[B]أكدت دراسة صادرة عن مكتب الانماء الاجتماعي التابع لديوان سمو رئيس مجلس الوزراء ان دولة الكويت تعتبر من أفضل الدول على مستوى العالم في مجال محاربة ظاهرة العنف الواقعة على الطفل باحتوائها على حزمة كبيرة من القوانين التي تجرم هذا الفعل، واشارت الدراسة الى ان الخلل الوحيد الملموس يتمثل في تفعيل هذه القوانين ومنها قانون حماية الطفل في المجتمع الكويتي.
وقالت الدكتورة وفاء جاسم العرادي مدير ادارة شؤون الارشاد النفسي والاجتماعي بمكتب الانماء الاجتماعي في الدراسة التي اعدتها ان ظاهرة العنف ضد الأطفال من أبرز المشكلات العالمية التي لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات باختلاف مستوياتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى مستوى الدول العربية وهي ظاهرة مازالت تتزايد بسبب خصوصية هذه المشكلة وبسبب قصور بعض الدول في تشريعاتها، موضحة انه وفي الكويت يولى مكتب الانماء الاجتماعي اهمية كبرى لهذه القضية حيث انه منذ تأسيس المكتب عام 1992 وبالتحديد بعد التحرير من براثن العدوان الصدامي الغاشم على دولة الكويت قام المكتب باحتواء كافة الحالات المرضية من الأطفال الذين عانوا الكثير من الاضطرابات النفسية خلال فترة الغزو، وكذلك الأطفال الذين يعانون الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية كالقلق والتوتر والمخاوف والاعتداءات أو التحرشات الجنسية بالاضافة الى حالات العنف الجسدي كالضرب والركل والحرق والكسر والغرق وحالات العنف النفسي كالسب والتحقير من الذات وتوجيه الألفاظ النابية والبذيئة.
حيث قدم المكتب لهذه الفئات الاكلينيكية المختلفة حزمة متنوعة من العلاجات النفسية الفعالة والبرامج الفنية التخصصية كالعلاج الواقعي والعلاج المعرفي (الادراكي) والعلاج السلوكي والعلاج باللعب أو بالدمى والعلاج بالرسم بالاضافة الى التدريب على مهارات اجتماعية متركزة على جوانب الخلل ذات العلاقة بشخصية الطفل.
فضلاً عن ان دور المكتب تعدى الجانب العلاجي حيث سعى ومازال الى التأكيد على الجانب الوقائي بتكثيف الدور التوعوي الفردي والمجتمعي الذي يقلل من الوقوع في حالات الانتكاسة ويحقق للفرد والأسرة والمجتمع حصانة نفسية قوية من خلال العمل على تقديم المحاضرات التوعوية والدورات التدريبية العامة والتخصصية وطرح ورش العمل والندوات والحلقات النقاشية والقيام بمشاريع التنمية البشرية.
حماية
وعن مفهوم حماية الطفل اوضحت الدراسة ان هذا المفهوم شامل يصف الفلسفات والسياسات والمعايير والتوجيهات والتشريعات والتدابير القانونية والاجراءات الهادفة الى حماية الأطفال من الأذى المتعمد والأذى غير المتعمد، ولذلك ينطبق هذا المفهوم بشكل خاص على واجب المؤسسات والوزارات والمنظمات تجاه الأطفال الذين هم في عهدتهم وعهدة هؤلاء الأفراد التابعين لهذه المؤسسات والمنظمات في تأمين محيط أو بيئة تربوية ونفسية واجتماعية آمنة ايجابية للأطفال للوصول بهم الى أقصى ما يمكن من درجات التوافق والتكيف والصحة النفسية في المجتمع، ويتضمن مفهوم سوء معاملة الطفل كل اشكال الايذاء البدني والنفسي او الحسي للاطفال وكذلك الايذاء الجنسي والاهمال واستغلال الاطفال تجاريا.
سوء معاملة
وعددت الدراسة اشكال سوء المعاملة التي يتعرض لها الاطفال مشيرة الى انها تتنوع ما بين الايذاء الجسدي للطفل وهو الايذاء المتسبب في خطر عضوي مؤكد أو محتمل اضافة الى الايذاء النفسي (المعنوي وهو كل أشكال الرفض أو العزل التي يتعرض لها الطفل والمتسببة في اصابته بالعديد من الاضطرابات النفسية المختلفة).
وكذلك الايذاء الجنسي وهو ادماج الطفل في أنشطة جنسية غير قادر على استيعابها أو غير مهيأ لها حسب تطوره اضافة الى استغلال الأطفال ويقصد به استعمال الأطفال في الأعمال (وغالباً ما تكون شاقة) التي تحقق فوائد ومنافع للآخرين واهمال الأطفال وهو الحرمان من جانب الشخص المكلف برعاية الطفل (من النواحي الصحية، والتعليمية، والتغذية، والحماية، والظروف المعيشية الآمنة).
والايذاء داخل المؤسسات اي كل أشكال الايذاء والاصابات التي تحدث في المؤسسات الخاصة والحكومية المعنية برعاية الأطفال.
واخيرا الايذاء داخل المجتمع والمقصود به كل أشكال الحرمان المتسببة في معاناة الأطفال داخل ومن قبل المجتمع.
اعتداءات
وكشفت الدراسة عن شخصية من يقوم بهذه الاعتداءات الواقعة على الطفل اذ اشارت الى ان هذه الاعتداءات تحدث غالبا من قبل القائمين على الحماية والرعاية والذين لديهم السلطة الأعلى والأقوى اوالأطفال الأقوى والأكبر وكذلك الذين تعرضوا لاعتداءات وخبرات سلبية سابقة (ماضية) وكل من له علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع الطفل كما انه قد يأتي الاعتداء من المريض النفسي أو الشخص العنيف، أو من لديه شذوذ أو انحراف في السلوك.
مؤشرات
وعن علامات حدوث الاعتداء ايا كان نوعه على الطفل كشفت الدراسة الى ان اهم تلك العلامات تظهر بشكل علامات سوء بالتغذية والتردد على الرعاية الصحية بعد فترة من المرض وبعد حدوث المضاعفات وكذلك عدم الحصول على الخدمات الصحية الروتينية (كالتطعيمات ومتابعة نمو الطفل في قسم الرعاية)، بالاضافة الى غياب الرقابة عليه خاصة من القائمين على رعايته وعدم النظافة الشخصية وتأخر في المهارات اللغوية والسلوكية والحركية لدى الطفل والانخراط في السلوكيات العدوانية وظهور سلوك ايذاء الذات حتى التفكير بالانتحار ومحاولات الاقدام عليه ويلاحظ ايضا صعوبة الاختلاط مع الناس بشكل عام وعدم الانتظام المدرسي، الغياب المتكرر من المدرسة دون أسباب، التدهور في الأداء الدراسي، واصابات الطفل بالحروق والكسور والجروح في أماكن مختلفة من الجسم، تورم أو كدمات أو نزيف بالوجه والتعبير عن الخوف في وجود الكبار، أو عدم الرغبة في الاقتراب من الكبار، أو الهروب من أشخاص معينين.
مجالات الحماية
وخلصت الدراسة التي اعدتها الدكتورة وفاء العرادي الى ان مجالات حماية الطفل من ان يكون ضحية لمثل هذه الاعتداءات والعنف تتنوع لأكثر من مجال، فهناك اولا الحماية بالمجال الاعلامي والتي تتمثل بالاهتمام كيفاً وكماًّ بالبرامج الموجهة للأطفال في وسائل الاعلام المختلفة، ومحاولة التركيز بقدر المستطاع على البرامج الثقافية التي تعمل على تنمية جوانب شخصية الطفل النفسية والاجتماعية والتربوية.
وكذلك تكثيف الضوء على الدراما الكويتية التي تعمل على تحسين مستوى التوافق الشخصي لدى الطفل وتقوم بتعليمه على كيفية مواجهة مشكلاته في الحياة، وتصحح من مفهوم الذات لديه، وترفع من الاعتماد على النفس، بتدريبه على قضاء حوائجه بنفسه مهما لاقى من صعوبات، وابعاد الأطفال من بعض البرامج والأفلام والمسلسلات التي تسهم في اكتسابهم قيماً وسلوكيات تتسم بالعنف والانحراف، مما يثير ردود فعل سلبية من الكبار لعقابهم والقاء الضوء اعلامياًّ على البرامج التوعوية التي تحرص على منح الأطفال بالمهارات والمعلومات المتعلقة بحمايتهم حتى يتمكنوا من حماية أنفسهم في حالات الخطر، وممكن لهذه المهارات والمعلومات ان تتضمن فهماً صحيحاً وسليماً لما يشكل «لمسة لائقة «، وما يشكل «لمسة غير لائقة»، وكذلك تمكينهم من معرفة اجراءات وجهات التبليغ في حال الحدوث لمثل هذه النوعية من المواقف بالاضافة الى تجنب الأطفال من مشاهدة برامج الاستغلال الاعلامي والتجاري الرخيصة وكذلك من برامج الاغواء والرذيلة واثارة الغرائز عبر الانترنت، والبُعد عن اساءة استخدام صور النساء والأطفال عبر الانترنت وبالأخص عبر برامج المحادثات وتوجيه رسائل اعلامية مباشرة وفعالة للقائمين على رعاية الطفل بكيفية التمييز والتفريق ما بين الضرب التأديبي والضرب التعذيبي (العنيف والمبرح)، وما ينتج عنه من آثار جانبية سلبية على الطفل واعداد البرامج الاعلامية التي تعطي مفهوماً علمياًّ وصحيحاً ومبسطاً عن الثقافة الجنسية مع مراعاة الفروق الجنسية والعمرية للأطفال، حتى لا تكون هناك أية محاولات أو فضول لفهم خاطئ ومشوش لهذا المفهوم من قبل الطفل، مع ضرورة تكاتف جهود كل المهتمين في وسائل الاعلام بابراز مخاطر الادمان والشذوذ والانحرافات السلوكية الأخرى.
وحماية الطفل من كافة أنواع التلوث، وضمان بيئة خالية من الأمراض والأوبئة المعدية والرفع من معدل التوعية البيئية لدى كافة أطفال المجتمع، واقناعهم بأن سلامة الأوطان بسلامة بيئاتها والمحافظة عليها.
وحق الطفل في الحصول على مسكن ملائم ومناسب وكذلك حق الطفل في العيش بمستوى اقتصادي يفي بكافة متطلباته واحتياجاته الضرورية للحياة.
وتدريب الطفل على حرية التعبير وحرية الرأي وابداء وجهة نظره في قضايا المجتمع المختلفة، ولاسيما القضايا السياسية والابتعاد عن تخويف الطفل بالحبس أو السجن عند محاولته للتعبير عن رأيه، الأمر الذي ينمي لديه الثقة بالنفس والجرأة المقبولة في الكلام وتشجيع الأطفال على المشاركة الديموقراطية مع الكبار في التعبير عن آرائهم المختلفة السلبية منها والايجابية، شريطة ان تسود هذه المشاركة الديموقراطية الاحترام وتقبل الرأي الآخر وأن تكون في ظل الاطار الاجتماعي والثقافي للمجتمع.
أما الحماية في المجال الصحي فتتمثل في سن القوانين بعدم ممارسة التدخين تحت سن 21 سنة وتطبيق العقاب الصارم لكل من يحاول انتهاك القانون ومنح أطباء الأطفال الصلاحية في التبليغ وتقديم الشكوى عن حالات الأطفال المتضررين والمتعرضين للعنف المنزلي، وبالأخص الانتهاكات الجنسية بواسطة أحد أفراد الأسرة (انتهاك المحارم) وفرض عقوبات صارمة على الممارسات الصحية الضارة من قبل الأطباء كاجهاض الأجنة أو الأخطاء الطبية التي تحدث غالباً أثناء الولادات المتعسرة، وعدم الاستهانة من قبل الأطباء بحالة الطفل النفسية وبالأخص الأعراض المؤشرة على القلق والتوتر والاحباط والاكتئاب لأنها يمكن ان تؤدي في الحالات الشديدة الى الانتحار.
ولفتت الدراسة الى ان الاكثار من المرضيات الطبية دليل على معاناة الطفل من اضطرابات قد تكون نفسية (خوف أو التعرض للضرب الجسدي أو تهديد أو اساءة أو تحرشات جنسية أو حتى اغتصاب بواسطة الطلاب الأكبر سناًّ أو بواسطة أحد عمالة النظافة في المدرسة) أو اجتماعية (عدم القدرة على التفاعل الاجتماعي مع أقرانه في المدرسة) أو تربوية (اضطرابات تعلم كاضطرابات القراءة أو الحساب أو التعبير الكتابي)، الأمر الذي يستدعي الانتباه والاكتراث من قبل الأطباء وكذلك ضرورة وضع معايير طبية تشخيصية لكافة أشكال العنف الموجه ضد الأطفال مع تصنيفاته المختلفة، حتى يتسنى للطبيب المعالج من معرفة الاساءة المقصودة عن الاساءة غير المقصودة وضرورة تقديم الحماية السريعة والعلاج بالسرعة القصوى للأطفال المتعرضين للانتهاكات الجنسية من قبل الكبار.
وشددت الدراسة على ضرورة قيام مؤسسات أو مراكز للايواء أو ملاجئ حماية لهؤلاء الأطفال المتضررين من جراء العنف المنزلي الواقع عليهم لاحتضانهم واحتوائهم وتطبيق البرامج العلاجية عليهم لمساعدتهم على النهوض مرة أخرى للحياة واعادة تأهيلهم للاندماج في المجتمع وكذلك ضرورة وضع البرامج التأهيلية من قبل المختصين في الجوانب الاجتماعية والنفسية والطبية وتطبيقها على الوالدين أو على احداهما، من مسببي الأذى حتى يساعدهما على العلاج وعلى تنشئة أبنائهم بطريقة صحيحة وتوفير أنشطة وبرامج اجتماعية وثقافية كافية في المجتمع وكذلك توفير نوادٍ للأطفال لكي تشبع حاجاتهم المختلفة وتنمي قدراتهم وامكاناتهم العقلية والجسمية والحركية، وتمكنهم من اطلاق طاقاتهم وتحرير مواهبهم وابراز ابداعاتهم وابتكاراتهم مع ضرورة انشاء صندوق وطني اجتماعي للطفولة يعمل على حماية وتنمية الطفولة ويحل مشاكلها ويدعم مستقبلها بالاضافة الى تقديم العون المادي والمعنوي للمؤسسات الاجتماعية التي تقدم الرعاية والحماية للطفل.
وبينت الدراسة أن الحماية القانونية تكون عبر التصدي للأفراد من ممارسي جرائم بيع الأطفال في بعض الدول العربية، والناتجة عن التأثير المنخفض للعوامل الاقتصادية بالاضافة الى وضع الأطر القانونية التي تمنع من اجبار الأطفال على العمل في سن مبكرة لأسباب اقتصادية مما يهدر طفولتهم، وسن التشريعات لايقاف أي نوع من أنواع سوء المعاملة التي يتعرض لها الطفل حتى لو كان هذا الأذى صادراً من أقرب الناس اليه أي من والديه ووضع القوانين والحزم في تطبيقها وذلك بالقبض على الأطفال المتسولين في الشوارع ومنعهم من بيع بعض المنتجات كالمناديل والمناشف والكتيبات الدينية (والتي غالباً ما تحوى أدعية السفر، أو النصائح المتعلقة بالدين أو سور قصيرة من القرآن الكريم) وكذلك بيع المياه المعدنية وأقراص الحاسب الآلي والتي تحتوي على الأفلام العربية والأجنبية (والتي قد يكون بعضها منافياً للآداب والقيم والدين والأخلاق)، حيث يتم بيعها في الأغلب من آخر النهار الى ساعات متأخرة ليلاً، وغالباً ما يقوم ببيعها الأطفال ما بين التاسعة أو العاشرة والخامسة عشرة أو السادسة عشرة.
كما يجب توعية أعضاء الشرطة بكيفية القبض على هؤلاء الفئة من الأطفال وعدم معاقبتهم أو اهانتهم لفظياًّ أو جسدياًّ أو حتى جنسياًّ بل فرض عقوبات صارمة على ذويهم الذين سمحوا لهم بممارسة هذا النوع من البيع وتعرض أنفسهم للخطر والاساءة من الغير، كذلك تطبيق الشريعة الاسلامية بالاعدام على كل من يعتدي بالاغتصاب حتى يكون رادعاً لغيره، اضف الى ذلك سن القوانين ذات العلاقة بالأطفال المعاقين، بحيث تحميهم وتحافظ عليهم من كل من يحاول استغلالهم جسدياًّ أو جنسياًّ.
وفرض الرقابة المستمرة، اضافةً الى سن القوانين المباشرة والفعالة على أصحاب المتاجر والمحلات التجارية التي تقوم ببيع أقراص الألعاب الالكترونية التي تحوي غالباً ألعاب عنيفة وأشكال لشخصيات شبه عارية.
وانتهت الدراسة الى انه من الضرورة القصوى دراسة واقع حماية الطفل في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية، والصحية، والاقتصادية، والتشريعية، والسياسية، والاعلامية، والعمل على تغييره وتطويره وتوعية المجتمع وتعديل الاتجاهات والقيم السائدة حول مفهوم الحماية، وكذلك العمل على تحسين وتطوير سبل واجراءات الحماية المتعلقة بالطفل في مجالات الحياة المختلفة، لضمان تيسير تطبيقها، والاستفادة منها والتعاون والتنسيق مع المنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة بالحماية في داخل المجتمع الكويتي وخارجه. [/B]