ازدواجية اللغة وآثارها على اضطرابات النطق والكلام
اعداد : الياس طباع
لقد أثبتت البحوث التربوية التجريبية بأن ازدواجية اللغة تعتبر عاملاً أساسياً من عوامل حدوث اللجلجة في النطق والكلام، حيث أن نسبة كبيرة من المصابين بالتهتهة كانوا من مزدوجي اللغة أثناء دراستهم وتحصيلهم حيث أن الطفل بصورة خاصة في حالة ازدواجية اللغة ومنذ سن مبكر لا يفكر بأية لغة ولا يركز على واحدة من اللغات التي يتعلمها مما يؤدي به إلى مشاعر النقص والسلبية تجاه ذاته ومدرسته وتظهر هذه الحالات من اضطرابات الكلام في مرحلة الطفولة المبكرة ولا سيما في العمر من سنتين إلى خمس سنوات وخاصة لدى الأطفال الذين يعيشون في أوساط أسرية واجتماعية تعاني من ازدواجية اللغة إما نتيجة الاضطراب في التركيبة السكانية أو نتيجة وجود الخدم والمربيات الأجنبيات اللواتي يتكلمن لغات مختلفة عن لغة الطفل الأساسية وخاصة أنهن يقضين مع الطفل فترات زمنية طويلة، وفي هذه المرحلة العمرية بالذات فإن المسألة تغدو أكثر تعقيداً سيما وأن الطفل لم يتملك بعد من ناصية اللغة الأساسية.
نتيجة لذلك يوصي علماء النفس اللغوي بعدم تعليم الطفل في هذه المرحلة العمرية أكثر من لغة واحدة وعدم اكسابه لغات أخرى قبل أن يكون قد أتقن لغته الأم وتمكن من التكلم بها بطلاقة وثبتت في ذهنه بشكل جيد حيث أن تعلمه أكثر من لغة في هذه المرحلة سوف يحدث لديه مزيداً من الخلط والارتباك والتشويش والنقص مما يوصله إلى اضطرابات نفسية ونطقية خطيرة حيث أن الصراعات النفسية التي يكابدها الطفل في هذه المرحلة تهدد توازنه العقلي، وينعكس هذا الاختلال في ميكانيزم (آلية) الكلام بشكل أو بآخر، وقد ينعكس على شكل أمراض سيكوسوماتية وسلوكية مختلفة.
ولا تزال الدراسات التربوية والنفسية مستمرة لتحديد العمر الزمني الذي يتمكن فيه الطفل من أن يصبح مزدوج اللغة دون أن يؤثر هذا في لغته الأساسية وتفكيره وتعبيره وشخصيته، ويعتبر اكتساب اللغة الثانية أمراً مختلفاً عن اكتساب اللغة الأولى فهو مرهون من حيث السرعة والاتقان بعوامل عديدة منها:
لابد أن نذكر أن هناك فرقاً واسعاً بين عوامل اكتساب اللغة الأولى واكتساب اللغة الثانية ومنها:
وهكذا نجد أن الطفل أثناء اكتسابه اللغة الأولى أفضل حالاً من الناحية النفسية والفكرية والواقعية بسبب التعزيز والمران وغيرها من العوامل.
عندما يتعلم الطفل لغة ثانية فإنه يتعرض لتداخل مع اللغة الأولى ويظهر هذا التداخل سواء أثناء أدائه اللغوي للغة الثانية أو الأولى، ويسير التداخل من اللغة الأكثر هيمنة إلى اللغة الأقل هيمنة، والتداخل الذي نقصده هنا هو انتقال سلبي لأثر التدريب وهو ظاهرة غير مرغوبة في الأداء اللغوي، وقد يحدث التداخل من لهجة إلى لهجة في اللغة ذاتها، كأن تدخل العامية في الفصحى أو الفصحى في العامية ويدعى هذا تداخلاً داخلياً أما إذا كان التداخل بين لغة وأخرى فيدعى تداخلاً خارجياً، ويشمل التداخل الأشكال التالية:
إذا تعرض الطفل ثنائي اللغة إلى حادث أو إصابة مخية أو حالة نفسية معنية فقد يترتب عليها (حبسة كلامية) للغتين كلتيهما، وبعد مرور هذه الأزمة فإنه قد يستعيد اللغتين بشكل متواز وقد يستعيد واحدة أفضل من الثانية أو قد يستعيد واحدة ولا يستعيد الأخرى. وهناك حالات من الاستعادة الانتقائية أيضاً.
وقد فسر علماء النفس اللغوي هذا على أساس أسبقية التعلم للغة وعلى أساس شيوع اللغة وهيمنتها، وعلى أساس الحالة النفسية للفرد إذ أن استعادتها مرتبطة بحالته النفسية وموقفه من هذه اللغة قبل الحادث أو بعده، وهذه الحالة تؤثر في سرعة الاستعادة للغة.
إضافة إلى فرضية التعرض اللغوي ومدى المعرفة اللغوية حيث أن اللغة الأكثر معرفة وشيوعاً هي التي تكون استعادتها أولاً.
وهكذا نجد أن ازدواجية اللغة تؤثر في اللغات التي يتعلمها الطفل وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، فحين يتكلم لغة تختلف عن لغة أصدقائه أو مدرسته أو يضطر إلى تعلم لغة أجنبية في الوقت الذي لا زال فيه يتعلم لغته الأم، فإن ذلك يربك مهاراته اللغوية ويؤخرها في اللغتين كلتيهما، وقد بينت الدراسات أن تعلم لغتين في آن واحد يحدث تعطيلاً في تقدم الأطفال اللغوي، ويبدو أن تعلم كلمتين لشيء واحد أو لفكرة واحدة ونظامين قواعديين يؤدي إلى التداخل في تفكير الطفل وإلى تعطل كلامه وظهور الاضطرابات الكلامية عنده.
كما أوضحت الدراسات أن الأطفال الذين تتكلم أسرهم أكثر من لغة تكون مفرداتهم أقل من المعدل بالنسبة لأعمارهم وفي اللغتين، ولهذا نجد أن من الضروري أن تتفهم المدارس هذه الحقائق التربوية وأن تستخدم مع الأطفال الصغار اللغة الأم فقط حفاظاً على الشخصية الفردية والهوية القومية.