[B][COLOR=#060606]”لا يجب أن نزحف عندما نشعر بشيءٍ يدفعنا للطيران “تركت الكاتبة الأمريكية هيلين كلير الكفيفة والصماء الحياة بعد نضال طويل ضد الإعاقة حتى لقبت بــ” معجزة الإنسانية” وقبل رحيلها أهدت البشرية هذه الكلمات، لتكون مشاعل من نور تضئ الدرب أمام ضعف الإنسان وطموحه، واليوم الرياضي أحمد طافش (31 عاماً ) من غزة قرر الطيران مستعيناً بأجنحة الإرادة والإيمان بدلاً من يديه المفقودتين , ففي ساحات اللعب ينتقل بحيوية بالغة من لعبة لأخرى, لينتقل بعدها من فلك الهواية إلى فضاء المنافسة الرحب ليحقق نتائج مبهرة ويدهش الجميع .
“طافش “ولد وولدت معه إعاقته ، فهو لا يمتلك يدين كاملتين، ولكنه ومنذ طفولته اعتاد أن يتعايش معها ويتقبلها وتعقيباً على ذلك قال: ” تأقلمت مع الإعاقة بمساعدة عائلتي ، فكنت أمارس طفولتي، ألهو وألعب،وأتناول طعامي وشرابي وأكتب بنفسي،وأشارك أقراني في الفصل والرحلات المدرسية “، مضيفاً:” بصراحة تمكنت من فرض نفسي على المجتمع ولم أنعزل عنه”.
واستطاع أحمد التكيف سريعاً، وبدأ دراسته في المدارس الليبية بجدٍ ومثابرة وسط تشجيع زملائه ومدرسيه دون أن يشعر بالنقص، حتى عاد إلى غزة وحينها شعر بوجود الإعاقة بسبب تعليقات الأشخاص من حوله على حد وصفه، ولكن بإرادته الفولاذية تابع أحمد دراسته حتى تخرج من كلية المجتمع قسم تأهيل المعاقين عام 2004م.
ومنذ وقت مبكر أحب أحمد الرياضة وبدأ بممارستها فكان يلعب مع أصدقائه كرة القدم وتنس الطاولة ورفع الأثقال وغيرها من الألعاب ، وفي ذلك قال لمعا:”حين شاهدت تنس الطاولة أحببت تلك اللعبة، وبدأت أفكر كيف يمكن أن أمارسها رغم إعاقتي، في البداية بدأت بمسك المضرب بيديَّ كلتيهما بصعوبة، حتى ابتكرت طريقة تساعدني على مسك المضرب بيد والكرة باليد الأخرى”.
وتابع : ” صممت مربطًا جلديًا يتصل بالمضرب وعند اللعب أربطه على يدي وبالأخرى أستطيع أن أمسك الكرة “.
وفي قاعة رفع الأثقال توجه أحمد إلى أحد الأجهزة وجلس عليها، وحدد وزناً ثقيلاً وبدأ بالتمارين، وسط دهشة مدربه الذي اعتقد بأنه سيتجه للعبة خاصة بالمعاقين ولكنه أذهله على حد وصفه.
وجد أحمد في الرياضة ضالته للتغلب على الإعاقة وتحقيق نتائج مذهلة، وشارك في العديد من البطولات المحلية وحاز على العديد من الميداليات، وهو يلعب الآن ضمن المنتخب العسكري الفلسطيني، متمنياً أن يرفع علم فلسطين فوق كافة الأعلام في البطولات العربية والعالمية.
وأشار إلى أنه حالياً مكلف ليكون المرشد الرياضي لتنس الطاولة في المنتخب العسكري، بالإضافة لاستعداده للبطولة الخارجية لتنس الطاولة التي ستقام في إحدى الدول العربية قريباً.
وحول الصعوبات التي واجهها في مشوار الرياضي قال:” نظرة المجتمع السلبية لذوي الاحتياجات الخاصة من منطلق الحزن والعطف على هؤلاء الأشخاص، بالإضافة لعدم احتضان مواهب أصحاب الإعاقات من قبل الجهات المعنية ” .
ومن الجدير ذكره أن أحمد يرفض الأطراف الصناعية لأنه يعتبرها “هي الإعاقة ” لأنها ستتحكم به وتقيد حركته على حد تعبيره .
وأثناء حوارنا معه دق هاتف أحمد الخليوي فأمسك به بيديه وأجاب المتصل، وبعدها عاد ليحدثنا عن عائلته قائلاً : ” اعتز بعائلتي جداً، فأنا متزوج وأب لثلاثة أبناء، وهم فخورون بي وتكيفوا مع إعاقتي”.
ويعمل أحمد إلى جانب ممارسته للرياضة في إحدى الوزارات في قطاع غزة كمدخل للبيانات, بالإضافة لإدارته لمركز النبراس التعليمي الذي أنشأه بغرض المساعدة في محو الأمية و تعليم المساقات المختلفة من خلال برامجه المتنوعة .
لم تغب روحه الجميلة وابتسامته الدائمة طيلة الحوار ، وفي ختام حديثه وجه رسالةً للمجتمع قائلاً:” نحن جزء من هذا المجتمع ولنا حقوق وعلينا واجبات، والإعاقة لا تلغي الطاقة، وعلى المجتمع أن يفتخر بنا ” .
كما وجه أحمد برسالته الأخرى للإعلاميين لكي ينقلوا نجاحات أقرانه وإنجازاتهم للجميع، لأن المستقبل سيكون أجمل بوجود أصحاب الكلمة الحرة على حد وصفه.
أحمد طافش الملقب بــ ” سفير ذوي الاحتياجات الخاصة ” يضرب لنا جميعاً مثلاً يحتذي به في الإرادة والصمود الإنساني، فحين تراه يلعب كرة القدم ويسجل الأهداف, أو حين يحمل مضربه بيدٍ والكرة بالأخرى تيقن بأن لا شيءيقف بوجه الحلم طالما القلب ينبض بالإيمان والإصرار، فالإعاقة الحقيقة ليست فقدان الأطراف أو السمع أو البصر وإنما انتحار الإرادة على صخرة الحياة ومتاعبها.[/COLOR]
[/B]