الكاتب : د. مهند العزة
يجب البدء بكلمة «أشخاص» لتحقيق التحول من النموذج الفردي الذي يتعاطى مع الإعاقة بمعزل عن الشخص، إلى النموذج الشمولي الذي ينظر إلى الإعاقة بوصفها حالة من تداخل العوائق البيئية والسلوكية مع العوامل الشخصية. يجب أن يتوسط بين كلمة «شخص أو أشخاص. وكلمة «إعاقة»؛ كلمة «ذوو أو ذو»؛ تأكيدا على أن الإعاقة ليست لصيقة بالشخص. كما أن ذوي الاحتياجات الخاصة» تعبير مضلل لأنه يعبر عن كل شخص لديه احتياج خاص أيا .كان نوعه؛ وهو أمر منطبق على الناس جميعا.
تحقيقاً للنموذج الشمولي والتوازن الجندري؛ فلا بد من ذكر كلمة «مرأة» ومن ثمة «ذات إعاقة» للأسباب نفسها المبينة أعلاه.
ليس كل أصم أبكم. وقد أصبحت كلمات «أصم، أطرش، أطرم» تستخدم للدلالة على أمور سلبية بل وتستخدم للنقد أو التقريع، وذلك نتيجة لتجذر القوالب النمطية؛ ومن ذلك: «صمّت الحكومة أذنيها عن…» «زي الأطرش في الزفة»…
«الإعاقة البصرية» تشتمل على الأشخاص ضعاف البصر على اختلاف درجاته والأشخاص المكفوفين، بينما «أعمى وضرير» لا تعبر إلا عن الأشخاص المكفوفين كليا. كلمات «أعمى وضرير» تكرّس صور نمطية مرفوضة وتستخدم للدلالة على التخبط وعدم الوعي بالأمور.
إن الكلمات النمطية المستخدمة للتعبير عن الأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية مثل: «مقعد، عاجز، مكرسح…» كلها تجعل من صفة «العجز» سمة لصيقة بالشخص ومتحدة معه، هذا فضلا عن أن هذه الكلمات تستخدم أيضا للتعبير عن حالة من الضعف والجمود وعدم الفاعلية: «وجدت نفسي مشلولا، شلّ تفكيري….».
قصر القامة هو شكل من أشكال الإعاقة الجسدية. كلمة «قزم» تستخدم للتقليل من شأن شيء أو شخص: «لا تحاول تقزيم الأمور… إنهم أقزام في مواجهتنا….».
ليس من حق أحد أن يحكم على أي شخص بأنه «متخلف»، فالتخلف يكمن في انعدام التهيئة البيئية وغياب الترتيبات التيسيرية وليس في الحالة الذهنية للشخص. وقد أصبحت هذه العبارة تستخدم بشكل ممنهج للدلالة على التراجع بل وللسباب في كثير من الأحيان: «دول متخلفة اقتصاديا وسياسياً… شعوب متخلفة… هذا اقتراح يدل على أن صاحبه متخلف عقلياً…».
لقد قادت شعوب منغوليا في روسيا حملة واسعةً من أجل القضاء على هذا الاستخدام التمييزي ضدهم وضد الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية من متلازمة داون. متلازمة داون نسبة إلى من اكتشف هذا النوع من الإعاقة الذهنية، ولا يجوز أن ننسب شخصاً إلى شعب أو أمة لكون ملامحه تتشابه معهم.
التوحد هو نوع من أنواع الإعاقة الذهنية. كلمة «متوحد» تغفل الشخص وتعبّر عنه بصفة غير دقيقة.
إن الأشخاص ذوي الإعاقة النفسية الاجتماعية والأطباء النفسيين يؤكدون أنه لا وجود علمي وعملي للشخص «المجنون». الإعاقة النفسية ترتب عوائق سلوكية مصدرها «الوصمة» ونظرة المجتمع للأشخاص ذوي الإعاقة النفسية، مما يقيّد انخراط هؤلاء الأشخاص واندماجهم في المجتمع، لذلك يُستخدم تعبير «النفسية الاجتماعية» للتأكيد على ما تلعبه العوائق السلوكية الاجتماعية من دور في إقصاء وتمييز في هذا الصدد. تستخدم كلمات: «مجنون ومعتوه…» للدلالة على كل ما هو غير عادي أو غير منطقي وغير متوازن أو مقبول: «تصرف جنوني، فكرة مجنونة، مجنون القرًية…».
الأشخاص ذوو الإعاقة يجابهون تمييزا وإقصاءً في ممارستهم للحقوق والحريات نفسها المقررة للكافة، وتناول حقوق الإنسان في سياق استثارة العواطف والشفقة؛ سوف يُضر بجوهر قضية الأشخاص ذوي الإعاقة ويجعلها مجرد مادة إعلامية تستدر العطف دون معالجة أصل الموضوع المتمثل في التمييز والإقصاء.
إن تكريس فكرة أن الإعاقة هي شكل من أشكال الاختبار أو الابتلاء سوف يجعل من الانتهاكات والتمييز؛ صوراً لهذا الابتلاء والاختبار الذي يجب على الشخص تحمّله والتعايش معه. فسوف يصبح ارتطام الشخص ذي الإعاقة البصرية بالجدران وتعرضه للمخاطر أثناء تنقله؛ شكلا من أشكال الابتلاء وليس تقصيرا في تهيئة البيئة والتدريب على فن الحركة والتنقل، وسوف يصبح الحكم بالإدانة علي شخص أصم نتيجة عدم التواصل الفعّال بلغة الإشارة اختبارا وابتلاءً يؤجر عليه الشخص، وهكذا في كل ما يواجهه الأشخاص ذوو الإعاقة من عوائق وحواجز تحول دون ممارستهم لحقوقهم.
إن الإعلام مطالب بتبني لغة حقوقية قوامها تحقيق المساواة وتحييد الإعاقة والبعد عن تكريس النهج الرعائي الوصائي. فالتمتع بالحقوق لا يكون بتوفير الرعاية والعناية، وإنما بتحقيق المساواة واحترام الاستقلالية الفردية والخصوصية للشخص.
لابد من توخي الحذر في تناول الإعلام لما يسمى ب «قصص النجاح» للأشخاص ذوي الإعاقة. فحصول شخص ذي إعاقة على درجة الماجستير أو الدكتوراة مثلا، يجب أن يقدّم في إطار أنه في الأصل إنجاز عادي ويحدث كل يوم، ولكن حدوثه مع وجود عوائق بيئية كبيرة هو الذي يجعل من مثل هذا الآمر خبرا يستحق التغطية الإعلامية.
يجب تحييد الإعاقة طالما لم تكن هي موضوع المادة الإعلامية. فتسليط الضوء على الإعاقة وهي ليست عنصرا في التحقيق الصحفي أو اللقاء التلفزيوني أو الإذاعي؛ سوف يصرف ذهن المتابع عن أصل موضوع الحلقة أو التحقيق إلى تأمل شخص الخبير الضيف «كيف أصبح خبيراً وهو من الأشخاص ذوي الإعاقة»…
إن استخدام أي وصف له صلة بالإعاقة لنقد سياسة أو خطة أو جهة، من شأنه تكريس الاستخدام النمطي السلبي لقضايا الإعاقة وما يرتبط بها من مصطلحات وتعابير، وسوف يعكس تناقضا في الرسالة الإعلامية التي تسعى من جهة إلى تغيير الصور النمطية في مجال الإعاقة، وما تتضمنه مثل تلك التعابير من تكريس لتلك الصور من جهة أخرى.
إن رسالة الإعلام في تناولها لقصص النجاح يجب أن يظل محور تركيزها على تحدي العوائق والحواجز التي يجابهها الشخص ذو الإعاقة للحصول على ما يحصل عليه الآخرون بسهولة ويسر. فالأشخاص ذوو الإعاقة لا يتحدون إعاقتهم بل يتحدون معيقات وصولهم إلى حقوقهم وحرياتهم الأساسية.
يجب التنويه دائما أثناء تناول حالة فردية ذات صلة بالإعاقة؛ إلى أن هذه الحالة تقدّم جانباً واحداً من جوانب متعددة لأوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة، ويجب البعد تماما عن وصف مثل تلك الحالات أيا كان موضوعها بأنها «قصة إنسانية»، فهي قصة واقعية تعكس حقيقة وضع معاش.
يجب أن تتناول المادة الإعلامية حقوق وقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة في إطارها الشامل الصحيح وفي ضوء التزامات الدولة بتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، ولا ينبغي بحال أن يكون الإعلام مبرراً لاستعطاف «أصحاب القلوب الرحيمة» وجمع التبرعات في القضايا التي تدخل في صلب منظومة حقوق الإنسان.
إن وصف الأشخاص ذوي الإعاقة بـ «هذه الفئة» قد يؤكد ما تدعيه العديد من الدول من أن أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة لديها منخفض جدا دون دليل يرتكز على إحصاء دقيق قائم على تبني تعريف حقوقي شامل للأشخاص ذوي الإعاقة. وإطلاق وصف «مهمشة»؛ قد لا يعكس جانب الإقصاء الذي يجابهه الأشخاص ذوي الإعاقة بفعل العوائق البيئية والحواجز السلوكية وغياب التدابير اللازمة لإزالتها.
إن تغيير أنماط السلوك وترسيخ ثقافة التنوع وقبول الآخر ومكافحة الوصمة الاجتماعية حول الإعاقة؛ ليس سبيلها التخويف من الشيء الذي تسعى الرسالة الإعلامية إلى تأكيد أنه شكلٌ من أشكال التنوع. إذ لا يستقيم أن نحث المجتمع على عدم الخجل من الإعاقة وإخفائها، وفي الوقت نفسه نؤكد أنهم إن فعلوا ذلك فقد يصبح لديهم إعاقات في يوم ما.
إن ربط ممارسة الأشخاص ذوي الإعاقة لحقوقهم بالغايات النبيلة واعتبارات الثواب والآجر؛ سوف يؤدي إلى جعل التمكين من ممارسة هذه الحقوق أمراً، شخصيّا محضاً، يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه»، الأمر الذي لا ينسجم ومبادئ حقوق الإنسان ومكافحة التمييز والإقصاء.
يجب أن تبتعد المادة الإعلامية تماما عن تكريس النموذج الطبي الفردي الذي يربط ممارسة الأشخاص ذوي الإعاقة لحقوقهم وحرياتهم بـ «القدرات وما تسمح به»، فهذا التوجه هو ما يقاومه الأشخاص ذوو الإعاقة ومنظماتهم؛ لما ينطوي عليه من أحكام غير موضوعية مسبقة على «قدرات الفرد وإمكانياته»، ولما يغفله هذا التوجه من دور العوائق البيئية والحواجز السلوكية في نشأة وتكريس حالة الإعاقة.
كثيرا ما يقحم الإعلام قضية الوقاية من الإعاقة في تغطيته لقصة أو حدث أو نشاط ما ولو لم يكن ذا صلة أو ارتباط، وذلك لمجرد أن موضوع التغطية يتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة. وإذا أراد الإعلام أن يكون رسول نشر وترسيخ ثقافة التنوع وقبول الآخر، فإنه لا يمكنه الحديث عن ضرورة تقبل الإعاقة بوصفها من مظاهر التنوع البشري الطبيعي، ثم تناولها وتقديمها على أنها «مشكلة» و«عبء» يجب التخلص منه. فقضية الوقاية والتشخيص والتدخل المبكر لها مكانها في البرامج الصحية وليس في مادة إعلامية تحاول تعزيز مفاهيم وثقافة حقوق الإنسان.
المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع