[B]
حين يتقدم البعض في السن، تتغير سلوكياتهم ويبدون أكثر قسوة وتطلبا، لدرجة إرهاق المحيطين بهم. ترى ما الأسباب؟
تضج المواقع الالكترونية والمنتديات بشهادات حية لأشخاص يعانون من تصرفات كبار السن من ذويهم، مثل هذه السيدة التي تعاني من عدوانية والدتها (83 عاما) منذ عامين «لقد غادرت دار رعاية المتقاعدين، حيث كانوا يتكفلون بها جيدا واستأجرت شقة بالقرب من بيتي بعد أن رفضت الإقامة معي. لقد أصبحت سيئة معي وتقول لأصدقائي اني غير طيبة مثلما يعتقدون وأني أجبرتها على مغادرة بيتي».
والأمر ذاته يلاحظه الموظفون في دور الرعاية حيث تقول هذه الموظفة «لا اعرف كيف أتصرف مع الانتقادات المتواصلة التي تمطرني بها إحدى النزيلات، عملي لا يعجبها، إنها تتصرف مثل طفلة في الخامسة من عمرها».
شكاوى وعدوانية وأزمات وانعدام ثقة، إنها أشكال من السلوكيات العقابية الصعبة التي يلجأ إليها بعض كبار السن للتعبير عن انفسهم، وقد خصص مؤتمر أخيرا في باريس لدراسة هذا النوع من السلوكيات نظمه الدكتور جون كلود مونفورت، وهو طبيب نفساني في المستشفى الجامعي «سانت ان»، وصاحب كتاب «ماذا اعرف عن الطب النفسي؟».
ويقول هذا المختص «من حسن حظنا أن من يتميزون بهذه السلوكيات قلة من كبار السن، لكن هذه القلة غير الطبيعية تحتاج إلى عناية خاصة، لأن سلوكا واحدا يمكن أن يرهق عائلة بأكملها وفريقا طبيا كاملا وأحيانا عدة فرق طبية ويمكن أن تعاني مؤسسة بأكملها من تبعات هذه السلوكيات».
فئة صعبة المراس
وبالطبع ضمن هذه الفئة، توجد فئة اخرى صعبة المراس في الأصل ويصعب إرضاؤها منذ الطفولة على حد قول المختص ذاته، لكن تطور هذه السلوكيات التي تتحول فجأة إلى سلوكيات مرضية واضطراب غير مفهوم في السلوك مع تقدم العمر، بات أمرا يشغل بال المختصين في علم النفس.
ويقول الدكتور جان كلود مونفورت: حين نتأكد من أن كبير السن لا يعاني من أي مرض كزيادة في جرعة الأدوية أو مشكلة في اللثة أو إنتان في المسالك البولية ….الخ، نتحول إلى البحث في محيطه.
فانقطاع جار عزيز مثلا عن الزيارة وسماع كلمات جارحة من صاحب البقالة يمكن أن يؤزم وضع كبير السن الذي يحمل بين جنباته كمًّا هائلا من السلوكيات العدائية التي تؤدي في النهائية إلى إصابته باضطراب عصبي.
وهناك أيضا نوع آخر من كبار السن الذين يعزفون فجأة ودون سبب عن الأكل والكلام والمشي، هذا الوضع يجعل من الحياة معهم أمرا صعبا للغاية، حيث يشعر أفراد الأسرة بالإرهاق من محاولات إرضائهم او علاجهم بينما يرفضون العلاج ويرددون إما «ما تفعلونه غير كاف» أو «عليكم فعل المزيد».
رفض فجائي
أما الدكتورة جويل لابورت فتقول ان واحدا من 85 مريضا من كبار السن الذين تستقبلهم في عيادتها، يعاني من هذه السلوكيات العدوانية وتضيف «علينا أن نبحث عن أسباب الرفض الفجائي هذا، في البداية، علينا أن ندرك أن التقدم في السن يتطلب الكثير من الطاقة، فيما يعاني المسن من صعوبات نفسية نتيجة عمره. وبسبب تراكم الإجهاد الناتج من تغير وضعه الاجتماعي والعمري وفقدانه عددا من الأمور، ينتهي البعض إلى الإصابة بالإرهاق فيبدأون في التفكير بالتخلي عن الحياة.
وأحيانا يمكن لحادث بسيط أن يسبب مشاكل عويصة مثل هذه السيدة التي كانت تقود السيارة رغم بلوغها 85 عاما. في يوم من الأيام اجتازت هذه السيدة إشارة التوقف الإجباري، ولم تتوقف أمام أفراد الدرك فسحبوا منها مفاتيح السيارة. أصيبت هذه السيدة باضطراب عصبي كبير في الساعات التي تلت الحادثة من دون أن يتمكن الأطباء من معرفة السبب.
تقول الدكتورة جويل لابورت قمنا باستدعاء عائلتها وحاولنا إيجاد أي علاقة بين ما يجري وما قد تكون هذه السيدة قد عايشته في الماضي إلى أن اكتشفنا أن والدتها وهي بولونية، سجنت بسبب سرقتها للخبز «لقد أصيبت هذه السيدة بقلق شديد حين شاهدت أفراد الدرك بسبب حادثة عاشتها أثناء الطفولة».
تقول هذه المختصة النفسية ان التحدث إلى كبار السن وربط الماضي بالحاضر والعديد من الوسائل العلاجية، بمقدورها أحيانا أن تتحول إلى معجزة وتخلص كبار السن من آلامهم وسلوكياتهم العدائية.[/B]