الكاتب : د. موسى شرف الدين
لا يزال الأشخاص المعاقون حول العالم يواجهون صعوبات وعوائق جدية تحول دون حصولهم على الخدمات العامة الرئيسية في الطب والتربية والتعليم والمعرفة مما يحد من حصولهم على فرص في سوق العمل وبالتالي العيش بإستقلالية. ومع تزايد دور تكنولوجيا المعرفة والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات في كل مجالات حياتنا فقد غدت هذه التكنولوجياً عاملا أساسيا في التحول ومكونا رئيسيا في أية عملية تطور وتعزيز وإطار تنموي دامج للشخصية.
وقد تم إنتاج التقرير بعد دراسات إستشارية معمقة من ذوي الخبرة امتدت من 20 مايو وحتى 17 يونيو / حزيران في سياق إجتماع عالي المستوى حول الإعاقة والتنمية والذي هدف إلى إستكمال ما سبق من أعمال حول تكنولوجيا المعلومات والإتصالات كونها مُمًكِنة في دمج الأشخاص المعوقين إفتصاديا وإجتماعيا وذلك بالكشف أكثر عن دور تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في إنجاز أجندة التنمية الدامجة للإعاقة.
وحين تصبح تكنولوجيا المعلومات والإتصالات متوفرة وميسرة وسهلة المنال بإمكانها وبشكل فعال تسهيل إندماج الأشخاص المعوقين في المجتمع على كافة الأصعدة. فخدمات الشبكة العنكبوتية (والتجهيزات المساعدة لإستعمالها وتيسييرها) وبرأي الخبراء هي تلك التكنولوجيا الميسرة التي تؤدي بفعالية إلى النهوض بعمليات دمج الأشخاص المعوقين. يلي ذلك بشكل مباشر تطور الأجهزة المنقولة (المحمولة) وخدماتها وبالإضافة إلى كونها الأحدث في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، فقد شكلت المساهمة الثانية الأكثر قيمة لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات خلال الإستشارات. وبالأخص إستعمال الهواتف المحمولة التي تعتبر جوهرية في فعاليتها في تأمين الحياة بإستقلالية للأشخاص المعوقين. والتلفاز هو الإنجاز الثالث لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات في إمكانيات إستعماله للوصول إلى التعرف على الخدمات الحكومية والمعلومات والأخبار.
وبالرغم من هذه التحولات الملفتة، يجب تناول التحديات المفصلية الأخرى التي يمكن للأشخاص المعوقين التغلب عليها بفضل تكنولوجيا المعلومات والإتصالات.
هناك بعض العوائق المتداخلة تؤثر بدورها على مجمل نواحي التنمية الإقتصادية والإجتماعية. فقد صرح الخبراء الذين تمت إستشارتهم أن كلفة التكنولوجيا المساعدة والتي تتكون من كلفة التكنولوجيا بحد ذاتها وكلفة خدمات الدعم والتدريب والتقويم تشكل أحد أهم الموانع التي تحول دون حصول الأشخاص المعوقين على خدمات العناية الصحية والإستفادة من الإمكانات التربوية والتعليمية على كافة المستويات والتي تخولهم المنافسة في سوق العمل وبالتالي العيش بإستقلالية.
وهناك عائق آخر وهو فقدان الولوجية (يسرة الإستعمال) (ت ـ م إ). وتبقى هذه الصعوبة حائلا جديا وتظهر جليا في كافة مجالات التنمية. كما أن تلك الولوجية ميسرة في جزء يسير من آلاف اللغات المحكية والمنتشرة والمعمول بها حول العالم. وهناك تحد آخر ويتمثل بإستهداف هذه الإشكالية بفعالية. والدليل الساطع على ديمومة ذلك هو في فقدان السياسات التي تتبنى نشر وتوفير تكنولوجيا المعلومات والإتصالات الميسرة، وعدم تطبيق القرارات المتخذة بهذا الشأن، إذا ما تمت ملاحظتها. إضافة إلى ذلك فقلة من الدول الأعضاء في الإتفاقية الدولية حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قد قامت بترجمة إجراءات البند التاسع من هذه الإتفاقية في إطار تشريعاتها. وفي كثير من الأحيان يجري وضعها في نصوص القوانين ولكن دون ملاحظة الإجراءات القانونية المرافقة أو ما اصطلح على تسميته (المراسيم التطبيقية) التي تضمن فعالية وإنسيابية تطبيق تلك التشريعات. وأخيرا فقدان ومحدودية إستثمار تكنولوجيا المعلومات والإتصالات بشكل عام يحول دون إستعمالها في التطرق إلى التحديات النمائية. وإستهداف هذه الأمور يجب أن يكون عبر تكاتف الجهود لكل من له دور رئيسي في كل مجال، كما يتحتم إستحداث سياسات وإستراتيجيات شاملة ومتكاملة لكل القطاعات والمجالات التي من شأنها أن تحدث فعالية قصوي في رصد توظيفات لتحسين الحصول وتيسير تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في كل من القطاعات والمجالات بتكامل.
وقد طُلب من المستشارين الذين أعدوا التقرير طرح أنشطة ملموسة كمهمات محددة على كُلٍ من مجموعات أصحاب الشأن (الذين لهم دور في العملية) مصحوبة بمعايير الرصد وتقويم التقدم. وتبين من التوصيات المُجمًعة أن بإمكان الحكومات أن تلعب الدور الرئيسي في تحفيز الحلول الإلكترونية المُمًكِنة والمُكيًفة لحاجات الأشخاص المعوقين وتزيد في وفرة تجهيزات تكنولوجيا المعلومات والإتصالات الميسرة من خلال إدراج متطلبات التسهيلات الإلكترونية في متن السياسات الإجتماعية كما من خلال مراجعة التشريعات بشأن الأشخاص المعوقين لتشمل ملاحظة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في نطاق سبل التيسير وإزالة العوائق وتخطي الموانع للوصول.
وللقطاع الخاص دور في هذا المجال وفي جهود زيادة الأبحاث والتنمية وفي تبني مبادىء الولوجية الشاملة في أبكر فرصة ممكنة وتوظيف الأشخاص المعوقين في مواقع الإنتاج في سياق النجاح في توفير يسرة تكنولوجيا المعلومات والإتصالات. وبرزت كذلك أولوية أخرى للقطاع الخاص وذلك لضرور إسهامه في إستهداف تغطية النقص في الاختصاصيين في مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصالات وفي المهارات االتيسيرية (جمعيات المتخصصين؛ المدربين) والتدريب من خلال العمل – داخل مجالات العمل – والتجمعات الصناعية والمطبوعات والمنشورات.
وأخيرا وليس آخرا إزالة العوائق المتمثلة بالمواقف إزاء الأشخاص المعوقين التي تحول دون توظيف الأشخاص المعوقين وتأهيل مواقع العمل. ومن خلال تلك الإسهامات يقدم أرباب العمل خدمة جليلة للمجتمع المحيط مما يتيح للأشخاص المعوقين التوظيف والحياة بإستقلالية. وبإمكان منظمات المعايير الدولية لعب دور في تمكين تطوير أجندة دامجة للأشخاص المعوقين وذلك بتوفير أرضية من شأنها مواءمة المعايير الدولية وتقديم التوصيات المتعلقة بالولوجية إلى تكنولوجيا المعلومات والإتصالات. وللوصول إلى ذلك على لجان المعايير النمائية الحرص على إشراك الخبراء والمعنيين من الأشخاص المعوقين في أعمالهم. وبالتالي بإمكان هذه المنظمات المساهمة في النهوض بإبحاث مركزة وهادفة إلى تطوير حلول ممكنة إزاء تكنولوجيا المعلومات والإتصالات للأشخاص المعوقين.
وأخيرا تتحمل منظمات المعايير الدولية مسؤولية رفع الوعي عند أصحاب القرارات السياسية نحو إستهداف العوائق التي تحول دون الولوجية.
إضافة إلى هذه الخبرات والتحديات والتوصيات التي جمعت والتي يمكن أن تظهر بعد إنخراط الأشخاص المعوقين في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات العديد من التحديات والعوائق المستجدة الباقية والتي يتوجب تخطيها بإستحداث خارطة طريق للعمل، ويدعو التقرير هذا كافة أصحاب الأدوار إلى الإعتراف بدور تكنولوجيا المعلومات والإتصالات كونها مُمَكِنة رئيسية في أجندة التنمية الدولية الدامجة.
المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع