[B]
تجاوباً مع أسئلة هذا التحقيق، كشف لنا الرياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة بأجوبتهم عن عزيمة قوية يتمتعون بها، هذه العزيمة التي جعلتهم يتحدون الصعاب ويقهرون المستحيل، باعتلائهم منصات التتويج في مختلف الألعاب التي يمارسونها، معترفين بأن الرياضة هي طريقهم لإثبات الذات وتحقيق الطموحات. وفي هذا التحقيق طرحنا أسئلة تدور حول ما تمثله الرياضة لممارسيها من المعاقين، وهل هي هدف في حدّ ذاتها، أم هي دافع ووسيلة في سبيل تحقيق أهداف أخرى؟. وكيف كانت البدايات؟ وهل كانت بتشجيع من أحد؟ وما هي المشكلات التي يعاني منها الرياضي المعاق؟. كل هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على لاعبينا الرياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان التحقيق التالي.
مدعاة للفخر
قد يتساءل أحدهم عن أهمية الرياضة بالذات.. فهناك سبل عدة قد تساهم في تعزيز ثقة المعاق بنفسه وتجعله يمارس حياته كما الأشخاص الأسوياء، كدمجه في مدارسهم، وإلحاقه في دورات تدريبية تؤهله لمواجهة المجتمع، وغيرها العديد من السبل.
نعم.. قد يكون لذلك أثر إيجابي مهم، إلا أن الحديد لا يفله إلا الحديد، وكون الرياضة ارتبطت دائماً بالأجساد السليمة، فممارسة المعاق للرياضة تعد من أنجع السبل لإعادة معنى الحياة وقيمتها إلى قاموس حياته، فمن خلالها يثبت للعالم ولنفسه أولاً وأخيراً بأن إعاقته لا يمكنها أن تكون عائقاً أمامه لتحقيق ما يريد، فقد تمكن من تحدي ما يمكن اعتباره بأصعب الصعاب.
دوافع قوية
يعد ماجد العصيمي نموذجا في عالم رياضة المعاقين، وقد تقلد المناصب الإدارية حتى شغل أخيراً منصب أمين السر العام في اتحاد الإمارات لرياضة المعاقين، وهو بذلك يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الرياضة قد لا تمثل هدفاً بحد ذاتها، بل طريقاً ودافعاً قوياً تمكن المعاق من تحقيق أهداف أخرى في حياته وفي عدة مجالات. وعن تجربته الرياضية قال العصيمي: «لقد أخرجتني الرياضة من حاجز نفسي كبير، لاسيما عند تحقيقي لأول ميدالية لي في بريطانيا، حيث عززت من ثقتي بنفسي، وساهمت بشكل كبير في كسر حواجز الإعاقة لدي، حتى أصبحت أكثر أملاً وإصراراً على رفع علم الدولة في الخارج، والمطالبة بحقوق المعاقين، وذلك من خلال استخدامنا للرياضة كبوابة للوصول إلى تلك الحقوق».
نظرات الإعجاب
أما بالنسبة لسهام مسعود فهي تكفيها نظرة الإعجاب والفخر التي تتراءى لها في أعين المحيطين بها من أهلها وأصدقائها، لتواجه مصاعب الحياة وتكون لابنها أماً وأباً في الوقت نفسه.
سهام اللاعبة في نادي دبي للرياضات الخاصة أصيبت بشلل نصفي بعد ولادتها نتيجة لعدم أخذ التطعيم المناسب، وهي الآن تبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً، وترى سهام أن أجمل إنجاز حققته على الصعيد الرياضي هو حصولها على الميدالية الفضية في بطولة الصين عام 2010، وتتابع حديثها قائلة: « الإنجاز الأكبر هو ما ألحظه في عيون من حولي، فمنذ أن انضممت للنادي وبدأت في ممارسة الرياضة، زاد اهتمام الناس بي، وأصبحوا يسألونني عن ماهية رياضة المعاقين، فغالبيتهم لم تكن لديهم فكرة عنهاً.. وقد شعرت بفخرهم بي وبما أحققه من إنجازات».
لقد كانت الرياضة بالنسبة لسهام مُعيناً لها على استكمال حياتها بعد وفاة زوجها، فقد عززت من ثقتها بنفسها وبقدرتها على تحمل مسؤولية طفلها، وليس هذا فقط، بل والتوجه للحياة العملية بكل صعوباتها والعمل حالياً كموظفة في دائرة الأراضي والأملاك في إمارة دبي.
خطوة الانضمام
وحتى يخطو المعاق خطواته الأولى نحو عالم الرياضة، كان لابد من وجود من يؤمن بأهمية الرياضة ويقوم بتشجيع المعاق على ممارستها، فالخجل من نظرة المجتمع يشكل عائقاً في سبيل اتخاذ قرار كهذا، في حين يتطلب الأمر في أغلب الأحيان حافزاً خارجياً يقوم بدوره بالخطوة التشجيعية الأولى. وباعتبارها الكيان الأقرب والأهم بالنسبة لكل فرد منا، فقد كان لزاماً على الأسرة أن تقوم بذلك الدور التشجيعي منذ البداية وحتى آخر اللحظات.
حمد الحمادي لاعب الرمي ذو الأربعة عشر ربيعاً، يتحدث عن دور أسرته وأبيه على وجه الخصوص في تشجيعه على الانضمام لنادي أبوظبي منذ أن كان عمره لا يتجاوز العشر سنوات. قال حمد: «أبي هو من أشركني في النادي، فقد كان يرى صور اللاعبين الرياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة في الصحف والمجلات، وقد تقلدوا الميداليات حاصلين على المراكز المتقدمة، رافعين بها علم الدولة عالياً.. فأحب أن يكون لي مكان بينهم».
ورغم صغر سنه فقد استطاع حمد أن يسير على الدرب الذي رسمه له والده، فحقق المركز الأول في رمي الجلة في بطولة التشيك العالمية التي جرت منذ ثمانية أشهر، والمركز الثاني في رمي الرمح، والمركز الثالث في رمي القرص، كما حصل على عدد من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية في عدة بطولات محلية، وهو اليوم عازم على إكمال المسير ليحقق حلمه في أن يصبح بطلاً عالمياً في الرمي.
دور المؤسسات
ومن دور الأسرة إلى دور مؤسسات المجتمع المدني، المتمثلة في الأندية الرياضية المنتشرة في ربوع الدولة، نلاحظ اهتماماً وسعياً حثيثين لاستقطاب الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتحفيزهم على الانضمام للأندية الرياضية بوسائل متعددة.
فها هو خليفة النقبي لاعب رفع الأثقال من فئة الناشئين -16سنة- يروي قصة انضمامه لنادي خورفكان للمعاقين ويقول: «كنت على الكورنيش فرآني حينها أحد المسؤولين في نادي خورفكان.. جاء وعرض عليّ الانضمام للنادي، وفعلاً اقتنعت بالفكرة.. كما أن أهلي شجعوني كثيراً».
وعندما سألناه عن مدى تأثر دراسته سلباً نتيجة استحواذ الرياضة على جزء كبير من وقته، نفى أن تكون الرياضة قد شغلته عن دراسته أو أثرت سلباً عليها، فهو يرى بأنها كانت حافزاً ومشجعاً له على الدراسة وليس العكس أبداً. وتمنى أن يرى اهتماماً أكبر من قبل الناس برياضة المعاقين، لما لذلك من أثرٍ إيجابيٍ عليهم كلاعبين من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبنفس الطريقة ولكن مع اختلاف المكان، كان انضمام محمد وحداني – سباقات الكراسي المتحركة من فئة ألعاب القوى- لنادي دبي للرياضات الخاصة، ليكون من أبرز اللاعبين هناك بحصوله على لقب (الثالث عالمياً) في البطولة التي أقيمت في مدينة بنجالور الهندية عام 2009، ولم يكن يتخيل وحداني حينها بأنه سيصل إلى ما وصل إليه اليوم، أو يحقق ما حققه إلى الآن، حيث قال: «لم أكن أتخيل أنني سأحقق ما حققته في يوم من الأيام.. كنت دائماً أشاهد أصدقائي وهم يلعبون في الشارع وكنت أنظر إليهم وأسأل نفسي، هل من الممكن أن أكون بينهم.. ألعب وأركض وأجري هنا وهناك؟ ويضيف: «لم ألتحق بأي نادٍ في البداية؛ لأنني كنت أخجل من إعاقتي، حتى رآني الأستاذ عبدالله الحسن أحد المدربين في نادي دبي للرياضات الخاصة، وقد كنت حينها في المستشفى، فكلمني وأخذ يشجعني على الانضمام للنادي ويخبرني بأنه ليس هناك ما يدعو للخجل، فالجميع هناك من فئة المعاقين مثلي تماماً، كما أن ممارستي للرياضة شيء يدعو للفخر ولاسيما أنها تمثل تحدياً لإعاقتي».
الاحتراف مطلب أساسي
قد تكون الرياضة مجرد وسيلةٍ ودافعٍ للوصول من خلالها إلى أهداف أخرى قد تختلف باختلاف أغراض المعاقين، وآمالهم ومشاعرهم وحتى ظروفهم. ولكن حين تغدو الرياضة بحد ذاتها هدفاً أسمى وغاية عظمى، فتكون بذلك الشغل الشاغل للرياضي، وقضيته التي يسعى للبحث عن كل ما يرتقي بها وبه؛ تبدو بالأفق حينها مطالب عدة، يتربع على عرشها جميعاً مطلب الاحتراف.
أحمد خميس نوري لاعب رفع الأثقال في نادي أبوظبي لذوي الاحتياجات الخاصة، دفعه حبه الشديد للرياضة إلى الانضمام لإحدى الصالات الرياضية الخاصة بالأسوياء؛ وذلك لعدم علمه بوجود مثيلاتها للمعاقين، حتى أخبره أحد أصدقائه عن نادي أبوظبي. وانضمامه آنذاك لم يكن بتشجيع من أحد، بل كان بدافعٍ ذاتي جعل من رغباته مطالب، ومن آماله أساسيات ينادي بها كل المسؤولين عنها.
النظر في مسألة احتياج اللاعب للتفرغ للرياضة والبطولات، كانت من أهم مطالب نوري التي نادى بها، فالعمل وممارسة الرياضة معاً يتطلبان من المعاق حسب قوله مجهوداً مضاعفاً ليست لديه القدرة على تحمله.
أما عبدالله سلطان العرياني وهو رامٍ دولي في منتخب الدولة، وأول رامٍ عربي في رماية المعاقين يسجل دولياً، جاءت كلماته لتؤكد على ما طالب به نوري، حيث قال: «نحن نطالب بتفريغ الرياضيين المعاقين.. وهذه المسألة تحتاج إلى دعم الدولة والمسوؤلين. فنحن نشارك في البطولات بجهد 60 % فقط، في حين يشارك الرياضي المتفرغ بجهد 90 %، وبالتأكيد فإن ذلك يؤثر سلباً على أدائنا في البطولات».
مؤتمر الإمارات الدولي 19 مايو الجاري
برعاية كريمة من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتحت شعار (واقع وآفاق)، يفتتح مؤتمر الإمارات الدولي لرياضة المعاقين 2011 ذراعيه يومي التاسع والعاشر من شهر مايو الجاري، ليحتضن نخبة من كبار المهتمين برياضة المعاقين من مختلف دول العالم، ورجال الأعمال بمنطقة الخليج العربي والدول العربية، والمديرين والرؤساء التنفيذيين للأندية الرياضية ومؤسسات المعاقين، بالإضافة إلى بعض الأكاديميين والتطبيقيين والباحثين؛ وذلك للحديث حول أهمية رياضة المعاقين ودورها في دمجهم في المجتمع، ومناقشة التحديات التي يواجهها المعاقون وسبل تذليلها، إضافة إلى التطرق لعدد من المحاور الأخرى ذات الصلة.
وفي هذا الصدد، يعبر ماجد العصيمي أمين السر العام في اتحاد الإمارات لرياضة المعاقين، من خلال هذا المؤتمر عن مطلبه في دخول المستثمرين مجال رياضة المعاقين، وتقديم الدعم المناسب لها، وقال: عندما تتعدد الإعاقات ومستوياتها، وتتعدد كذلك المسابقات والبطولات على جميع المستويات، يصبح بالضرورة بمكان أن يتعدد الدعم ويزيد من قبل الجهات المسؤولة عن الرياضة، ويصبح دخول المستثمرين كشركاء أساسيين أمراً لا يمكن الاستغناء عنه. في حين دعا أحمد خميس نوري لاعب رفع الأثقال في نادي أبوظبي لذوي الاحتياجات الخاصة، دعا الإعلام إلى الاهتمام باللاعبين المبتدئين، وليس فقط بمن حققوا إنجازات كبيرة، فهو يرى بأن لذلك أثراً كبيراً في دعمهم وتشجيعهم على إحراز الميداليات وتحقيق الإنجازات. وأضاف: ليس هناك من يولد بطلاً، ولكن بالدعم والرعاية والتشجيع يتحول المبتدئ إلى بطل.
قرار لتفريغ الرياضيين
قال عبدالله سلطان العرياني وهو رامٍ دولي في منتخب الدولة، وأول رامٍ عربي في رماية المعاقين يسجل دولياً إن مسألة تفريغ الرياضيين تحتاج لقرار مباشر من الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية، فهذه مسألة مهمة نأمل أن يتمّ تناولها». والعرياني مؤسس أحد فرق نادي العين بوصفه لاعباً ومدرباً، كما أنه نقيب متقاعد من القوات المسلحة، ويعمل حالياً في وزارة الداخلية في الشرطة، وهو متزوج ولديه أربع بنات وولد.
مطالبة بتحقيق الإنجازات
بضحكة تعكس المعاناة واليأس يقول جاسم النقبي، وهو أول رياضي معاق يدخل عالم الاحتراف: «للأسف نحن نعاني كثيراً في هذا الموضوع، فمسألة الاحتراف لا يتم النظر فيها من قبل المسؤولين، وهم لا يمنحوننا سوى مدة شهرٍ واحدٍ قبل أية بطولة للتدرب والاستعداد، وفي المقابل فنحن مطالبون بتحقيق الإنجازات وإحراز المراكز المتقدمة في البطولات!!».
ومن وجهة نظر جاسم، فإن الحلّ يكمن في ضرورة وجود شخص واحد على الأقل من ذوي الاحتياجات الخاصة ليشغل أحد المناصب الإدارية في كل نادٍ من الأندية الرياضية الخاصة بالمعاقين. ويضيف: لن يشعر بمعاناتنا ويقترب من مشكلاتنا إلا شخص مثلنا، فحينها فقط سيتولى مطالبنا ويكون لنا صوت ينادي باسمنا أمام المسؤولين. ويعدّ جاسم أول لاعب رياضي في نادي خورفكان، وهو من المؤسسين فيه في وقت لم يكن في النادي أي لاعبين أو إداريين بعد.
[/B]