نال مجال الإعاقة والأشخاص من ذوي الإعاقة اهتماماً بالغاً في السنوات الأخيرة سواء من ناحية الدراسة العلمية أو التقدم التكنولوجي. ويرجع هذا الاهتمام من ناحية إلى الإقتناع المتزايد في المجتمعات المختلفة بأن الأشخاص من ذوي الإعاقة كغيرهم من أفراد المجتمع لهم الحق في الحياة وفي النمو بأقصى ما تمكنهم منه قدراتهم وطاقاتهم.
ومن ناحية أخرى، فإن اهتمام المجتمعات بفئات الأشخاص ذوي الإعاقة يرتبط بتغير النظرة المجتمعية إلى هؤلاء الأفراد، والتحول من اعتبارهم عالة اقتصادية على مجتمعاتهم إلى النظر إليهم كجزء من الثروة البشرية مما يحتم تنمية هذه الثروة والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن.
إن هذه الفئة الخاصة تمثل جزءاً عزيزاً من بنية المجتمع له الحق في أن يعيش بكرامة وبأمل كبير في المستقبل ولا يستطيع أن يكمل مسيرة الحياة إلا بقدر ما نيسره له من خدمات، وما نمهده له من طرق العيش الكريم ليعيش من صنع يده.
ولكي يستطيع الشخص ذو الإعاقة أن يندمج في المجتمع ويتعايش معه ويستثمر طاقاته الدفينة فإنه يتطلب منا توفير بيئة صحية، اجتماعية، ثقافية ومادية مناسبة، بحيث يمكنها استيعاب الأشخاص المعاقين وغير المعاقين على حد سواء والتفاعل معهم بصورة ايجابية لتلبية احتياجاتهم الوظيفية والنفسية. وهنا يظهر دور المعماري المبدع الذي يفرض عليه المجتمع المعاصر خلق بيئة مشيدة تعمل على إزالة وتدمير العوائق المادية، كما تعمل على خلق فراغات وأنساق وعناصر معمارية مناسبة لتلبية احتياجات الأشخاص المعاقين وغير المعاقين على حد سواء وتؤدي لسهولة وديناميكية الحياة اليومية لكل منهم.
إن الاحتياجات والمتطلبات الخاصة لهذه الفئة من المجتمع بمختلف أعمارها وإعاقاتها، للتمكن من التعايش والاندماج داخل المجتمع، تتطلب ظهور نوعية خاصة من التصميم يعرف بالتصميم بلا عوائق، ويستخدم مصطلح التصميم بلا عوائق لتعريف مدى امكانية عناصر البيئة المادية من تسهيل ومرونة حركة الأشخاص ذوي الإعاقة سواء كانوا من ذوي الإعاقة الحركية أو الحسية أو العقلية.
وقد تم استخدام هذا المصطلح في بادىء الأمر لتوصيف الأبنية والعناصر التي تخدم مستخدمي الكراسي المتحركة. ثم انتشر المصطلح ليشمل المعايير التصميمية للأبنية الخاصة بذوي الإعاقات الوظيفية بشكل عام. إن المعنى الشمولي للتصميم بلا عوائق هو كل تصميم يعمل على رفع كفاءة أداء الأنشطة اليومية الأساسية بحيث تنجز بصورة أفضل وأيسر وأأمن لأكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع.
وقد ظهر اتجاه التصميم بلا عوائق بعد الحرب العالمية الثانية كنتيجة لإصابة الكثيرين بمختلف أنواع الإعاقات، إلا أن هذا الاتجاه انتشر ببطء في فترة عمارة ما بعد الحرب، حيث سيطر في هذه الفترة اتجاه جديد يعمل على الحرية وعدم التقيد في التصميم كنتاج للثورة التكنولوجية الكبيرة لنظم الإنشاء ومواد البناء. وقد تولدت هذه الثورة للتمكن من سرعة إنشاء وتشييد المباني التي دمرت وخربت أثناء الحرب. إلا أن سيطرة التكنولوجيا الحديثة على تصميم وإنشاء المباني دون مراعاة احتياجات المستعملين، معاقين أم غير معاقين، أدى إلى ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية والمادية الجسيمة، مما أعطى الفرصة لاتجاه التصميم بلا عوائق للظهور مرة أخرى على الساحة العالمية مع بداية الستينات.
إن التصميم بلا عوائق هو من أحد أهم الاشكاليات التي حظيت بالاهتمام العالمي، وقد قامت العديد من الحكومات في مختلف دول العالم بسن القوانين والتشريعات التي تخدم هذه الفئة من المجتمع وتضمن لها حياة كريمة. ومع نهاية القرن العشرين فإننا نجد أن العديد من الدول المتقدمة قد أخذت خطوات ايجابية نحو التصميم بلا عوائق. فنجد على سبيل المثال انجلترا التي قامت بتعديل الحمامات وغرف الراحة في معظم مبانيها العامة؛ القديمة منها والحديثة، بحيث تلبي احتياجات الأشخاص المعاقين وغير المعاقين، وراعت سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية في تصميم مصانعها المتطلبات الخاصة بهذه الفئة من المجتمع التي تعامل كعناصر بشرية منتجة. كما عملت العديد من الدول على سن وتشريع القوانين والأكواد الدولية والمحلية الخاصة بتصميم المباني العامة والخاصة بالأشخاص من ذوي الإعاقة.
وقد قامت مصر قبيل انقضاء القرن العشرين وعلى مشارف القرن الواحد والعشرين، من خلال مجموعة العمل بمؤتمر الأنتربيلد، بإخراج مشروع للكود المصري لتصميم الأبنية العامة والخاصة للأشخاص من ذوي الإعاقة، كي تضع نفسها بهذا العمل على الخريطة العالمية للدول الراعية لتصميم بيئة بلا عوائق.
إن خواص ومقومات التصميم بلا عوائق تعمل على خدمة مجال واسع من الأشخاص ذوي الإعاقات الوظيفية بمختلف الأبنية الخاصة، فنجد ـ على سبيل المثال ـ أن الإضاءة الجيدة تساعد ضعاف البصر وذوي الإعاقات السمعية على مراقبة حركة الشفاه ومختلف أجزاء الجسم بوضوح ويسر. كما أن خلق بيئة صوتية جيدة يساعد ضعاف البصر وضعاف السمع على تحديد الاتجاهات وتفهم المواقف، ويمكن وضع الدواليب والأرفف على ارتفاع مناسب بحيث تناسب مستخدمي الكراسي المتحركة والمسنين والأطفال في آن واحد. أما الأبواب ذات العرض الواسع وغير الدوارة فتلعب دوراً هاماً في تسهيل حركة مستخدمي العصا والعكاكيز والأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية والعقلية.
وهكذا نجد أنه من الواضح أن خواص التصميم بلا عوائق تعمل على تسهيل أداء الأنشطة التي يقوم بها الأشخاص من ذوي الإعاقة وتؤدي لتولد الشعور بالراحة والرضا عن النفس. كما يعمل التصميم بلا عوائق على خلق بيئة آمنة توفر الأمن والأمان الوظيفي والنفسي للمجتمع. وعلى سبيل المثال فإنه من الممكن خفض معدلات التزحلق والسقوط والإصابة من خلال الإقلال من استخدام المعوقات الرأسية، والقيام باستخدام عناصر حفظ الاتزان كالكوبستات الجانبية والرأسية، إلى جانب استخدام مواد غير قابلة للانزلاق في تشطيب الأرضيات. كما أن استخدام مواد ذات ألوان وخامات مختلفة في تشطيب أرضيات ممرات المشاة بالفراغات الخارجية والشوارع، يعمل على جذب انتباه ضعاف البصر والأشخاص من ذوي الإعاقة العقلية وخفض احتمالات إصابتهم.
إن التصميم بلا عوائق يرفع من تكلفة إنشاء المباني، إلا أن هذه النسبة التي تختلف طبقاً لاختلاف نوع المنشأ تعتبر إلى حد ما منخفضة، حيث أثبتت الدراسات الميدانية التي أجريت بالولايات المتحدة الأمريكية، أن التصميم بلا عوائق يزيد من تكلفة المبنى بنسبة تتراوح بين (0.1%) و(0.05%) من اجمالي التكلفة، وتعتمد هذه النسبة على مقدار ونوعية العناصر المستخدمة في التصميم لخلق بيئة بلا عوائق. وتعتبر تكلفة التصميم بلا عوائق منخفضة بصفة خاصة في الفراغات العامة مثل المداخل والكوريدورات والمطاعم وغرف الاجتماعات، حيث أن تكلفة إنشاء هذه الفراغات وتجهيزها بالمعدات اللازمة والفرش المناسب تعتبر مرتفعة إلى حد كبير، مما يجعل تكلفة التجهيزات الخاصة بالأشخاص من ذوي الإعاقة منخفضة بصورة نسبية لباقي التكلفة. كما أدى الاتجاه العالمي الحديث نحو زيادة معدلات توحيد قياسات المنتجات التي تخدم الأشخاص من ذوي الإعاقة إلى خفض التكلفة العامة بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة.
ورغم كل هذه الجهود الكبيرة التي تبذل لرفع كفاءة أداء المباني لخدمة الأشخاص من ذوي الإعاقة، إلا أن أكواد إنشاء المباني بمختلف دول العالم لا زال يتطلب معدلات أعلى كفاءة للتصميم بلا عوائق، كما أن عدم وجود جهات مسؤولة للإشراف على تطبيق وتنفيذ هذه المعدلات والأكواد في بعض دول العالم كما هو الحال في مصر، يؤدي لعدم تلبية احتياجات ومتطلبات هذه الفئة الخاصة من المجتمع بالصورة المرجوة.
ولتوفير بيئة مناسبة بلا عوائق ذات تكلفة اقتصادية منخفضة، فلابد من دمج مقومات التصميم بلا عوائق في مرحلة التصميم الأولى.
إن مقومات هذا النوع الخاص من التصميم يمكن تطبيقها بمختلف الفراغات والأنساق والعناصر المعمارية، حيث من الممكن ادماجها بالأسس التصميمية للفراغات الداخلية والخدمية التي تشتمل على فراغات المعيشة والنوم وتناول الطعام، وفراغات العمل، والحمامات ودورات المياه، وردهات الدخول، وغيرها. كما يمكن ادماجها بالأسس التصميمية للفراغات الخارجية والتي تشتمل على ممرات المشاة والشوارع ومواقف السيارات وغيرها. كما تظهر بمختلف العناصر المعمارية مثل الأرضيات والحوائط والمنحدرات والمصاعد والسلالم وغيرها.
ولذا فإنه من الضروري ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين العمل على سن المزيد من القوانين والتشريعات والأكواد التصميمية للفراغات والأبنية الخاصة والعامة للأشخاص من ذوي الإعاقة. كما أنه من الضروري إبرام وتحديد جهات خاصة مسؤولة عن مراقبة العملية التنفيذية لهذه الأكواد والتشريعات، حيث أن هذه العملية التنفيذية تعتبر الجزء التكميلي اللازم لخلق بيئة مادية مناسبة تضمن للمعوق ممارسة حياته بصورة كريمة وآمنة.