0 تعليق
903 المشاهدات

هلين كلير أعجزها المرض فأصبحت معجزة عصرها



عندما تقول الإرادة كلمتها

عندما يُغلق باب السعادة، يُفتح آخر، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلا إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التي فُتحت لنا ”

غالبا ما تعتبر الظروف البيئية والاجتماعية والصحية مؤثرات يترتب عليها حاضر الأفراد ومستقبلهم، وتفضي إلى فوارق واختلافات بينهم على جميع الأصعدة، غير أن الإرادة البشرية بإمكانها قلب كل الموازين، وتحقيق ما وضعته المعطيات في خانة المستحيل، وهذا ما حدث مع الناشطة والأديبة الأمريكية هيلين كلير الملقبة  بمعجزة الإنسانية.

ولدت هيلين بولاية آلامبا الأمريكية  سنة 1880، و قبل أن تبلغ العامين من عمرها فقدت سمعها وبصرها وقدرتها على النطق؛ إثر مرض اِلتهاب السحايا والحمى القرمزية، وكانت طباخة العائلة مارتا واشنطن هي أول من لقّنها لغة الإشارة، وأصبحت همزة وصل بينها وبين الآخرين، وعندما بلغت هيلين السابعة من عمرها، قرر والدها تعليمها، فوجهه معلم الأطفال الصمّ ألكسندر جراهم بل إلى معهد بركينس لفاقدي البصر، فالتقى بالمعلمة آن سوليفان .

بدأت هيلين مشوار تعليمها مع معلمتها آن سوليفان في رحلة استمرت 49 سنة، حيث عملت هذه الأخيرة وبمجرد وصولها إلى بيت تلميذتها على تغيير نمط معيشتها؛ انطلاقا من تغيير معاملة عائلتها لها ومحاولة التقليل من الحنان المبالغ الذي كانت والدتها تحفها به، ثم بدأت تعلمها اللغة، ورغم تمرّد الطفلة، إلا أنها كانت مصرة وصارمة على مواصلة تعليمها لها، واستطاعت ترويضها وإيجاد طريقة مناسبة للتعامل معها، فبدأت تلقينها الحروف الهجائية باللمس داخل كف اليد، فكان سكب الماء على يدها يدل عن الماء وهكذا بدأت التعلم ومعرفة الأشياء الأخرى الموجودة حولها ومن بينها لعبتها الثمينة. و بعد مرور عام تعلمت هيلين تسعمائة كلمة، واستطاعت كذلك دراسة الجغرافيا بواسطة خرائط صنعت على أرض الحديقة، كما درست علم النبات. إلى أن تمكنت من القراءة بطريقة المكفوفين، كما أجادت الطباعة على الآلة الراقنة المصممة بحروف برايل .

وفي سنة 1891 سمعت هيلين بقصة رانجهيلد كاتا؛ وهي فتاة نرويجية استطاعت تعلم الكلام رغم أنها كانت صماء وبكماء، فطلبت من معلمتها تعليمها الكلام، فبدأت معها آن مستعينة بمنهج تادوما عن طريق لمس شفاه الاخرين وحناجرهم عند الحديث وطباعة الحرف على كفها. وفي ظرف سنوات قليلة أصبحت بارعة في القراءة بطريقة برايل.

وبعد هذه المرحلة المتقدمة في تعليم هيلين أخذتها معلمتها آن إلى معلمة قديرة تدعى (سارة فولر) تعمل رئيسة لمعهد (هوارس مان) للصم في بوسطن، لتستأنف معها تحدّي تعلم الكلام،  وبدأت المعلمة الجديدة مهمة تعليمها بوضعها يديها على فمها أثناء حديثها لتحس بدقة طريقة تأليف الكلمات بالسان والشفتين ، في البداية كانت الأصوات التي تصدرها هيلين غير مفهومة فبذلت قصارى جهدها من أجل تحسين نطقها معتمدة على التكرار دون كلل أو ملل، وهي الإرادة الإعجازية التي جعلتها معجزة في تاريخ البشرية؛ بعد أن أصبحت تتكلم بوضوح، وتكتب بخط جميل ومفهوم.
التحقت بمعهد كامبردج للفتيات وهي ابنة 16 ربيعا، ودرست تخصص النحو و الآداب في اللغة الانجليزية، كما درست عدة لغات أخرى الالمانية والفرنسية واللاتينية و اليونانية، ورافقتها معلمتها آن التي كانت تلازمها وتساعدها في نقل الدروس حتى حصلت على شهادة بالكالوريوس في العلوم سنة 1904، ودفعها شغف التعلم إلى دراسة تخصصات أخرى بكلية رادكليف، فحازت منها على شهادة الدكتوراه في العلوم والفلسفة .

وبعد تخرّجها انهالت عليها الطلبات من مختلف الجامعات والصحف والمجلات، عارضين عليها العمل والكتابة؛ لكن الثمار لا تسقط بعيدا عن شجرتها، فقد قررت العمل لصالح المكفوفين، وكرست حياتها لتعليمهم ومساعدتهم، كما أثرت حياتها بممارسة هواياتها المختلفة مثل الطرز والخياطة والمطالعة والسباحة والغوص. ثم قررت أن تنفتح على العالم فانطلقت في رحلة دعائية عبر العالم لصالح المعاقين، وجابت العديد من البلدان وكانت تزور الجرحى والمصابين، واِلتقت بشخصيات سياسية وأدبية وعلمية واجتماعية معروفة، وحظيت باستقبالات رسمية وجماهيرية مميزة بالإضافة إلى حصولها على الدعم المادي والمعنوي و العديد من التكريمات والأوسمة الفخرية و كانت تقول لمعجبيها :
” إني أستطيع أن انتقل وأنا عمياء وصماء وأنا سعيدة لأني أصبحت أقرأ أعمال الله التي كتبها بحروف بارزة لي، فدائما عجائبه ومحبته تشملني. ”

تعددت نشاطتها فكانت كاتبة ومدافعة عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، ومتحدثة باسمهم كما كانت تنادي بالسلام وحقوق المرأة وعارضت الفكر الاشتراكي الرادكالي. وعلى صعيد آخر قامت بتأسيس منظمة هيلين كيلر الدولية (HKI)  بمساعدة من جورج كيسلر وذلك عام 1915، حيث كرست هذه المنظمة لأبحاث المتعلقة بحاسة البصر والصحة والتغذية، كما ساهمت  في تأسيس الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية ACLU سنة 1920.

ألّفت هيلين العديد من الكتب أشهرها : العالم الذي أعيش فيه، أغنية الجدار الحجري، الخروج من الظلام، الحب والسلام، وهيلن كيلر في أسكتلندا بالإضافة إلى كتاب شهير أهدته إلى رفيقة دربها ومعلمتها آن سوليفان، وترجمت كتبها إلى خمسين لغة.قبل أن تفارق الحياة سنة 1968 م.

المصدر: أماني أريس/ جريدة الشروق اليومي .

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3777 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4154 0
خالد العرافة
2017/07/05 4694 0