أثار لدي تحقيق صحافي الكثير من الأسئلة، حول وجود 900 طالب وطالبة من ذوي الاحتياجات الخاصة يدرسون في الأردن، بسبب قلة وجود المراكز والمدارس المتخصصة في السعودية. هذا العدد الكبير أشعل في ذهني العديد من الأسئلة حول ضعف الإمكانيات لدينا والتي تتوفر في دولة عربية أخرى مع أننا من الناحية المادية قادرون على بناء أكبر المراكز والمدارس، ومن الناحية الفكرية لدينا متخصصون يملكون الأفكار التي تبنيها، إذن لماذا الأردن وهي أقل منَا بالإمكانيات المادية لديها هذه المراكز والمدارس التي عجزنا أن نوجدها في بلدنا؟ وبحسبة أبسط.. ما دمنا عاجزين أن نصل إلى ما وصلوا إليه لماذا لا نستورد العقول التي شيّدت هذه المراكز والمدارس لتبني لنا مثلها؟ حقيقة أشعر بمرارة وأنا أقرأ مثل هذه الأخبار الموجعة، المؤلم فيها هو حجم القصور في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وعدم قدرتنا على صناعة صروح تعجز دول أمريكا وأوروبا أن تصنع مثلها ونحن نمتلك الإمكانات، إلا أن السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه هو أين الخلل؟
لا يمكن إنكار أن الحكومة لم تقصر فهي التي تدفع رسوم ذوي الاحتياجات الخاصة كمبتعثين في الأردن، لكن هذه المبالغ لو ذهبت إلى الداخل وصار لدينا مدرسة ومركز في كل مدينة فهل هذا صعب؟ أنا لا ألوم الأهالي الباحثين عن أماكن يتعلّم فيها أبناؤهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، في ظل عدم توفرها في الداخل وإن توفرت فإن القبول فيها صعب للغاية كون أعداد المقاعد فيها محدودة، لكن مشكلة إيفاد هؤلاء للأردن ليس في أن الطفل أو البالغ من ذوي الاحتياجات الخاصة يدرس هناك، إنما المشكلة الأكبر أنه يعيش في مراكز إيوائية طوال العام، بمعنى أن الأهل قد سلّموه لهذه المراكز لتكون أمه وأباه وإخوته، دون النظر إلى حاجة ذوي الاحتياجات الخاصة إلى أن يعيش مع أسرته وداخل بيت وحياة يشعر معها بالأمان، لا أدري كيف تحتمل قلوب هؤلاء الأمهات أن ترمي بفلذات أكبادها في مراكز إيوائية لا تراه عندما ينام ولا عندما يستيقظ ولا تمنحه مشاعر الأمومة، فهل ستمنحه إياها مربية في مركز؟
أنا في الحقيقة لا أدري عن ظروف الأهالي التي اضطرتهم إلى وضع هؤلاء أطفالهم في مراكز إيوائية، لكنني مؤمنة أن الطفل ذو الاحتياجات الخاصة حياته ستكون أفضل داخل بيته وأسرته على أن يتعلّم ويدرس في مركز أو مدرسة متخصصة، خصوصًا وأن مسألة «الدمج» في المدارس العادية قد أثبتت فشلها وليس هناك نيّة لأي تطوير من قِبل وزارة التعليم بحسب المعطيات التي أمامنا.
أتوقع لو تم التعاطي مع فكرة أن ذوي الاحتياجات الخاصة ليس معاقًا وأنه شخص قد يكون منتجاً في المجتمع ستتغير كثير من الأمور بما فيها الفكر السلبي لدى – بعض- الأهالي، إلا أن هذه الأفكار السوداوية للأسف باتت تستشري والضحية في النهاية ليس ذو الاحتياجات الخاصة وحده، بل مجتمع لم يعرف قيمته!