الكاتب : د. عبدالمطلب بن احمد السح
كلنا يعرف أن الدواء سبب للشفاء من الداء ـ بإذن الله ـ إنه يخفف من آلام وشكاوى الأشخاص ذوي الإعاقة ويقدم لهم الفائدة، أما أن ينقلب الدواء فيكون سبباً في حدوث الإعاقة فهذا أمر آخر.. إن الدواء كأي شيء من حولنا قد يصبح بلاءً عندما يؤخذ بشكل غير مناسب، خطأً أو سهواً، قصداً أو من دون قصد.. تلك هي الحقيقة، ومن هنا نبدأ المشوار.
في علاج الأمراض والعلل قد نقوم بإجراءات وعمليات أملاً في تحقيق الشفاء، كما أننا قد نعطي المريض مواد يتناولها أو نحقنها في جسمه أو نطبقها عليه، إن هذه المواد هي ما ندعوه بالعقاقير أو الأدوية، وأنواعها عديدة جداً وبشكل يتناسب مع تعدد أنواع البلاء والداء، وهي في تزايد مضطرد يوماً بعد يوم، وتطورها لا يتوقف، فاليوم يلغى هذا الدواء ليحل محله ذاك، والبارحة تم تطوير ذاك العقار، وهكذا الحركة مستمرة لعلاقتها الوثيقة بحياة الإنسان.
قد يكون الخطأ بتناول جرعات غير مناسبة أو دواء غير مناسب، أو قد يتناول الطفل دواء ذويه عبثاً، أو قد تتناول الحامل أو المرضع أدوية لا يجوز صرفها لها، كما أن الأمر قد يكون بسبب تداول دواء تنقص المعلومات حوله، وربما يكون الخطأ طبياً، وأخيراً، قد يتناول شخص دواء بقصد الانتحار ـ والعياذ بالله، .. والأسباب كثيرة ومتنوعة جداً.
لو فتحت أية علبة دواء فإنك ستجد بداخلها ورقة كتب عليها: التأثيرات الجانبية غير المرغوبة والتي قد تحدث بشكل متوقع عند تناول ذلك الدواء، ولكن ذلك يحصل بنسب قليلة للغاية بحيث أننا نصف الدواء لأخذ المنفعة منه ونضع في بالنا احتمال حصول بعض آثاره غير المحبذة، ولكن الأمر يختلف عندما يتم استهلاك الدواء بشكل غير مناسب، فآنذاك تتفاقم التأثيرات وتزداد الأحداث تعقيداً أو يحصل ما لا تحمد عقباه.. إن ما قد يحدث يختلف من دواء لآخر ومن شخص لآخر، كما أن درجة شدة الأذية تختلف من حالة لأخرى، إن ما يتأثر من الجسم يمكن أن يشمل كل الأعضاء والأجهزة، فقد تحصل الإصابة في الجملة العصبية، وقد تطال القلب والعروق الدموية وقد تلم بالجلد وملحقاته، وقد تؤذي الكلى وقد تزعج الحواس وقد يحل البلاء بالرئتين وقد تصيب الجنين أذيات مختلفة.. والقائمة طويلة.
في بحر التأثيرات الدوائية الضارة هناك الكثير من الأحداث التي تكون حصيلتها إعاقة حقيقية ـ لا سمح الله ـ في يوم من الأيام كانوا يعطون دواء اسمه التاليدوميد وبعد فترة تبين أن ذلك الدواء قد سبب الكثير من تشوهات الأطراف التي تصل حد الإعاقة الشديدة بالإضافة إلى تشوهات أخرى، ورفعت قضايا كثيرة حول ذلك.. هناك أدوية لا تزال مسؤولة عن العديد من حالات نقص السمع والصمم من حولنا، هناك أدوية تؤذي الجنين إن تناولتها الحامل، فعلى سبيل المثال الأكوتان يؤدي لتشوهات وجهية وأذنية وقلبية، ودواء الفينيتوئين يؤدي إلى تشوهات خلقية ونقص نمو داخل الرحم، وربما يؤدي لحدوث سرطان من نوع النوروبلاستوما، أما دواء البروجيسترون فإنه قد يؤدي لتذكير الجنين الأنثى، أما التتراسكلين المشهور فقد يؤدي لتأخر النمو الهيكلي للجنين ولتأذي الأسنان ولحدوث ساد في العينين مع تشوهات في الأطراف، حتى الأوكسجين لو زاد عن حده قد يؤدي لإصابة بصرية لا تحمد عقباها.
وكذلك هناك أدوية تعطى للمرضع وتترك ضررها على الجنين. إن الطفل بطبعه يعبث ويلهو بما تصل إليه يداه وربما يضعه في فمه، وربما تصل يداه لدواء يكون فيه الأذى والضرر له وقد يصل الأمر إلى درجة إحداث الفشل بأعضاء عديدة في الجسم وقد يصل حد الموت ـ لا سمح الله.
نعم، مثلاً مريض السكري الذي لا يتلقى علاجه بالشكل المناسب يؤدي لترقي الإصابة البصرية لديه بحيث يضعف بصره وربما يفقده باكراً بالإضافة إلى تدهور الأعضاء الأخرى، وقد يستدعي الأمر لديه بتر الأطراف.
ومريض ارتفاع الضغط الدموي إن لم يعالج تأثرت أعضاء جسمه ومنها شبكية العين، وكذلك الذي يهمل علاج آفات أذنه قد يفقد السمع، وهكذا..
لقد تطور الطب كثيراً، ووضعت لوائح وضوابط عديدة ودقيقة لصرف الدواء، هذا على الصعيد العام، أما على صعيد الأفراد فنصيحتي هي الاحتفاظ بكل الأدوية في مكان بعيد عن متناول الأطفال وعدم تعاطي الدواء أو الحصول عليه إلا بمشورة الطبيب، والتقيد بالتعليمات بدقة. صحيح أن نسبة الخطورة قليلة، ولكنها إن حصلت ـ لا سمح الله ـ فالندم لن ينفع.
وختاماً، أود التذكير بأن هناك مواد ليست بأدوية ولكن تعاطيها يؤدي لتأثيرات خطيرة للغاية وما أقصده هو التدخين والكحول والمخدرات وأمثالها من مواد، نحمد الله تعالى الذي حرّمها علينا.
المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع