الكاتب : الياس طباع
تعتبر الاتجاهات السلبية للأسرة والمدرسة تجاه الأصم وضعف الاهتمام بضعاف السمع وعدم تشجيع المجتمع للأصم وعدم دعم الزملاء ووسائل الإعلام أحد أهم أسباب ضعف مهارات التواصل لدى الصم
للهيكل الحواري مع الصم ثلاثة عناصر تتمثل في تبادل الأدوار وتبادل الأفكار والمشاعر وتنوع شكل الحوار بين الأفراد وعلى المحاور أن يتقن طرقاً مختلفة من بدء الحوار ويستعملها حسب الظروف
من طرق تطوير المهارات الحوارية عند الصم: التشجيع ووصف الأشياء والكلام الشخصي للتعبير عن المشاعر والارتقاء بلغة التلميذ وتشجيع التلاميذ على القيام بسلوك لفظي مماثل ثم تعميم هذا الاتجاه
إن المشكلة الأساسية بالنسبة للصم ليست مشكلة صمم بل هي مشكلة تواصل وهذا ما يفسر الضعف العام الذي يعاني منه الأصم من النواحي المعرفية والتحصيلية والاجتماعية وغيرها ذلك أن اللغة عموماً واللغة المنطوقة خصوصاً هي الوعاء الذي تصب فيه كافة القدرات والمهارات المعرفية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها وهذا ما يفسر لجوء المعاقين سمعياً إلى استخدام الإشارة كحد أدنى من حدود التواصل اللغوي والاجتماعي والتي بدورها لا تدع مجالاً واسعاً لتطوير قدراتهم ومعارفهم.
وهذا ما يفسر انسحابهم من الحوارات اللفظية وعزوفهم عن تعلم لغة اللفظ والكلام وذلك بسبب الاحباطات المتكررة التي يتلقونها بدءاً من أول مناغاتهم التي لم يعودوا يسمعونها إلى الإحباطات التي قد تأتيهم من الروضة والمدرسة ومن الحي والمجتمع عموماً، وعلى الرغم من أن ضعف السمع لا يعني كما يعني الصمم والفرق بين ضعف السمع والصمم فرق جوهري إلا أن ضعيف السمع في مدارسنا يتحول إلى أصم علماً بأن تطوير مهاراته الاتصالية ممكن بشرط تعاون الأهل والمربين والأصدقاء حتى يصل إلى التواصل الاجتماعي بشكل سليم.
وهذا ما يبرر القول إن تطوير مناهج خاصة بالنطق واللغة هي أولوية عمل مدارس الصم
… والحوار هو الأسلوب الأكثر نجاحاً في اكتساب اللغة، أما اكتسابها من خلال التدريبات اللغوية الجافة التي تلقن تلقيناً ولا تكون ضمن أسلوب حواري فهو يخلق لدى الأصم فكرة خاطئة عن اللغة لأن اكتساب اللغة ليس مجرد تدريبات يقوم بها الأصم ولكنه عملية حيوية حوارية تقوم بين طرفين أو أكثر بهدف تبادل الأفكار والمشاعر.
إن تعليم اللغة من خلال الكتابة أو القراءة لا يساهم في تطوير لغة فعالة وقابلة للاستخدام في الحياة اليومية وهذا ما يبرز الفقر الكبير الذي تعانيه مناهجنا اللغوية، ويبرز بالتالي ضرورة وضع استراتيجيات أساسية لتطوير المهارات الحوارية، لأن الأصم إن لم يتعلم اللغة ضمن الحوار الفعال فإنه لن يتعلمها أبداً.
ويتم الحوار ـ في الواقع ـ عندما تجمع بين شخصين اللغة ذاتها والاهتمامات والأسلوب والمستوى اللغوي ذاته الذي يتيح الفائدة المتبادلة، فإذا ما فرض أحد المتحاورين اهتماماته الثقافية أو اللغوية أو أجبر الآخر على المتابعة، وإذا لم يتحاور الطرفان بوضوح وطلاقة فسيبقى كل منهما غريباً عن الآخر.
إذن اللغة لا يمكن تعلمها عبر حفظ الكلمات أو العبارات أو الجمل الجاهزة لأن اللغة لا تحفظ ولكنها تمهر وهذا ما يفسر عجز الأسلوب القرائي والكتابي في تطوير النطق حيث أن الكلام المنطوق يحمل أكثر بكثير مما تحمله العبارات المكتوبة أو المقروءة من جهة إبراز الانفعالات المرافقة والملامح المصاحبة له وفي وسيلة النبر والنغم والايقاعات التي لا تظهر في الكتابة أو القراءة. وهذه الأنغام والنبرات والايقاعات والفونيمات فوق المقطعية والانفعالات المصاحبة تلعب دوراً كبيراً في إبراز المعاني ومواصلة الحوار.
إن الطفل في سني عمره الأولى يسلي نفسه بسماع ما يقول وسماع أصوات الآخرين وتقليد هذه الأصوات، ثم يمضي الطفل بالتقليد والتواصل مع الآخرين بتقليد كلامهم وبالكلام مع نفسه وهذا يسمى في مرحلة لاحقة بالمونولوج أي حديث الطفل مع نفسه.
أما في المرحلة الثالثة فهو يقيم حواراً مع الآخرين وإذا كان الطرف الثاني لا يفهمه ولا يعيره اهتمامه فإن هذا الحوار يصبح فاسداً ويرتد الطفل نحو الحديث مع ذاته ولهذا يجب أن تتميز هذه الحوارات بدفء العاطفة والتشجيع على الكلام من خلال السؤال والتحادث.. ونحن نطمح لأن يتطور الحوار إلى محادثة وهي تعني حديث مجموعة من الأشخاص حول موضوع ما بحيث يشارك كل واحد من الجماعة بدوره وحسب السؤال الموجه له.
كما أن موضوعات (الحوار والمحادثة) يجب أن تعد مسبقاً بذكاء واهتمام الأطراف ومهارة مدير الحوار.
فقد لا تبذل الأسرة جهداً معه للتغلب على الصعوبات الكلامية وخاصة أن العمل مع الأصم يحتاج للجهد والوقت، فقد تكون الأسرة (مهملة) وقد تكون الأسرة (متساهلة) مع الأصم، وقد تكون قناعتها أن هذا هو (قدر ابنها) وينبغي عدم تحدي القضاء والقدر.
رغم كون هذه المراكز هي المرشحة لفهم الصم والعمل معهم إلا أننا نجد في واقع الحال اتجاهات سلبية تجاههم مثل اليأس من العمل بلغة الكلام والاتجاه نحو الإشارة أو إعطاء الاهتمام لضعاف السمع أكثر من الصم بسبب محدودية لغتهم الاستقبالية والتعبيرية وكونهم لا يتكلمون بوضوح.
وعدم تشجيع المجتمع للأصم وعدم دعم الزملاء ووسائل الإعلام والأقرباء وغيرهم وقلة المعلومات التي يزودون بها الأصم.
ويتم هذا عبر جمل تقليدية شائعة: السلام عليكم ـ مرحباً ـ صباح الخير ـ كيف حالك يا حاج.
وعلى المحاور أن يتقن طرقاً مختلفة من بدء الحوار ويستعملها حسب الظروف والأشخاص والعمر وغيرها.
ويستخدم المتكلم عدداً من العبارات والجمل التقليدية ليتأكد من فهم الطرف الثاني له ويستخدم الثاني عبارات التأكيد على فهمه للموضوع مثل: (نعم.. صحيح.. أيوا).
ويمكن إعداد حوار ومحادثة وسيناريو: تمثيل دور الأم ــ تمثيل مهنة الأب ــ دور رجل الشرطة أو من خلال إعداد مائدة وعليها أكواب وصحون وزجاجات ماء وملاعق وشوك وسكاكين ومفارش وتكون المحادثة حول هذه الأدوات واستخدامها وحول الأطعمة والأشخاص الذين سيتناولون الطعام أو حول الغذاء وأهميته للإنسان أو طرق حفظ الأطعمة.
وبالإدارة الناجحة للحوار ينمو التلميذ لغوياً وعقلياً فنحن نملأ كوب ماء مثلاً ونسأل الأطفال:
ما هي خصائص الماء؟ ما هي فوائد الماء؟ من أين نحصل على الماء؟
وهي معلومات ثرية وغنية بالأفكار والأشياء الحية، وهنا نهتم بالموضوعات التي تهتم بها البيئة مثل: صيد السمك ـ البحر ـ الحديقة ـ الجمال ـ الصقور ـ النوادي ـ الجمعيات ـ المحاكم ـ الدوائر ـ الأسواق ـ الأطعمة والسوبرماركت ـ السيارات ـ والكاراجات.
إن وظيفة الحوار هي تبادل الأفكار والمشاعر والمعلومات عن طريق تقديم الموضوعات والاستمرار بطرحها مثل أسلوب الطلب: (طلب شيء، أو عمل ما، أو معلومات).
ويكون الاستمرار بالحوار عن طريق (الإجابة ـ التعليق ـ الموافقة) وخاصة طلب التوضيح والاستفسار وبالأخص عند الصم لأهميته حيث أنهم يعانون من صعوبة في فهم المتحدث لأسباب مختلفة لذلك فإن طلب التوضيح والاستفسار يعرف الشخص الآخر أن الأصم غير فاهم للنقطة كذا وعلى المتحدث التوضيح بإعادة الصياغة أو بتسهيل اللغة أو بأية أشكال أخرى.
يتألف الحوار من كلمات مفردة أو جمل قصيرة أو جمل طويلة، ويقوم المتكلم بدور (الشرح والإخبار مثل: وقف التلاميذ في طابور الصباح وانتظموا في صفوف طويلة).
ـ الإخبار والقص: (قالت أم راشد أنا مسرورة لأن حمد وريم صارا في الصف الثاني…).
ـ أو دور السؤال، مثل: (أين ذهبت يا حمد في العطلة الصيفية؟).
ـ أو دور الجواب: (ذهبت إلى مزرعة عمي وقمت باطعام الدجاج وسقاية الأشجار).
وقد يكون الدور للمتكلم بالوصف، مثل: (ذهبنا إلى بيت عمتي في عجمان واستقبلتنا عمتي بسرور وقدمت لنا الرز والسمك..).
وكل دور يستخدم للجواب عليه التعليق (الجواب أو الطلب) أو الموافقة، ويجب أن يستخدم الصم هذه الأدوار كلها ويدخلوا في الحوار الحقيقي مع الآخرين.
والمهم من اختيار الأهداف والوحدات والخبرات والموضوعات القابلة للقياس والتقويم هي أهم مهمة تواجه واضعي المناهج لتحديد الأداء الحالي للتلميذ ثم الأداء المتوقع والاكتساب المتتالي للمهارات النطقية.
وهنا يمكن استخدام التمثيل والمسرح والألعاب والصور وإعادة تمثيل الحوارات والسيناريوهات في المنزل.
وهكذا، فإن مناهج تطوير المهارات الحوارية يمكن تطبيقها منذ عمر مبكر وعبر مراحل متدرجة حسب العمر والمستوى اللغوي وحسب الأهداف والموضوعات التي يمكن تطبيقها في الحياة الواقعية واليومية، وكل ذلك ليتطور التلميذ نطقياً ولغوياً ويحقق تواصله الاجتماعي واندماجه العام.
المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع