توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة قضية اجتماعية قبل أن تكون إنسانية، فهي باتت مطلبا ضروريا وملحّاً، لأنها تسهم في تعزيز مشاركتهم الاجتماعية والشعور بالمسؤولية، فضلاً عن دمجهم وانخراطهم في سوق العمل، بل وإذابة العقبات التي تقف حائلاً أمام قدراتهم وإبداعاتهم، التي قد يتذرع بها أرباب العمل لاقصائهم عن المناصب التي يرغبون التوظيف فيها بحجة إعاقاتهم، وانهم فئة غير منتجة.
التقت بعض الموظفين من ذوي الإعاقة وسلّطت الضوء على واقعهم الوظيفي، حيث طالبوا بتهيئة بيئة عمل ملائمة تتناسب وظروف إعاقتهم، مشددين على ضرورة كسر الحاجز بينهم وبين أفراد المجتمع الذي ينتمون إليه.
واعتبروا أن أكبر تحدٍّ أمام ذوي الاحتياجات الخاصة هو إقناع الناس بأن هذه الفئة قادرة على العطاء والإبداع، وعلى أن تكون قائدة في مجال عملها. وأقر الموظفون بأن ذوي الإعاقات الحركية تعد من أكثر الفئات التي تحظى بنصيب الأسد في التوظيف مقارنة بغيرهم من الإعاقات، متمنين اتساع فرص العمل من دون حصرها في مجالات ودوائر محدودة.
وشدّد ذوو الاحتياجات الخاصة على ان الكثير من الموظفين المعاقين محرومون من الترقي للمناصب القيادية، رغم تميزهم وعطائهم وتفوقهم على أقرانهم من الاصحاء، وفي ما يلي التفاصيل:
في البداية، روت زينب باقر، وهي أمينة مكتبة في مدرسة الورش التابعة لمدارس التربية الخاصة في حولي (تعاني شللا دماغيا، مما يؤثر في أطرافها في الجانب الأيمن)، مسيرتها مع التعيين، حيث إنها تخرجت في قسم علوم المكتبات بكلية التربية الأساسية، وانها توظفت بعد عامين من تخرجها، حيث إنها عملت في مجال يتناسب وإعاقتها.
بيئة مناسبة
ورأت باقر ضرورة أن يلتفت أرباب العمل والموظفون إلى إعاقتهم ويحترمونها، ولا يستبعدونهم، لأنهم قادرون على العمل والإنجاز مثل أقرانهم الأسوياء، موضحة أن الإعاقة لا تكمن في العقل والفكر، وإنما في الجسد وكلما كانت بيئة العمل مناسبة ومزودة بكل المستلزمات، كان إنجاز المعاق أكثر.
ودعت باقر الجهات المعنية إلى توفير أماكن خاصة لتوظيف ذوي الإعاقة في أي وزارة، متمنية الانتقال الى العمل في إدارة المصادر في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي.
عطاء بلا حدود
وأبدى يوسف القناعي (من ذوي الإعاقة الحركية) وهو موظف في وزارة المواصلات ارتياحه ورضاه عن وظيفته التي تتناسب وإعاقته ومجال تخصصه الجامعي، حيث إنه خريج دبلوم العلوم التجارية – قسم إدارة الأعمال، كما أنه لم ينتظر طويلا للحصول على هذه الوظيفة.
وأشار القناعي إلى أن فئة ذوي الإعاقة قادرة على الإبداع والعطاء أينما وجدت في أي مجال، غير أن مجالات توظيفهم محصورة في وظائف ونطاقات محددة.
التأهيل والتدريب
والتقط عبدالعزيز المطيري أطراف الحديث – من ذوي الإعاقة الحركية – وهو خريج «علوم اجتماعية» – قسم علم النفس، ويعمل منسقا إداريا بكلية العلوم الاجتماعية، مؤكداً أهمية التدريب والتأهيل بالنسبة الى ذوي الاحتياجات الخاصة قبل التوظيف للتعرف على قدراتهم وتنميتها، بحيث يمكنهم الدخول في سوق العمل بسهولة من دون معاناة.
وأبدى المطيري ارتياحه في مجال عمله، معتبراً أنه يعمل في المكان المناسب، كما أن جامعة الكويت تعد بيئة عمل مناسبة ومهيأة لاستقبال ذوي الإعاقة بخلاف بعض الجهات الأخرى.
الأولوية في «الشؤون»!
وانتقد المطيري عدم فتح مجالات العمل بالنسبة الى ذوي الإعاقة واقتصارها على منح الأولوية لهذه الفئة في وزارة الشؤون فقط، مما قد لا يتناسب ورغباتهم المأمولة، لافتاً الى أن ذوي الإعاقة الحركية يحظون بفرص عمل أكثر من البصرية والصم والبكم. وشدد على أهمية الدمج الوظيفي والاجتماعي والتعليمي لهذه الفئة، لما لها من دور في تعزيز المشاركة الاجتماعية والقبول المجتمعي الذي بات ضعيفاً، نظراً الى قلة الاحتكاك والاختلاط مع هذه الفئة.
العمل بالخارج
ونقل المطيري انطباعه وتجربته في العمل بالولايات المتحدة الأميركية في فترة وجيزة استغرقت 6 أسابيع في إحدى المنظمات المختصة بذوي الإعاقة، حيث قال إن «ثمة فروقاً لاحظتها خلال فترة عملي هناك، حيث وجدت الجدية والمحاسبة في العمل من دون النظر الى الإعاقة، بخلاف الأمر في الكويت، فنجد أن المعاق مهمش وظيفياً وأن عمله شكلي ولا يوجد تعاون أو احتكاك مباشر مع زملائه في العمل، فضلاً عن الاهتمام بالتكنولوجيا المساعدة هناك، التي تعين المعاق على التغلب على إعاقته وإنجاز عمله على أكمل وجه، بما يحقق المساواة الاجتماعية والوظيفية».
معلمة متميزة
وسردت عذاري خليفة الجويسري – وهي رئيسة قسم الاجتماعيات بمدرسة الرجاء المشتركة بنات، إحدى مدارس التربية الخاصة – تجربتها مع التوظيف، حيث أبدت رضاها وقناعتها بالوظيفة التي شغلتها، لكونها تتناسب وإعاقتها الحركية ومؤهلها الجامعي.
وقالت: توظيفي – ولله الحمد – كان عملية سهلة للغاية، مع العلم أنني أجريت مقابلة شخصية في الادارة وعلى المستوى الشخصي، وكان لدي دافع قوي جعلني أتمسك بتعييني معلمة، لعشقي هذه المهنة، ولله الحمد والمنة تم تعييني وحصلت بعد فترة بسيطة على تكريم من قبل وزارة التربية باعتباري معلمة متميزة سنة 2006.
ومضت بالقول «وتدرجت في المستوى الوظيفي وحصلت على منصب رئيسة قسم لمادة الاجتماعيات، وحالياً تم اجتيازي مقابلة مديرة مساعدة ومقبلة على منصب جديد، ولن أقف عند هذا الحد، فثقتي بالله قوية، ولدي طموح وسوف أحققه».
وعن الصعوبات التي واجهتها في التوظيف، قالت الجويسري «لله الحمد، لم أواجه اي صعوبات في مجال توظيفي، اكوني تعيّنت في مجال تخصصي، وهو معلمة في وزارة التربية، حيث انني خريجة جامعة الكويت كلية التربية قسم اجتماع».
سباقة
واعتبرت الجويسري أن الكويت من الدول السباقة في مجال الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، ولكوني موظفة في إدارة مدارس التربية الخاصة فقد لمست هذا الاهتمام والالتفاف من خلال توظيف خريجي هذه المدارس لديهم بمختلف الوظائف، لافتةً إلى أن هناك العديد من ذوي الإعاقة بمختلف فئاتهم (السمعية، البصرية، الذهنية، والحركية) يعملون في هذة الادارة، أما على مستوى الوزارات والجهات الأخرى فليس لدي علم عن كيفية توظيف أصحاب الإعاقة فيها.
وظائف المكفوفين
اعتبر عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة أن ذوي الإعاقة البصرية نالوا حقوقهم التعليمية، لكنهم انتقدوا محدودية توظيفهم في مجالات محددة مثل التدريس، فنجد المعلمين المكفوفين متكدسين في مدارس النور وكذلك يعملون كمؤذنين وفي البدالة، مشيراً إلى أن هناك أجهزة تجعل منهم موظفين على كفاءة في الأعمال الإدارية لم يتم التعامل معها حتى الآن مما جعل الإعاقة البصرية تنحصر في مجال التدريس.
كيان منتج
أجمع المتحدثون على أن الوظيفة يمكن أن تحول المعاق من إنسان غير منتج إلى شخص منتج يتولى مسؤوليته ويجد نفسه وكيانه ويبني مستقبله بنفسه، بل ويساهم في اندماجه واختلاطه مع المجتمع بشكل كامل.
قيمة العمل
حث المتحدثون الجهات المعنية على ضرورة تخصيص وظائف لذوي الاحتياجات الخاصة بما يتناسب وظروف إعاقاتهم فضلا عن توعية ذوي الإعاقة وأولياء أمورهم بأهمية العمل.
الثويني: المعاقون ذهنياً وسمعياً الأكثر ظلماً في التوظيف
قال رئيس الجمعية الكويتية لمتابعة قضايا المعاقين والناشط في مجال ذوي الإعاقة علي الثويني ان الإعاقة الذهنية تعد من أكثر الإعاقات المظلومة وظيفياً ومن ثم السمعية وتليها البصرية وأخيرا الحركية، معللاً السبب في أن مناهج العمل لا تتوافق مع سوق العمل كما أن أرباب العمل غير مهيئين للتعامل معهم إلى جانب افتقار الموظفين لأسلوب التعامل والتعاطي مع هذه الفئة (ذوي الإعاقة الذهنية) ومن ثم يتم ركنهم في غرف.
ولفت الثويني إلى أن الاعاقة السمعية أيضا تعتبر من الفئات المظلومة من حيث التعليم والتوظيف، حيث تتم معاملتهم مثل أقرانهم من ذوي الإعاقة الذهنية وليس الأسوياء وحتى عندما يخرجون لسوق العمل أيضا يتم التعامل معهم مثل ذوي الإعاقة الذهنية، فيتم حصرهم في أعمال بسيطة وبرواتب منخفضة جداً وكأنهم غرباء في أعمالهم على حد وصفه، مشيراً إلى أن هناك من ذوي الإعاقة الحركية من أخذ حقه في التعليم والتوظيف وتتم معاملتهم مثل الأسوياء في الترقيات والتوظيف ولكن أحياناً بيئة العمل تكون غير مجهزة وغير صالحة عمرانياً لهم في الحركة والتنقل بين المكاتب والأجهزة التي تستخدم للأسوياء وهناك من هذه الفئة من يجيد التعامل معها.
لا لنظرة الشفقة
التقليل من شأن الموظفين من ذوي الإعاقة ونظرات الشفقة مشكلة المشاكل، وعدم الاعتداد بقدراتهم يدل على قصور نظر، فذوو الاحتياجات الخاصة قادرون على العمل والإبداع والإنجاز الوظيفي.