الكاتب : د. محمد خالد الطحان من كتاب مبادئ الصحة النفسية
عندما يواجه الفرد الهم أو الإحباط أوالصراع أوالحرمان فإنه يحاول أن يخفف القلق الناجم عن هذه المعاناة باستخدام ميكانيزمات الأمان وهي نوع من الحيل الدفاعية التي ترمي إلى تخفيف القلق من جهة والحفاظ على اعتبار الذات من جهة أخرى، لكن هذه الحيل الدفاعية قد لا تحقق الهدف عند بعض الأفراد لذلك تشتد الضغوط على الأنا أو الذات فتضعف إلى درجة كبيرة بحيث يبدأ الفرد بإدراك نفسه وما حوله بصورة مشوشة ومشوهة مما يؤثر في تكيفه الشخصي والاجتماعي وهذا يجعله يبدو في نظر الآخرين شخصاً لديه اضطرابات نفسية.
بكلمة أخرى نستطيع أن نقول إن الاضطرابات النفسية تنشأ عندما يصل الفرد إلى مستوى من المعاناة والقلق تصبح فيه حياته العقلية رهينة الضغوط الانفعالية لذلك يبدي الفرد أنواعاً من السلوك تتسم بأنها ليست ذات هدف نافع من وجهة نظر الآخرين كما أنها بعيدة عن العقلانية والمنطق وهما العلامتان الرئيسيتان للسلوك الذي ينبئ عن اضطراب في الشخصية، لأن سلوك الفرد السليم يكون ذا هدف محدد أي أنه يتسم بالغرضية ويخدم دافعاً معيناً كما أنه يتسم بالعقلانية أي أنه منطقي ويخضع لقواعد السببية.
فمثلاً: عندما يبادر الفرد إلى الخوف من النار التي شبت في حانوت مجاور فإن هذا السلوك غرضي حيث يهدف إلى الابتعاد عن مصدر الخطر لحماية النفس من الحريق وهو سلوك منطقي لأن النار مصدر خطر حقيقي وتشكل تهديداً للفرد لذلك يتفق هذا السلوك مع مقتضيات العقلانية، أما الفرد الذي يغسل يديه عشرات المرات في اليوم الواحد دون أسباب واضحة فإن هذا السلوك لا يخدم غرضاً محدداً كما أنه يتسم باللامنطقية وكذلك الحال بالنسبة للذي يخاف من الحشرات خوفاً مرضياً أو ذلك الذي يدعي أنه يسمع أصواتاً تهدده بالقتل كلما توجه إلى سريره لينام.. إلخ.
هذا الاختلال في إدراك الفرد لسلوكه يترتب عليه اضطراب في شخصية الفرد وعلاقاته مع الآخرين.
المضطرب نفسياً هو الشخص الذي لا يستطيع العيش بسلام مع نفسه أو مع الآخرين، أي أنه يدرك نفسه والآخرين إدراكاً خاطئاً ومن المؤشرات العامة لاضطراب الشخصية: القلق، انشغال البال، اكتئاب النفس، اضطراب في العلاقات مع الآخرين، ضعف في ضبط النفس عند الانفعال، ضعف في تخطيط الأهداف والوصول إليها، صعوبة في التركيز وعدم القدرة على حل المشكلات.
وبوجه عام فإن الوظيفة العقلية تكون أدنى من القدرة العقلية الكامنة عند الفرد حيث نلاحظ أن الفرد يتصرف بغباء وحماقة بالرغم من أنه قد يكون صاحب درجة عالية من الذكاء كما هو الحال عليه في (العصابات)، وإلى جانب هذه الأعراض العامة هناك أعراض خاصة نلاحظها عند بعض الأفراد مثل (تعاطي المخدرات والخمر، الانحراف الخلقي) كما هو الحال في (الشخصية السايكوباتيه)، وفي الاضطرابات الشديدة نلاحظ بعض الهلاوس السمعية والبصرية وأنواعأً من الخداع في الإدراك وعندها يكون الفرد قد بلغ درجة متقدمة من الاضطراب النفسي بحيث أصبح يعاني من اضطرابات في الإدراك والتفكير (الذهانات).
العصاب هو اضطراب وظيفي في الشخصية وليس في الجهاز العصبي، فالشخص العصابي يدرك ما حوله بصورة خاطئة حيث يدرك أن خطراً يتهدده في حين ليس هناك خطر حقيقي ويشير (نورمان تيلينت) إلى أن الدماغ يرسل رسائل خاطئة وقد تكون ردود الفعل عليها بالطبع خاطئة أيضاً.
إن مصطلح (العصابي) يشير إلى الفرد الذي يعاني عدداً من المشكلات النفسية وتبدو عليه أعراض متنوعة يضاف إليها أن العصابي لديه صورة فقيرة جداً عن ذاته حيث يشعر بالدونية وعدم الكفاية ونقص في الثقة بالنفس والاعتماد على الآخرين كما يحتاج إلى الحنان والمحبة واستحسان ما يفعل ويدفع ثمناً غالياً من أجل إشباع هذه الحاجة.
قد يعبر العصابي عن صراعاته الانفعالية الداخلية بمشاعر عدائية حيث أن عجزه عن التعبير عن هذا العداء بصورة عادية يجعله يسرف في التعبير عن ذلك فالبعض يظهر عداء مبالغاً فيه نحو الآخرين في حين أن البعض يعجزون عن ذلك فتظهر لديهم مشاعر الذنب ويصبحون عاجزين عن التعبير عن مشاعرهم ويصابون بحالة من الكف الشديد تتجلى بالخوف والتردد والارتباك في السلوك.
ويعاني العصابي من القلق وهو نوع من الشعور بالتهديد الدائم دون معرفة مصدر التهديد كما يشكو من الكآبة والانقباض أو فقدان الشهية أو العكس بالإضافة إلى معاناته من الأرق وعدم القدرة على تركيز التفكير أو اتخاذ القرار لمواجهة المشكلات والصعوبات التي تصادفه كما يعاني من نقص في القدرة على ضبط انفعالاته بحيث تسهل استثارته وقد يلجأ إلى البكاء.
لا بد من الإشارة إلى أن هذه الأعراض قد تنتاب الشخص غير العصابي بدرجات متفاوتة عندما يمر بحوادث مجهدة مثل فترة الامتحانات، الخصومات العائلية، الشجار مع الاصدقاء، انتظار نتيجة لقبول وظيفة، توقع وصول رسالة هامة.. إلخ.
أنواع العصاب
اضطرابات عضوية تنجم عن الاضطرابات الانفعالية التي يعاني منها الفرد وهي اضطرابات جسمية تصيب الأجهزة التي يعصبها الجهاز العصبي المستقل مثل جهاز الدوران وجهاز الهضم.. إلخ، والجهاز العصبي المستقل ينقسم إلى جهازين: الجهاز السمبتاوي الذي يقوم باستنفار طاقة الجسم في حالة الانفعالات المختلفة والجهاز الباراسمبتاوي الذي يقوم بإعادة التوازن إلى الجسم حيث يعيد الأجهزة المستنفرة إلى حالتها الأولى حفاظاً على الطاقة.
والفرد الذي يفشل في اتخاذ دفاع ناجح ضد القلق فإنه لا بد أن يكون عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية الجسمية وهي ما يسمى بـ (الاضطرابات السايكوسوماتية) وقد يكون سبب الإصابة هنا وراثياً أو نفسياً.
إن أشد أنواع الاضطرابات النفسية هي الذهانات لأنها اضطراب جوهري يشمل الشخصية برمتها حيث ينتاب الفرد تفكك شديد في الشخصية يجعله غير قادر على تحقيق التكيف ومن الصعب على الفرد العادي أن يستطيع إدراك ما يعانيه الشخص الذهاني لأن الأعراض التي يشعر بها مختلفة بصورة جوهرية عن مشاعر الشخص العصابي والتي يمكن للشخص غير العصابي اختبارها لفترة مؤقتة في بعض المواقف الحياتية التي يواجه فيها قلقاً شديداً أو ضغوطاً قاسية.
يمكن للذهاني أن يقوم بسلوك غريب كأن يطلق النار على الآخرين أو يحطم أثاث المنزل أو يخلع ملابسه أمام الآخرين أو في الطريق… إلخ، وأبرز ما يتميز به الذهاني عدم الانتظام في الشخصية وفقدان الاتصال بالواقع مع اضطراب في التفكير والإدراك والانفعالات والسلوك.
ويمثل هذا النموذج الأفراد الذين لديهم بعض الانحرافات الجنسية وهي تتمثل في إشباع الدافع الجنسي بأساليب شاذة منحرفة لا تتفق مع ما تواضع عليه المجتمع إذ أن الزواج هو الطريقة الوحيدة التي أقرتها الشرائع السماوية وهذا ما تقره مختلف المجتمعات المتحضرة، حيث أن كل الأساليب الأخرى التي يلجأ إليها البعض لإشباع دوافعهم الجنسية تعتبر حالات منحرفة تدل على شخصية مضطربة لأنها تناهض القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع ولا تتقيد بالقانون الأخلاقي في المجتمع.
المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع