكون نتائجه سلبية في العادة، وتنعكس هذه الصور الممثلة بالإساءة على بعض أفراد الأسرة الضعفاء، وخصوصًا الأم وبعض الأطفال.
إن تضافر وجود الضغوط الحياتية والإجتماعية والإقتصادية المعقدة والمركبة والتي يتعرض لها أولياء أمور الأسر خارج المنزل قد تزيد من حدة التوترات والهزات المحتملة لهذه الأسر، وبالتالي انتقال حلقة العنف إلى داخل البيت، والتي قد تزداد حدتها في حال وجود طفل أو أطفال معاقين.
لذا فلا بد للأسر التي من بين أفرادها طفل معاق أن تحرص على عدم استخدام العنف ضده، لأن الأسرة تلعب دورًا مهمًا للغاية في تشكيل سلوك الطفل وتكيفه، خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، وبصرف النظر عن الفروق الثقافية، تبقى الأسرة النظام الرئيسي في كل المجتمعات البشرية الذي لا يلبي الحاجات الفيزيولوجية للطفل فحسب وإنما الحاجات النفسية ـ الاجتماعية أيضًا، والمتمثلة بالحاجة إلى الحب والإنتماء والشعور بالأمن وتقدير الذات، خصوصًا إذا كان الطفل مُعاقًا.
والآباء هم الأكثر معرفة بحاجات أطفالهم، فهم يدركون أفضل من أي شخص آخر أنواع الخدمات التي يحتاجها الأطفال، ولكن الطريق لا يزال طويلاً جدًا أمام الآباء قبل أن تترجم معرفتهم بأطفالهم إلى قوة مؤثرة على الخدمات التي يقدمها أخصائيو التربية الخاصة، ولا شك أن الآباء هم العنصر الوحيد المشترك في كل الخدمات والنشاطات والخبرات المقدمة لأطفالهم في الأوضاع المختلفة وعليه فهم الحلقة التي تتصل بها كل الحلقات التي تتكون منها سلسلة الخدمات التي يتم تقديمها للأطفال من ذوي الإعاقة في المراحل العمرية المختلفة.
إن رعاية الأطفال المعوقين ليست مقتصرة على أمهاتهم، بالرغم من أن معظم البرامج التربوية والعلاجية المقدمة لهؤلاء الأطفال تميل إلى تأكيد أهمية دور الأمهات أكثر بكثير من اهتمامها بدور الآباء، وبعيدًا عن الأدوار التقليدية التي يقوم بها الآباء والأمهات في تنشئة الأطفال في ضوء الحقائق الإجتماعية المحلية، فليس هناك ما يبرر إغفال دور الآباء في تعليم أبنائهم، فمن المعروف تمامًا أن مشاركة جميع أفراد الأسرة بالعملية التربوية تعود بفوائد لا على الطفل المعوق فحسب، وإنما على الأسرة كلها أيضًا.
ولا بد من الإعتراف بأن أخوة وأخوات الطفل من ذوي الإعاقة سواء أكانوا أصغر أم أكبر سنًا منه، غالبًا ما يتأثرون بالإعاقة. وبناء على ذلك، فإن معظم المراكز والمدارس التي تُعنى بالأطفال المعوقين تحرص على مشاركة الأخوة والأخوات في البرامج التربوية والعلاجية الخاصة باستخدام العنف.
وعلى الرغم من أن هذه المشاركة تأخذ أشكالاً عدة مثل التحدث مع الأخوة والأخوات غير المعاقين عن الإعاقة، بصراحة ووضوح ومشاركتهم في اتخاذ القرارات في الأسرة، وطلب مساعدتهم في دمج الطفل المعوق في المجتمع، إلا أن الهدف المتوخى تحقيقه هو: التخفيف من الضغوط والتوترات النفسية، وتفعيل آليات التعايش مع الإعاقة، والتغلب على المشكلات الناجمة عنها بعيدًا عن استخدام العنف مع الطفل المعاق.
وحتى يمكن للأسرة أن تقوم بدور إيجابي بالنسبة لرعاية الطفل المعاق، وألا تستخدم كافة أشكال العنف ضده ـ بما أن مصادر الضغوط التي تتعرض لها هذه الأسر تكون دائمًا هي السبب المباشر في استخدام كافة أشكال العنف ضد الطفل المعاق ـ نجد أن هذه الأسر تحتاج إلى أشكال مختلفة من الدعم والمساندة لتخفيف الضغط عليها، حتى لا تقوم باستخدام العنف ضد هؤلاء الأطفال، ومن أشكال هذا الدعم الذي يساعد الأسر على رعاية أطفالهم المعاقين، وعدم استخدام العنف ضدهم، مع إمكانية إشباع حاجاتهم ورغباتهم، ما يلي:
ويأخذ الدعم شكلين أساسيين: هما الدعم الإجتماعي والدعم الرسمي. أما بالنسبة للدعم الإجتماعي فهو يعني المساعدة التي تحصل عليها الأسرة من أعضاء العائلة الممتدة ومن الأصدقاء، ومن الزملاء في العمل وغيرهم، ولعل أهم فائدة تترتب على هذا الشكل من أشكال الدعم هو شعور الأسرة أن الآخرين يحبونها ويدعمونها ويتفهمون مشكلاتها وحاجاتها، وعلى أي حال، فلعل أكبر مصدر دعم لأسرة الطفل من ذوي الإعاقة يتمثل بمؤازرة أفرادها لبعضهم بعضاً، وخاصة على مستوى الأب والأم، فقد بينت دراسات عدة أن ما تحتاج إليه الأمهات ليس المساعدة في رعاية الطفل، ولكن الدعم العاطفي من الآباء وبالنسبة للأصدقاء، فهم يستطيعون دعم أسرة الطفل المعوق بأشكال لا نهاية لها، ويتبين من الخبرة أن نوعية الدعم الإجتماعي أهم من كميته، فليس كل العلاقات مفيدة، بل إن البعض منها يكون مصدرًا للضغط وليس شكلاً من أشكال الدعم.
أما الدعم الرسمي أو المهني فهو يتوفر من خلال المؤسسات والجمعيات الخاصة أو العامة والأطباء والاختصاصيين النفسيين واختصاصيي العلاج النطقي، وقد يتمثل الدعم بالتدريب أو بأداة مساندة أو بالإرشاد النفسي وغير ذلك.
إن حاجة أسرة الطفل المعوق للدعم العاطفي، حاجة ذات أهمية خاصة فيما يتعلق بقبول إعاقة الطفل والتعايش مع الصعوبات التي تفرضها، وما يجب التأكيد عليه هو أن إعاقة أحد أفراد الأسرة قد لا تؤدي إلى مشاعر القلق فحسب، ولكنها قد تجعل الأسرة أكثر قابلية للتأثر بالصعوبات والإحباطات الحياتية اليومية، مقارنة بالأسر التي ليس لديها أفراد من ذوي الإعاقة، وقد أشارت بعض الأسر إلى الاهتمام المفرط بالمشكلات داخل الأسرة، وكأن ذلك الاهتمام قد يكون على حساب علاقات الأسرة الخارجية وتفاعلاتها مع المجتمع. ولذلك فإن من الأدوار المهمة التي ينبغي على الاختصاصيين القيام بها، إدراك وتفهم مشاعر وإحباطات العيش مع فرد معوق في الأسرة، فالإعاقة شيء فظيع أو مخيف من وجهة نظر الكثيرين، وقد تدفع تلك الإتجاهات بالبعض إلى تجنب الإختلاط مع أسر الأفراد المعوقين أو الخوف منها واعتبارها نذير شؤم. وبما أن مشكلات الطفل المعوق قد تكبر مع تقدمه في العمر، إذا لم تقدم له خدمات وبرامج فعالة، فلا بد من أن يعمل الاختصاصيون جاهدين على دعم الأسرة ودعم محاولاتها لمساعدة الشخص المعاق على الإعتقاد على الذات إلى أقصى حد تسمح به قدراته.
تحتاج أسر الأطفال المعوقين الصغار إلى الحصول على المعلومات الكافية والصحيحة عن سبب الإعاقة وطبيعتها، وما يمكن عمله لمساعدة الطفل المعاق، فالأسرة غالبًا ما تشعر بارتباك شديد وخوف كبير بسبب عدم قدرة الطفل على القيام بالمهارات الحركية أو اللغوية التي يظهرها الأطفال الآخرون في سنه، وتفيد التقارير ـ سواء في الدول المتقدمة أو الدول النامية ـ أن الآباء والأمهات قليلاً ما يجدون اختصاصيين يتفهمون مخاوفهم أو يزودونهم بمعلومات كافية عن وضع أطفالهم أو عن قابليتهم المستقبلية، وحتى في حالة تشخيص إعاقة الطفل رسميًا، فإن المعلومات التي تقدم للآباء والأمهات حول مضامين ومعاني الإعاقة، غالبًا ما تكون محدودة.
ولما كانت حالات الإعاقة القابلة للكشف المبكر، هي الحالات الشديدة أو الظاهرة كالشلل الدماغي أو متلازمة داون أو العمى، فإن نوع دقة المعلومات التي يجب توفيرها للأسر تعتمد جزئيًا على طبيعة إعاقة الفرد وتأثيراتها المحتملة على نموه وتعلمه. وبالمثل فإن حالة الإعاقة غير الشديدة أو غير الظاهرة، تتطلب انتباهًا كافيًا، لأن أسر الأطفال الذين لديهم هذه الإعاقات سيعانون لمدة زمنية أطول ما لم يتم توفير الفرص الكافية لهم لتبادل المعلومات والتواصل مع الاختصاصيين وغيرهم، فتبادل المعلومات كثيرًا ما يُوجَّه الآباء والأمهات إلى الطرق المناسبة للتعامل مع الحالة ومع المشكلات المرتبطة بها.
ومن أشكال الدعم الرئيسية التي تحتاج إليها الأسر، الدعم القانوني والأخلاقي، فالأشخاص من ذوي الإعاقة يحتاجون ليس للخدمات الطبية فقط وإنما للخدمات التربوية والنمائية، فهم لا يتطورون بما فيه الكفاية بدون تدخل علاجي وتربوي فعَّال، وبناء على ذلك فإن عدم تزويدهم بالخدمات المناسبة وحرمانهم من فرص التقدم والتطور ليس عملاً أخلاقيًا، ولا شك في أن وضع مبدأ ديمقراطية التعليم موضع التنفيذ، يعني بالضرورة أن يكفل القانون توفير فرص التعلم لجميع الأطفال، وإجراء التعديلات اللازمة على نمط الخدمات التربوية لتحقيق هذا المبدأ.
وفي المرحلة المدرسية، لا بد من دعم وتنفيذ قانون التعليم الإلزامي والقوانين والإعلانات العالمية الصادرة عن وكالات الأمم المتحدة، المتعلقة بوضع خطط عمل وطنية لتنفيذ مبادئ التعليم للجميع والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتضمن ذلك زيادة وتنويع البدائل المتاحة لتعليم الأطفال ذوي الإعاقة.
المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع