0 تعليق
486 المشاهدات

(IHelp) يُمكّن مرضى الشلل الرباعي من استخدام الكومبيوتر



[B][COLOR=#111110]مرّت بضع دقائق حتى تمكّن سائد زيدات من ابتلاع الصدمة، أغلقَ صفحة بريده الإلكتروني سريعاً، والتفَتَ ناحية صديقه وائل حراحشة ليُعقّب متهكماً: “هادا اللي كان ناقص. بكرة بيرمونا بالعين”، لكنه لم يكن يقصد أبداً عين “حسود”.

في ذلك اليوم –تحديداً قبل قرابة العام- وصلت إلى البريد الإلكتروني الخاص بـ”زيدات” رسالةً من إحدى أكبر شركات التكنولوجيا الإسرائيلية المعروفة، تطلب منه الموافقة على بيع (برنامج التحكم بجهاز الكومبيوتر عن طريق إيماءات الوجه) الذي ابتكره برفقة زميله حراحشة مقابل “شيك مفتوح”!.

لكن تفكير الشابين اللذيْن لم يتجاوز عمر الواحد منهما (17 عاماً) كان أسرع إلى ما قد يضمرهُ ذلك العرض المغري من إمكانية تطوير هذه التقنية فيما بعد لغرض استخداماتٍ عسكرية يكون الفلسطينيون أول أهدافها.

قرَأ زيدات نص الرسالة مرةً واثنتين وثلاثة.. لكنه ردّ بعبارةٍ واحدة: “هذا ابتكارٌ فلسطيني الجنسية. ولن تحمل براءته إلا اسمَ دولة فلسطين”.

ويتيح البرنامج الذي أطلق عليه مبتكراه اسم (iHelp) ويعني بالعربية (أنا أساعدكم) فرصة التحكّم بجهاز الكومبيوتر عن طريق (رمشة العين) أو (حركة الشفتين) من دون استخدام أي وسائل مساعدة سوى كاميرا الويب التي تكون –على الأغلب- مرفقةً بأجهزة الحاسوب.

“الجار” مريض الشلل الرباعي

بدَأت علاقة زيدات الذي يعيش في بلدة بني نعيم التابعة لمحافظة الخليل بقرينه حراحشة على مقاعد الدراسة في المرحلة الثانوية، ليكتشف الاثنان عدة قواسم مشتركة أخرى تجمعهما على رأسها “فضول الغوص في أعماق التكنولوجيا”.

يقول حراحشة: “فكّرنا باستغلال شبكات الإنترنت التي نملكها في بيوتنا بمشروعٍ يجلب لنا على الأقل مصروفاً شخصياً، فبدأ كلّ منا يمدّ خطّاً لجيرانه من شبكة بيته الخاصة، ويتقاضى على ذلك مبلغاً كل شهر، وعبر هذا الطريق قادنا القدَرُ إلى (iHelp)”.

في يومٍ من الأيام، كان على زيدات أن يمدّ لجيرانه – على مسافةٍ ليست بالقريبة- خطَّ إنترنت، الأمر الذي تطلّب مساعدة صديقه حراحشة في بعض الأمور التقنية.

دخَلَ الاثنان بيتَ الجيران، وأمسكا بعد (بسم الله) جهاز الحاسوب، ثم طفقا يتنقلان (بين النقرة والنقرة) من ملفٍ إلى مجلد إلى صورة حتى لمحاه على كرسيّه المتحرك يرمُقهما من بعيد! كادت دموعٌ ساخنة تنهمر من مقلَتَي ابن صاحب الدار الذي يعاني شللاً رباعياً صاحَبَه منذ الولادة لولا أن أشار حراحشة له بيده أنْ “اقترب”.

يضيف حراحشة: “قلتُ له تعال شاركنا وانظر ماذا نفعل (..) شعَرَ هو بالخجل، لكن فضوله دفعه إلى الاقتراب منا، ومشاركتنا الجلسة ما يزيد على الساعة! وبين الحين والحين كان ينظر إلينا ويهمّ بقول شيء.. ثم يسكتُ”، يقاطعه هنا زيدات: “كانت كل نظراته تقول شيئاً واحداً نعبّر عنه بالعامية بكلمة (نفسي).. لكنه لم يقلها (..) كان يخشى أن نسخر منه على ما يبدو”.

فجأة، نطَقَ الشاب: “ألا يوجد حل؟ الحياة كلها اليوم داخل شاشة هذا الجهاز.. وأنا لا أستطيع أن أقترب منه حتى”، حينها نظر الشابان إلى بعضهما لكنّهما لم يعلّقا والسبب تبعاً لزيدات :”كنا نخشى أن نعطيه أملاً، ومن ثم نخذله (..) بقينا صامتَين وغادَرْنا الدار متمنيين له الخير”.

عبر حركة الرأس

خلف الكواليس: عادَ الصديقان إلى بيت حراحشة مباشرةً، وبدأا البحث بواسطة صفحة (google) عن إمكانية استخدام ذوي الاحتياجات الخاصة للكومبيوتر، وعن آخر ما توصل إليه العلم بهذا الخصوص، لكن للأسف لم يجدا أي شيءٍ يتحدث عن المُراد آنذاك (قبل أكثر من عامين).

كانت قواعد التفكير التي استند إليها زيدات وحراحشة تقول :(مرضى الشلل الرباعي لا يستطيعون تحريك إلا الرأس، وأساس استخدام الكومبيوتر هو تحريك مؤشر الفأرة (الماوس).. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يربط وجه الإنسان بالكومبيوتر هو “كاميرا الويب”.. فهل من الممكن تحريك المؤشر من خلال حركة الرأس؟).

كلُّ يوم، وبعد كلّ محاولة كانت الإجابة تقترب من (نعم.. يمكن ذلك)، فيما كان ضربُ الكفِّ بالكف هي وسيلة التعبير “السريعة” عن فرحة الإنجاز بين الاثنين بمجرد نجاح خطوة.

يكمل زيدات :”قد تستغربين أن شابين – أو طفلين كما يسمينا قانون الطفل- يمكنهما الاحتفاظ بسرٍ كهذا مدةً طويلةً من الوقت.. حتى أهالينا لم يعلموا شيئاً عن الأمر إلا بعد أن تأكدنا من حتمية النجاح (..) كل التجارب بدأت على رأسينا أنا ووائل وفي الحقيقة: عشنا شعور الشلل في اليوم ألف مرة.. وحمدنا الله كثيراً على نعمة الصحة وتمام الخلقة”.

بعد النجاح الأولي الذي حققه البرنامج (سراً)، كان لا بد من نقل البُشرى إلى سبب الفكرة الأصلي.. (ابن الجيران)! لكن أمراً ما بدا وكأنه كسرَ جبلاً من الفرحة في قلبه بعد أداء التجربة.. لقد فاتَ الاثنان مسألة عدم ثبات رأس مرضى الشلل الرباعي -على الأغلب-.. الأمر الذي لا يسمح للعين وحدها بتركيز النظر على المؤشر وسحبه من مكانٍ إلى آخر.

شعَرَ زيدات وحراحشة بالخجل ربما بداية الأمر، لكنّ زيدات اقتربَ من ابن الجيران وربّتَ على كتفه وهمَسَ في أذنه: “لا تهتم.. سيكون لك ما أردت”.

الرموش والشفاه

بدأت مباشرةً بعد ذلك مسألة تطوير التقنية لتشمل بالإضافة إلى العين زاويةً انعكاسية من الأنف وسّعت من مجال التحديد.. بمعنى: أن مريض الشلل لو حرّك وجهه ناحية اليمين وأدار أنفه قليلاً فإن “اهتزاز رأسه” لن يكون واضحاً وبالتالي سيتمكن بشكل أكبر من التقاط المؤشر وتحريكه إلى الجهة التي يريد.

إذاً، لقد طوّرا تقنية العمل إلى درجةٍ أصبح بإمكان البرنامج فيها أن يستوعب مرضى الشلل الرباعي ككل سواءً أولئك الذين لا يعانون من (رجة الرأس) فيكتفون بتحريك مؤشر الكومبيوتر عبر بؤبؤ العين، أو الذين يعانون من رجةٍ خفيفة فيحركون بالإضافة إلى العين زاويةً من الأنف، أو الفئة الأخرى التي تعاني من درجة كبيرة من “الارتجاج” والتي يمكنها الاستفادة من خصائص البرنامج عبر تحريك الرأس كله ضمن مساحةٍ مُفرَّغة تتعرف عليها وتسمح بها الكاميرا!.

ولا يعدُّ زيدات فكرة برنامج التحكم بجهاز الحاسوب عبر إيماءات الوجه “بدعاً من القول” على حد تعبيره، إذ ملأت أخبار البرامج المثيلة مواقع الإنترنت! لكنها كلّها تتطلب من أجل استخدامها أدواتٍ مساعِدَة كالنظارة أو بعض الأسلاك، الأمر الذي قد لا يمكّن مريض الشلل الرباعي من استخدامها إلا بمساعدة شخصٍ آخر، وهو الأمر الذي تلافاه برنامجه بشكلٍ واضح.

يتابع حراحشة: “بواسطة البرنامج، أضحى الكومبيوتر ملكاً للمريض، يستطيع من خلاله استخدام الفيس بوك والفوتوشوب والكتابة على ملفات الوورد ونقل المجلدات وترتيبها بالشكل الذي يحلو له”، مبيناً إمكانية تطبيق آلاف الأفكار على نفس البرنامج “وهذا ما سيحدث.. قريباً إن شاء الله”.

وتساوي حركة العيون حسب (iHelp) حركة المؤشر، فيما تعني “الرمشَة” ضغط زره الأيمن، لتمثّل حركة الفم على شكل كلمة (أَم) بفتح الألف وتسكين الميم –دون لفظها بالصوت- أمر ضغط زر المؤشر الأيسر.

ولو أراد أحد مستخدمي البرنامج أن يؤدي عملية سحب ملف من وإلى مجلد، فإن عليه فقط تثبيت المؤشر عند النقطة المطلوبة عبر بؤبؤ عينه تحديداً مدة ثانيتين أو ثلاث، ومن ثم نقله عبر حركة العين إلى المكان المطلوب.

يستعد كلٌّ من سائد زيدات، ووائل حراحشة هذا العام لتقديم امتحانات الثانوية العامة، لكنهما ما زالا حتى اللحظة يتلقيان عروضاً من شركات أجنبية عالمية لشراء البرنامج تتراوح المبالغ المعروضة فيها ما بين 24 مليون دولار، و30 مليون دولار.

في المقابل لم تلتفت أيٌ من الجهات الفلسطينية أو العربية لهذه العقول الشابة التي ما زالت تؤكد أنها لن تبيع إنجازاً هو في الأصل من حقّ فلسطين إلا بشهادة تكريم مع الشكر.. وفقط!

وللمهتمين: يمكنكم التواصل مع مبتكرَي هذا البرنامج عبر صفحتيهما على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) من خلال اسم (سائد زيدات) بالعربية، ووائل حراحشة (wael Hrahsha) بالإنجليزية.[/COLOR] [/B]

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3776 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4152 0
خالد العرافة
2017/07/05 4692 0