متلازمة الشلل الدماغي
اعداد :محمد فوزى يوسف
إن مصطلح متلازمة الشلل الدماغي (Cerebral Palsy Syndrome {C.P.S}) مصطلح حديث نسبياً مقارنة بالتسمية الشائعة أو المتعارف عليها والمتداولة بين الناس والأشخاص الذين يتعاملون مع هذه المتلازمة – وهي عبارة أو مصطلح الشلل الدماغي أو الشلل المخي – وهي بشكل عام أي متلازمة الشلل الدماغي مصطلح يطلق للإشارة إلى مجموعة من الأطفال الذين تظهر لديهم مجموعة من الأعراض أو العلامات والاضطرابات في مجال الحركة وعملية التوازن والوضعية الجسمية السليمة والتي غالباً ما تنتج عن إصابة أو تحطم في أحد أجزاء الدماغ البشري خلال المرحلة الجنينية أو الطفولية الأولى والذي يؤثر بدوره في تناغم وتوازن حركة العضلات والحركات الإرادية عند هؤلاء الأطفال وتستمر هذه الأعراض معهم مدى الحياة بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة.
وتعتبر متلازمة الشلل الدماغي من أكثر أسباب الإعاقة الحركية عند الأطفال وتحتاج إلى الكثير من الإمكانيات في علاجها والحد من مشاكلها المصاحبة. وكان هذا الامر معروفاً منذ قديم الزمان حيث كانت هناك حالات كثيرة تشابهت أعراضها مع أعراض متلازمة الشلل الدماغي حيث دلت بعض المنحوتات والتماثيل الفرعونية القديمة أنها لأشخاص كانوا من ذوي متلازمة الشلل الدماغي.
لم تحظ متلازمة الشلل الدماغي بالاهتمام الكافي إلا في القرن التاسع عشر الميلادي عندما قام الطبيب الجراح وليام ليتل (Little) في عام 1843 بوصف الأعراض المصاحبة لمتلازمة الشلل الدماغي وصفا طبيا وذلك من أجل الكشف المبكر عن هذه الحالات وقد حدد هذه الأعراض في كتابه (التشوهات) الذي نشره في عام 1853 وذكر فيه أن التشوهات تعود إلى تأثير عصبي، ثم بدأت متلازمة الشلل الدماغي تعرف بمرض ليتل (Little Disease) آنذاك.
في العام 1897 قام سيجموند فرويد بعمل بحث على 35 طفلاً أشار فيه إلى وجود علاقة بين الأطفال الخدج والإصابة بمتلازمة الشلل الدماغي. أما في العام 1900 فقد بدأ الاهتمام في علاج متلازمة الشلل الدماغي حيث قام الدكتور برنسون بعمل تمارين عضلية لمعالجة ذوي متلازمة الشلل الدماغي. وفي عام 1916 قامت كولبي بتطوير بعض التمارين الجسدية للشلل الدماغي وبعض هذه التمارين ما يزال يستخدم حتى الآن مع بعض التعديل. وكذلك في العام 1937 تم إنشاء أول مركز رئيسي لمعالجة متلازمة الشلل الدماغي وقد أنشأه الدكتور فيلبس. ثم ازداد الاهتمام بالمشلولين دماغياً بعد الحرب العالمية الثانية حيث ظهر علم العلاج الطبيعي كفرع من العلوم الطبية وفي عام 1947 أنشأت الأكاديمية الأمريكية للعناية بمتلازمة الشلل الدماغي. وتوالت الاهتمامات والنظريات حيث ظهرت بوباث في الخمسينيات وفويتا في الستينيات وبيتو في السبعينيات وفي الوقت الحاضر يوجد العديد من المراكز المتخصصة بمعالجة متلازمة الشلل الدماغي.
ومع بداية العام (2000) أي في بداية القرن الواحد والعشرين تعالت الأصوات ليطلق على مجموعة الأعراض هذه اسم (متلازمة الشلل الدماغي) (Cerebral Palsy Syndrome {C.P.S}) وإلغاء التسمية القديمة وذلك لأنها تتكون من جمع مختلف من الأعراض والتي تتنوع بين شخص وآخر ومن النادر أن نجد شخصين لديهما نفس الجمع بين هذه الأعراض.
لقد تعددت المحاولات لوضع تعريف شامل ودقيق لمتلازمة الشلل الدماغي ومن هذه التعريفات المتعددة:
وهناك مجموعة أخرى من التعريفات:
وهناك تعريف آخر شمل معظم التعاريف:
هو متلازمة تستخدم لوصف عدد من الاضطرابات الحركية والأوضاع والقوام الجسمي تتميز بخلل في الحركات الإرادية ناتج عن مشاكل نمائية تحدث قبل أو خلال أو بعد الحمل مؤدية إلى خراب في الجهاز العصبي المركزي قبل عمر الخمس سنوات من حياة الإنسان وهو عبارة عن مصطلح وليس تشخيص للتعريف بالأطفال الذين لديهم هذا الاضطراب غير المتطور في أشكال من التيبس والخزع أو الحركات غير الإرادية (مارك 1998).
ومن جميع التعريفات السابقة خلص الخطيب (1992) إلى أن متلازمة الشلل الدماغي هي:
دلت الدراسات أن متلازمة الشلل الدماغي يمكن حدوثها لدى جميع فئات المجتمع فهي لا تتصل بالعرق أو اللون أو الوضع الاقتصادي فيمكن أن تصيب الغني والفقير الأبيض والأسود.
ومن المعروف أن نسبة انتشار متلازمة الشلل الدماغي متباينة وغير محددة وذلك يعود إلى الاختلاف في التعريف المعمول به وكذلك إلى أدوات التشخيص المتنوعة والمتعددة،.. فمثلاً النسبة في معظم البلدان المتقدمة تتراوح بين 1 إلى 3 بالألف من مجتمع الأطفال، وكذلك تشير الدراسات الحديثة إلى أن نسبة شيوع متلازمة الشلل الدماغي في البلدان النامية قد تصل إلى 5 حالات لكل ألف أو 1:200.
في حين أشارت بعض الدراسات إلى انخفاض نسبة الإصابة بمتلازمة الشلل الدماغي في بعض الدول، وفي دراسات أخرى تشير إلى أنها قد ازدادت أو لم تتغير (أي بقيت النسبة ثابتة).
أما بخصوص الجنس فإنها تصيب الذكور أكثر من الإناث حيث تبلغ النسبة 55% للذكور مقابل 45% للإناث من ذوي متلازمة الشلل الدماغي.
ولكن للأسف لا تتوفر أية دراسات دقيقة في الوطن العربي حول نسبة انتشار الإصابة بمتلازمة الشلل الدماغي في البلدان أو المجتمعات العربية ولكن أشارت نشرات مؤسسة العناية بمتلازمة الشلل الدماغي في المملكة الأردنية الهاشمية إلى أن نسبة انتشار متلازمة الشلل الدماغي في الأردن تبلغ حوالي (7 ) لكل (1000) شخص وهي دراسة محدودة وقديمة. (E 16,20).
وفي دراسة تحليلية حديثة تم نشرها مؤخراً في مجلة علم أعصاب الأطفال الدورية العدد الرابع والصادر بتاريخ (4/11/2006) في الصفحة من 251 إلى 255 حول العلامات السريرية لمتلازمة الشلل الدماغي في الأردن من خلال دراسة تحليلية لما مجموعه (200) طفل وطفلة.
وتتلخص هذه الدراسة التحليلية من خلال تقييم الصفات السريرية لما مجموعه (200) طفل وطفلة لديهم متلازمة الشلل الدماغي في الأردن من مواليد ما بين عامي 1990 و 2005 تمت مقابلتهم في ثلاثة مستشفيات تعليمية في الأردن وهي مدينة الحسين الطبية ومستشفى الأميرة رحمة التعليمي ومستشفى الملك عبد الله الجامعي، حيث تم تجميع البيانات من خلال الفحص السريري ومقابلة الأهل. وقد أشارت نتائج هذه الدراسة إلى أن متلازمة الشلل الدماغي التشنجي شكلت ما نسبته (64.5%) من مجموع الأطفال وكذلك شكلت نسبة الأطفال الذين لديهم متلازمة الشلل الدماغي الرباعي (36%) من مجموع الأطفال حيث كان هذا النوع من أكثر الإصابات شيوعاً، أما متلازمة الشلل الدماغي التخبطي فشكلت ما نسبته (10.5%) بينما كانت نسبة شيوع النوع الخزعي (18%) من مجموع الحالات وكان هذا كله في حالات متلازمة الشلل الدماغي الولادية، أما في حالات متلازمة الشلل الدماغي الناتجة عن نقص الأوكسجين فشكلت في مجموعها (33.5%) من مجموع الأطفال .
كذلك أوضحت الدراسة أن نسبة شيوع الإصابة بالنوبات الصرعية للأطفال الذين لديهم متلازمة الشلل الدماغي والتي شملتهم عينة الدراسة بلغت (56%) وهي من أكثر المشاكل المصاحبة شيوعاً بناءً على ما ظهر في هذه الدراسة.
كذلك لوحظ في هذه الدراسة إلى أن ما نسبته (15.5%) ممن شملتهم العينة أظهرت صورهم الشعاعية بواسطة الرنين المغناطيسي للدماغ أنها كانت طبيعية.
هناك مجموعة من المظاهر التي يمكن ملاحظتها بشكل مبكر والتي قد تحمل دلائل على الإصابة بمتلازمة الشلل الدماغي وبالتالي يمكن الحصول على البرامج والخدمات العلاجية بشكل مبكر مما يقلل من مخاطر العجز في المستقبل ومن أهم هذه العلامات المبكرة:
لم يستطع العلم الجزم بأسباب متلازمة الشلل الدماغي فهناك أكثر من 50% من حالات متلازمة الشلل الدماغي غير معروفة السبب إلا أن أكثر الأسباب احتمالية هي تلك الأسباب المتعلقة بالحمل والولادة. وتقسم الأسباب أو العوامل المؤدية إلى متلازمة الشلل الدماغي:
أسباب بعد الولادة مباشرة:مثل التعرض لليرقان الشديد، الإصابة بالانتانات الجرثومية والفيروسية، الإصابات أثناء الولادة.
هناك 4 أشكال أساسية لمتلازمة الشلل الدماغي تعتمد بشكل أساسي على مكان الإصابة الدماغية:
وينتج هذا النوع عن إصابة الخلايا الدماغية في القشرة المخية وهو من أكثر الأنواع شيوعاً وهذه المنطقة مسؤولة عن التحكم بالحركات والتحكم بوضع الجسم ويوجد من هذا النوع 3 أشكال سريرية وهي:
ويكون هنا الجزء المتأثر أحد أجزاء الجسم الأيمن أو الأيسر وغالباً ما يكون هؤلاء الأطفال قادرين على المشي وذلك بالاعتماد على الجزء السليم.
وينتج هذا النوع عن إصابة عميقة في الدماغ الأوسط في منطقة النوى القاعدية ويتميز بوجود حركات غير إرادية وغير مسيطر عليها ويظهر على 3 أشكال:
ويحدث نتيجة لإصابة المنطقة المسؤولة عن التوازن في الدماغ وهي المخيخ حيث يواجه المصابون صعوبة في التوازن وتناسق الحركات في الأيدي وغالباً ما يسقطون خلال المشي.
حيث تكون الإصابة في أكثر من منطقة دماغية ويصبح هناك خلط بين أكثر من نوع واحد مثل التشنج التخبطي والخزع التشنجي.
وهناك تصنيف آخر لمتلازمة الشلل الدماغي يعتمد على شدة الإصابة، ودرجة العلامات الحاصلة في الاعتماد حيث يقسم إلى:
هناك مجموعة من المشاكل المصاحبة لمتلازمة الشلل الدماغي:
إن علاج متلازمة الشلل الدماغي مسألة معقدة وتحتاج إلى فريق متكامل يتم فيه دمج مجموعة من الخدمات التي قد تغطي احتياجات المعالجة المكثفة والمركبة لمتلازمة الشلل الدماغي:
يتم الاستفادة من خدمات العلاج الطبيعي لذوي متلازمة الشلل الدماغي من خلال طرائق علاجية كثيرة يستخدمها الاختصاصيون في العلاج الطبيعي للعلاج ومن أهم هذه الطرق:
ينبثق أصلها من منحنى التطور العصبي النمائي وتعتمد أساساً على منع الحركات غير المرغوب فيها وتسهيل الحركات المطلوبة، وتتم المعالجة فيها على شكل مراحل متسلسلة من الخبرات الحس حركية وتزداد تعقيداً شيئاً فشيئاً بهدف تعليم الأطفال مهارات حركية جديدة.
وتعرف كذلك بطريقة بيتو وهي منتشرة في البلدان الغنية كونها طريقة مكلفة، تتعامل هذه الطريقة مع الأطفال على أن لديهم مشكلة في التعلم وليس في الحركة، حيث يتم توظيف عدد كبير من الاختصاصيين ويتم علاج الأطفال على شكل مجموعات ويتم التركيز على كافة النواحي النمائية الجسمية والعقلية.
وتسمى بالطريقة الشرقية تعتمد أساسا على الضغط على مناطق معينة في جسم الإنسان تسمى نقاط التحرير أو النقاط الحركية ويتم من خلال الضغط على هذه النقاط حث الطفل على القيام بأهم المراحل الحركية وهي: الزحف والانقلاب، وبواسطة الضغط المنتظم يمكن تحسين قدرة الطفل على الحركة.
ترتكز على تحفيز المستقبلات الذاتية عند الإنسان وتعتمد بشكل أساسي على توظيف الأجزاء القوية والسليمة من أجل تقوية وتحسين أداء الأجزاء الضعيفة حيث تصلح هذه الطريقة لحالات محددة دون غيرها وخصوصاً حالات الشلل النصفي.
تستند هذه الطريقة على العلاج الانعكاسي العضلي وتعرف بطريقة التنميط حيث أن الحركة تعتمد على أنماط معينة من النشاط العضلي وليس على استجابات عضلية فردية، حيث يتم تطوير القدرات الحركية عن طريق تطوير الأنماط الحركية المختلفة.
تعتمد هذه الطريقة على العلاج العصبي الفسيولوجي وتهدف بشكل أساسي إلى زيادة مستوى النشاط العضلي بواسطة الوسائل العلاجية الطبيعية التقليدية مثل: الحرارة والبرودة والمساج وغيرها من الطرق الطبيعية المختلفة.
في بدايات التسعينات من القرن العشرين (1990) بدأت تظهر الأصوات إلى ضرورة العلاج المكثف لأطفال متلازمة الشلل الدماغي من خلال استخدام بدلات علاجية خاصة والكثير من المراجع ترجح تاريخ استخدام هذه البدل الخاصة إلى عهد حرب الفضاء حيث بدأ استخدام هذه البدل في بداية الأمر في روسيا وكان ذلك لمواجهة الآثار السلبية (مثل: ضمور العضلات وهشاشة العظام) والتي عانى منها رواد الفضاء (وذلك بسبب انعدام الجاذبية الأرضية) أثناء رحلاتهم الطويلة في الفضاء الخارجي وكانت هذه البدلة الأصلية والتي تم تطويرها فيما بعد لتستخدم في علاج الأطفال والتي كان يطلق عليها آنذاك اسم (Penguin). وفي العام (1997) بدأ استخدام هذا الأسلوب العلاجي في أمريكا.