«لأننا ما لقيناش الحياة حبينا نشوفها فى مكان تانى يمكن نلاقيها لأن واقع حياتنا بيقول إن المعاق يقعد على جنب ولأن أولادنا قرروا ما يقعدوش على جنب ويتعلموا كويس ويكون لهم كيان ووجود فوجدنا الحل وحققوا ذاتهم لما عرفوا إن فى الفن حياة».. هذه الكلمات المعبرة والموجعة هى مقدمة استمعت إليها عندما أسعدنى الحظ وحضرت البروفات النهائية لورشة «فى الفن حياة « الخاصة بفرقة «الشكمجية» وهى فرقة ليست عادية فهى تتكون من 35 عضوا جميعهم من ذوى الاحتياجات الخاصة والحقيقة ما رأيته خلال العرض يدعو للفخر بهؤلاء الأطفال والشباب الذين تحدوا ظروفهم وتحدوا إمكاناتهم البسيطة ولم يستسلموا.
والفضل فى تكوين الفرقة يعود أيضا إلى «أميرة شوقى» هذه السيدة المكافحة التى جعلتها الظروف تشعر بمشاعر أمهات هؤلاء الأطفال بعد أن وهبها الله طفلا يعانى من التوحد وعانت من إهمال المجتمع لذوى الاحتياجات الخاصة فكانت نقطة التحول فى حياتها وكونت هذه الفرقة. ولمعرفة المزيد عن «الشكمجية» وما تحويها من جواهر ثمينة ذهبت إليهم نصف الدنيا فى محاولة لمساعدتهم بشيء بسيط وهو حقهم على الإعلام أن يلقى الضوء على مجهودهم فتقول مخرجة الفرقة: «أنا أميرة شوقى خريجة كلية التجارة قسم إدارة الأعمال بجامعة عين شمس ومخرجة معتمدة منذ 2004 فى وزارة الثقافة بعد عدد من التجارب وحصولى على جوائز مثل جائزة أول إخراج على مستوى الجمهورية وجائزة السينوغرافيا كما شاركت فى عدد من المهرجانات ومثلت مصر فى أكثر من دورة.»
بداية تكوين الفرقة
فى البداية تحكى أميرة أنها كانت مهتمة بالمسرح النسائى وعملت أكثر من تجربة مسرحية وكانت تتناول خلالها قضايا خاصة بالمرأة مثل مسرحية «الخادمات « لجان جينييه و»القديسة رفقة « من المسرح الكنسى وأيضا قامت أميرة بكتابة مسرحية «شاهد عيان» عن «فصيلة على طريق الموت» لألفونسو ساستر وتوضح أميرة أن كل هذه الأعمال قدمتها مع فرقة «الشكمجية» منذ عام 2002 وتقول إن فكرة اسم «الشكمجية « جاءت عندما كانت فى البداية الفرقة مكونة من 4 فتيات فقط وكانت ستقدم عرضا مسرحيا فى المركز الثقافى الفرنسى وكان لابد من اختيار اسم وكان هذا الاسم تعبيرا عن قيمة وأهمية أعضاء الفرقة.
تطبيق مناهج التربية الخاصة بالفن
وتضيف ثم بعد ذلك بدأ تحول نشاط الفرقة من سنة 2009 ليصبح كل أعضائها من ذوى الاحتياجات الخاصة لأنها لم تجد من يعبر بصورة حقيقية عن مشاكل ذوى الاحتياجات الخاصة ويقدم الشكل الواقعى لهم ولما يعانون منه فى المجتمع خاصة فى الأماكن العشوائية والفقيرة والتى هى أكثر تضررا من الناحية الثقافية والاجتماعية ومن ثم تكونت الفرقة وقامت باختيار كل أعضائها من ذوى الإعاقة وكان هدفها أن تعمل على تحسين حالاتهم وإعاقاتهم من خلال الفنون. وتقوم بذلك عن طريق اختيار البرامج التى تطبق فى مناهج التربية الخاصة مثل برنامج «مارى ميتسورى ولوباس» وتقوم بتطبيقها عليهم بالفن وكذلك علاج الخلل الحسى وعلاج الحواس المختلفة لأن هناك أعضاء فى الفرقة لديهم إعاقات حسية مختلفة وتقوم بعلاج ذلك عن طريق الإضاءة والصوت وتعتبر أن المسرح نفسه غرفة حواس. وتضيف أنه كان هدفها الثانى دمج ذوى الإعاقة معا وأن تجعلهم يتقبلون بعضهم لأن ذوى الإعاقة يجدون صعوبة فى تقبل بعضهم فالأصم لايتقبل الذهنى والعكس فكان من المهم أن يتم ذلك ثم بعد ذلك تدمجهم فى المجتمع العادى. وتقول إن اختيارها لأعضاء الفرقة يتم عن طريق عمل تقييم للحالة من خلال تقرير طبى عنها ثم تحدد بعدها النقطة التى سوف تبدأ بها معه.
الاستعداد للعرض المسرحى
وعن طريقة التدريب والاستعداد للعمل أو العروض المسرحية التى يقدمونها تقول أميرة فى البداية وقبل أى ورشة فنية يقومون بعمل ورشة تأهيلية للعرض المسرحى أو الأوبريت وتستمر نحو شهر قبل البدء فى التدريب على العمل المسرحى ولكن فى حالة انضمام عضو جديد إلى الفرقة لابد أن يستمر مع الفرقة لمدة سنة أو أكثر حتى يستطيع التعود على العمل الذى نقوم به وتفهم طبيعته. وعن الورشة التى تعمل بها حاليا تقول إن هذه الورشة باسم «فى الفن حياة» وهى تحت إدارة التمكين الثقافى بالهيئة العامة لقصور الثقافة والتى يديرها محمد زهران ومستمرة منذ 4 شهور وتشتمل على فن تشكيلى وعرائس وتصوير فوتوغرافى وفيديو وحكى مسرحى وتنورة وأداء حركى واستعراضى وتعليم التمثيل حتى للصم. وتحتوى الفرقة على أنواع مختلفة من الإعاقات مثل التوحد والداون سندروم والشلل الدماغى والصمم والإعاقات الحركية وأيضا متعددى الإعاقات. وتشكو أميرة من بعض الصعوبات التى تواجههم مثل عدم وجود دعم من أى جهة وتقول إنهم يتكفلون بكل ما تحتاجه الفرقة حتى الملابس الخاصة بالعروض وفى هذا العرض الأخير اضطررنا إلى تفصيل 3 سوار للعرض للفقرة الهندى تكلفت 3 آلاف جنيه.
بالفن يعيش المعاق حياة طبيعية
وتشير أميرة إلى أنها قبل تكوين الفرقة كانت تقوم بإلقاء محاضرات توعية مجانية لأمهات الأطفال ذوى الإعاقة سواء عن المشاكل الحسية أو تعديل السلوك أو تنمية المهارات. وتضيف أنها كانت تحاول توفير ما يحتاجون إليه سواء علاج أو عندما يحتاج أحد منهم إلى سماعة أو جهاز تعويضى تحاول التواصل مع جهات تلبى لهم هذه الاحتياجات وبعد تعاملها معهم من خلال هذه الجلسات وجدت استجابة منهم وانضموا للفرقة حتى وصل عدد أفرادها الآن إلى 35 عضوا. وبعد أن بدأت فى تكوين الفرقة وتقديم العروض انعكس ذلك على الأطفال لدرجة أنه حدث تطور كبير وتحسن فى حالاتهم مثل فتحى التلميذ فى الصف الرابع والذى نادته أميرة فأقبل علينا مسرعا وابتسامة عريضة على وجهه وبكل براءة وحماسة أخذ يشرح لى كيف أنه قام بصناعة عروسة ماريونيت بنفسه واندهشت من قدرته على سرد الخطوات بالتفصيل بالرغم من أننى لاحظت أنه يعانى صعوبة فى نطق بعض الكلمات لتزداد دهشتى وتتحول إلى انبهار وتقدير لما تقوم به أميرة فى هذه الفرقة مع هؤلاء الأطفال وذلك عندما فاجأتنى بقولها إن فتحى هذا نموذج لتأثير الفن ومشاركته فى فرقة «الشكمجية» فقد كان فى البداية عند دخوله الفرقة منذ عامين يرتدى جهازا فى ساقيه وكان لا يستطيع أن يخطو ولو خطوة واحدة بدونه وكان يعانى من عدم القدرة على الكلام أيضا والآن والحمد لله فتحى يرقص على المسرح بعد أن تخلى تماما عن هذا الجهاز وأصبح يتكلم بهذه الطريقة المدهشة وكيف أصبح لديه ذاكرة يصف طريقة صنع عروسة بخطواتها بدقة. وتقول أميرة إن هذا التحسن لدى الأطفال لأنها تقدم علاجا وظيفيا أيضا من خلال الورش حتى أمهات الأطفال يشاركن فيها بعمل الحركات المطلوبة خلال التدريب تشجيعا لأبنائهن.
الرضا والأمل والتفاؤل
وعن أمنياتها للفرقة تقول أميرة إنها تتمنى أن تمثل الفرقة مصر على مستوى العالم لأنها متفردة ولا يوجد فرقة بهذا العدد وبهذه الإعاقات تقوم بالتمثيل وتقديم عروض مثلها فى مصر لأنها تشتمل على كل أنواع الإعاقة. وكانت هناك حالة من الفرحة فى نفس مكان التدريب وهو قصر ثقافة بهتيم وسادت حالة من الإحساس بالأمل والتفاؤل والرضا قرأتها على وجوه أمهات الأطفال أثناء البروفات هؤلاء الأمهات اللاتى لم يستسلمن للأمر الواقع ولم ييأسن من حالة أولادهن وبحثن عن طاقة أمل تبعث الحياة فى أوصالهم لنراهم على ماهم عليه اليوم يملأون المسرح حركة ونشاطا لدرجة لا تفرقهم عن الأطفال الأصحاء فى شيء.
نماذج مضيئة ومبشرة
وقالت والدة يوسف ذى التسع سنوات إنه داون سندروم وإنها تعرفت على الفرقة لأن يوسف مشارك فى جروب الاحتياجات الخاصة على الإنترنت وعندما رأته «أبلة أميرة» ،كما ينادونها، شعرت أنه موهوب وكان وقتها عمره أربع سنوات وبدأت تدربه على الأغانى والأداء الحركى مما أدى إلى تحسن حالته بصورة كبيرة. وتضيف أن أميرة تقوم مع الأطفال بمجهود رائع لأنهن كأمهات لا يستطعن القيام به وأن يوسف أصبح الآن أكثر تركيزا مما انعكس على تحصيله الدراسى وكذلك زاد ذكاؤه وأصبح أيضا أكثر استيعابا لأشياء كثيرة لأن ما يقوم به مع الفرقة كما تقول والدته منحه الأمل والإحساس بأنه مثل غيره من الأطفال وأنه أصبح له كيان فى المجتمع.
أما والدة رجاء 15 سنة والتى تعانى من داون أيضا فتقول إن ابنتها قبل انضمامها إلى الفرقة لم تكن تتجاوب معهم فى المنزل وكانت عصبية وتصمم على رأيها ولم تكن تسمع الكلام ولكن الآن بدأت تتجاوب معهم وتفهم حتى أنها تشاهد التليفزيون وتتابع المسلسلات وتحسنت كثيرا وبدأوا يشعرون أن «الأولاد عايشين فى الدنيا».
أما مريم سعد 14 عاما وتعانى من إعاقة فى اليدين وورم فى الساق وصماء فتقول والدتها إنها منذ انضمامها إلى الفرقة ومعنوياتها أصبحت مرتفعة جدا وسعيدة خاصة أن أميرة تعاملهم كأم تماما. وتضيف أن مريم بدأت تحب الذهاب إلى المدرسة وبدأت تكتب حتى إنها الآن تحب مساعدتها فى شغل البيت. ومريم تشارك فى الفرقة بالتمثيل ولف التنورة وتقول والدة مريم إنها من أجل ابنتها ومن أجل بقائها فى الفرقة بعد النتائج الجميلة التى انعكست على صحتها تركت شقتها فى العاشر من رمضان واستقرت فى بهتيم حتى تضمن استمرارها مع الفرقة.
أما هدى محمد 13 سنة فتقول والدتها إن ابنتها لم تكن تتحدث مع أى شخص وأصبحت الآن تتعامل مع الناس بشكل جيد وتتحرك وتحفظ حركات العروض التى تشارك فيها وأنها كانت ترفض ارتداء نظارة طبية ولكن الآن لا تمانع. وتضيف أن والدها وإخوتها كانوا معترضين فى البداية لأن التدريبات تأخذ وقتا طويلا ولكن بعد أن رأوا التغير الذى حدث لها فرحوا بها جدا لدرجة أنهم أنشأوا لها وللفرقة صفحة على الفيس بوك وأصبحوا يدعون أصدقاءهم لحضور حفلات الفرقة.
وفى نهاية اللقاء أشارت المخرجة أميرة شوقى إلى أن الفرقة سوف تشارك بعرض اسمه «الواد اللى فى رأسه عرائس» وهو عن الطفل التوحدى فى مهرجان آفاق على مسرح متروبول وتدعو الجميع إلى الحضور لدعم فرقة «الشكمجية» وهذا أقل حق من حقوق هؤلاء الأطفال على المجتمع وتتمنى أن تجد الدعم الذى يجعلها تواصل نشاطها من الجهات المسئولة فى الدولة.
المصدر: أميمة رشوان/ جريدة نصف الدنيا .