استراتيجيات التعامل مع المستويات المختلفة للسلوك الغاضب للطفل التوحدي
د. ياسر بن محمود الفهد
أشار الدكتور فهد بن حمد المغلوث في كتابه (كل ما يهمك معرفته عن اضطراب التوحد – 1425هـ) إلى استراتيجيات التعامل مع المستويات المختلفة للسلوك الغاضب للطفل التوحدي، وذكر أن هناك مجموعة من المراحل التي ينبغي استخدامها للتعامل مع هذا السلوك وهي (الفهد، 1999: 104 ـ 109):
فالطفل أو البالغ من ذوي التوحد قد تكون لديه طريقة فريدة للتعبير عن المستويات المتزايدة من الهياج وقد يكون ذلك عبارة عن أصوات محددة أو كلمات أو أفعال، وهذه الأصوات ممكن أن تتراوح بين الصغيرة الحادة أو أرجحة جسمه وهزهزته أو تكرار مناقشة سابقة حدثت في موقف مشابه ربما قبل سنوات عديدة ماضية.
بمجرد تحديد الإشارات الدالة على الحزن حاول جذب إنتباه الطفل نحو نشاط دوري (روتيني) بديل ويفضل أن يكون الطفل بارعا في مثل ذلك النشاط والأمثلة المفيدة في المنزل كتنظيف الطاولة أو استبدال الملابس والإجراء البسيط هو أن تقول قف لأي سلوك مهما كانت درجة الاهتياج وتبدأ بعض المهام السهلة وإذا استجاب الطفل بطريقة مناسبة أشكره على تقيده بطلبك.
وفي مثل هذه المواقف تجنب كلمة لا لأن مثل هذه الكلمة قد تكون من أكثر التعليقات المغضبة التي تؤدي إلى زيادة الاهتياج ومن المهم أيضا تجنب أي نوع من النقد الشخصي لأن هذا من شأنه أن يزيد الموقف التهابا. الفكرة الصائبة هي ببساطة تحويل اهتمامه نحو مهمة سهلة.
السؤال الذي ربما يطرح نفسه: وماذا نفعل حينما لا تنجح محاولة الالهاء؟ إن المرحلة التالية هي محاولة تشجيع الشخص لكي يهدأ إما عن طريق الاسترخاء أو عن طريق إخماد الاهتياج عبر النشاطات البدنية العنيفة. وهناك عدة أساليب يمكن من خلالها تحقيق الاسترخاء بوصفه الخيار الأول، وقد يساعدنا في ذلك التقهقر الهادىء إلى الملاذ الساكن، وهذا قد يكون غرفة نوم الشخص أو منطقة معزولة هادئة في غرفة الدراسة أو مكان العمل، المهم أن نكون عقدنا النية على ابعاد الشخص بصفة مؤقتة عن الموقف الذي سبب السلوك المهتاج، وينبغي ملاحظة أن تكون المنطقة المعزولة مريحة أو بها أي شيء يعتمد وسيلة استرخاء للطفل.
كما يمكن استخدام أساليب استرخاء خاصة مثل التحكم بالتنفس واستخدام التدليل، وهذه الأساليب يتم استخدامها أولا عندما يكون الشخص من ذوي التوحد هادئا طبيعيا بحيث يكون ملما بالاجراءات وقد يكون من الممكن تشجيع الأشخاص لكي يستخدموا سلوكهم الطقوسي كوسيلة للإلهاء والاسترخاء. وقد أجريت مناقشة مع سيدة لديها اضطراب أسبيرجر وتضمنت المناقشة افتتانها بطقوس الشاي اليابانية، وعندما سئلت لماذا؟ قالت تساعدها على الاسترخاء، واذا لم يكن هناك ملاذا متاحا فإن السير في مشوار خارج المبنى قد يفيد.
وبالمناسبة، فهناك أيضا مزايا واضحة لهذه النشاطات الجسمانية العنيفة لدى توزيعها عبر يوم الشخص. والمدرسة يمكنها أداء نشاطات في القاعة أو قاعة الجمباز، ومكان العمل يمكنه استخدام التقليد الياباني في أداء التمرين البدني الجماعي قبل وخلال جداول العمل، وبالفعل فقد استخدم هذا الأسلوب في منهج مدرسة هيقاشي اليابانية للأطفال من ذوي التوحد في بوسطن، وعندما يجد الشخص فرصة منتظمة لكي يتخلص من احباطه أو اهتياجه فإن مستوى قوة احتماله ستزداد بقدر ملحوظ في الفترة التالية، وكانت تمبل جراندن قد كتبت في سيرتها الذاتية (أداء العمل البدني لطّف من نوباتي العصبية، 89).
في مرات عديدة، يمكن أن تتدهور السيطرة الذاتية للشخص من ذوي التوحد، ثم يتدهور الموقف إلى أن يفرض شخص آخر سيطرته الشفهية على سلوكه، وبعبارة أخرى شخص يضغط الفرامل لإيقاف السلوك غير المرغوب، وفي مثل هذه المواقف يتحتم على المشرف على الموقف أن يفرض سيطرته بأسلوب مقنع ومؤكد باستخدام أمر بسيط وحازم مثل أجلس ويجب ألا يكون هناك غموض في الرسالة، ويجب أن تكون هناك بدائل (سواء أكانت واضحة أو ضمنية، وفي مثل هذه المواقف يفتقد الشخص من ذوي التوحد للرقابة الخارجية ويحتاجها وبالتالي يجب عليك أن تكون صارما للغاية).
في حالة فشل كل الأساليب المذكورة آنفا، وأصبح الشخص من ذوي التوحد جامحا، فعليك أن تتركه وشأنه لأن ذهابك قريبا منه لتهدئته أو كبح جماحه سيعرضك للمخاطر بإيذائك عرضيا أو متعمدا، وهذا الإيذاء للآخرين قد يجعل الشخص من ذوي التوحد أكثر حزنا، وفي مثل هذه المواقف فإن كل ما يمكنك عمله هو أن تحني رأسك للعاصفة وتراقبه عن كثب حتى يهدأ تماما، وعندها قد يكون من الضروري فرض بعض القيود عليه.
وفي أثناء هدوء الشخص هنالك بعض الأعمال التي تزيد الموقف سوءاَ وبالتالي يجب تفاديها. ففي هذه المرحلة فإن أي تعليقات مبهمة أو ساخرة مثل: (آمل أن تكون راضياَ عن نفسك) قد تلّطف مشاعرك ولكنها تربك الشخص من ذوي التوحد، وأي إشارة إلى النتائج مثل: (حسنا لن أعطيك آيس كريم في هذه الليلة) قد تكون مغضبة بنفس القدر السابق، والوقت المناسب لمناقشة النتائج هو الوقت الذي يعود فيه الشخص من ذوي التوحد تماما إلى حالته الطبيعية ويمكنه التعامل مع نتائج سلوكه.