« لا نريد زياراتكم.. نريد أن نكون بينكم « تلك الكلمات باح بها خلال مشاركته في معرض الرسم لذوي الاحتياجات الخاصة الذي نظمه مجلس الكتاب والأدباء والمثقفين العرب بالعاصمة الأردنية عمان على (مسرح عمون ) بحضور عدد من السفراء والكتاب والفنانين التشكيلين والأدباء والإعلاميين وكان يعني بها المجتمع وأصحاب القرار والمسؤولين عن فئة المعاقين. من مواليد 1992 نشأ معاقا منذ ولادته فى بلدة أم القطين بالبادية الشمالية الشرقية تحت ظروف صعبة ويعاني ضعف نطق شديدا بالاضافة الى اعاقته الحركية .. تحدى الإعاقة بإيمانه بالله عز وجل ودرس وتفوق في كتاباته، وأصبح من المتميزين في كتابة القصص والرسم والنقد البناء والتعبير وطرح المشكلات والقضايا بشكلها ووصفها الحقيقي. الكاتب الشاب المتميز عاهد عيد الدحدل العظامات البالغ من العمر 23 عاما أنموذجا مميزا لفرسان التحدي حيث تحدى احتياجاته وإعاقته الخاصة وأصر على ان يكون مشاركاً وفاعلاً وإنسانا قادراً على أن يتجاوز كل المحن والصعاب وان يثبت للجميع إن الإعاقة ليست عائقا في طريق الأحلام والآمال والنجاح. هي قصة نجاح بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ليس فقط في تحدي عاهد إعاقته في قدميه وممارسته لأعمال الكتابة، بل في نجاحه في تخطي العقبات النفسية التي مر بها خلال حياته من علاقته مع المجتمع الذي «يرفض تقبل ذوي الإعاقة في الكثير من المواقف في الحياة» شاب أبدع في مسيرة حياته الفنية الأدبية قاوم وجعل من إبداعه قصة تحكى وتتغلب على قيود العجز والانطوائية بعزيمة وإصرار فرسم بريشته أحلى اللوحات وكتب بحروفه مقالات وكلمات فنال بجدارة أعجاب وتقدير القراء والمتابعين له. بقالة صغيرة زارته « الدستور» في منزله المتواضع فأدهشها ما رأت حيث « عاهد « في غرفة خجولة لا تتجاوز مساحتها 4أمتار مربعة أطلقوا عليها أهل البلدة مجازا»دكان صغير « يوجد فيها بعض العصائر والسكاكر والبسكويت والمستلزمات المنزلية الأساسية يجلس على كرسيه خلف طاولة صغيرة وقد أطرق رأسه عليها نعسانا في حالة تبكي القلوب لكنها تبعث على الفخر والاعتزاز لأنه أراد أن يعيش من كده حتى لا يكون عالة على أسرته فأصبحت تلك المساحة مكانا يعتاش منها ومصدرا لإلهامه في كتاباته وفنه. فهو فارس بين كتاباته وبين عمله لم يعرف اليأس رغم إعاقته الحركية التي قيدته وبالرغم من عدم قدرته على الكلام وعجز الحركة بجميع أطرافه باستثناء أصبعين من أصابع يده اليسرى يستعين بهما بالكتابة إلا أنه قاوم وتحدى الإعاقة فأبدع في مسيرة حياته الفنية الأدبية وجعل من إبداعه قصة تروي تغلبه على قيود العجز والانطوائية بعزيمة وإصرار فرسم بريشته أحلى اللوحات وكتب بحروفه مقالات وكلمات. اكتشاف الموهبة لم ينكر « عاهد « أصحاب الفضل بعد الله الذين اُكتشفوا موهبته عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي حيث أشار الى أن الفضل في اكتشاف موهبته في الكتابة يعود للأستاذة لمياء عبد الوهاب من محافظة الطفيلة والشاعرة منال العزام ثم دعم ورعاية والده وجدته التي قامت على رعايته الى جانب والدته وأشقائه وعشيرته الذين كانوا الى جانبه وساندوه وشجعوه واسهموا في صقل شخصيته رغم ظروف الحياة الصعبة التي يواجهونها ثم كان دور مهم لكل من عرفه على مواقع التواصل او في الميدان وأحبه وتابع كتاباته في تحفيزه نحو النجاح والتطوير. أنا والكرسي حكاية انفرد عاهد في أولى مقالاته بوصف حال المعاق والعلاقة التي تربطه بكرسي الإعاقة وحال الانسجام بينهما فوصفه وكأنه إنسان يحمل في داخله مشاعر صادقة ونبيلة تجاه من يجلس عليه فيخاف علية ويساعده في الحركة حتى غدت تلك العلاقة بينهما وكأنهما توأم يشابه احدهما الآخر في مقاله الذي اشتهر به « أنا والكرسي حكاية «. يعاتب عاهد فيه مجتمع الإنسان ويقارن بعضهم – الذين تحجرت قلوبهم تجاه أصحاب الإعاقة – مع كرسيه فيقول « ما بال قوم هم مثلي أناس ينظرون الي بطرف أعينهم وكأني جماد أشبه بكرسي وكأني بهم يقولون، ان لاحاجة لهم بي وانه لا يجدر بي العيش أو أن أحظى بالفرص والحقوق والزواج والاحترام ولا يدرون أنهم بذلك نزعوا عنهم لباس الإنسانية والبسوه لكرسي الإعاقة(…) وعلى الرغم من العجز الذي ربط بيني وبين الكرسي المتحرك طوال العمر فإن بداخلي طموحات عديدة أسعى إلى تحقيقها لخدمة كل من هم في مثل ظروفي وختم مقاله: إني بت أنا والكرسي حكاية. شعلة عطاء ورغم الظروف الصعبة التي يواجهها «عاهد» فانه يعتبر شعلة عطاء كما يقول عنه أهل بلدته ومن عرفوه وأحبوه بل انه نموذج متميز للشاب المعطاء والمنتمي لشعبه ووطنه فهو يمارس كل أشكال النشاط ويقود المهمات ويؤدي الكثير من الأنشطة بمهارة يعجز عنها حتى الأصحاء ليجسد نموذجا لتحدي الإعاقة وليؤكد أن الإعاقة لا تلغي الطاقة والعطاء. شارك عاهد بالعديد من المهرجانات والفعاليات الوطنية واللقاءات الأدبية والمعارض الفنية وحاز على اهتمام وتقدير مجلس الكتاب والأدباء والمثقفين العرب فاستحق تكريمهم له في معرض الرسم لذوي الاحتياجات الخاصة في آذار الماضي . نشر العديد من المقالات في بعض المجلات وصحف مكتوبة إضافة إلى مواقع الكترونية مختلفة منها « سيرة نضال في زهرة الاستقلال « وتناول موضوع صرف الرواتب قبل العيد تحت مقال عنوانه « صرفه ما قبل العيد أم طفره ما بعده « وحول امتحان الثانوية العامة وإجراءاته وضغوطاته جاء بمقاله تحت عنوان «امتحان التوجيهي من الظالم ومن المظلوم»؟، وتغنى في وطنه في مقاله «الأردن وطن الملايين»، وتحدث مقاله «فرسان الإرادة» عن المعاقين في البادية وما يواجهونه من تحديات وصعوبات تمنعهم من إظهار أنفسهم والمشاركة في المناسبات والاحتفالات والأنشطة والتي تتيح لهم فرصة أبراز ما لديهم من مواهب وإبداعات تساعدهم في الاستمرار بهذه الحياة والتغلب على معاناتهم مع المرض وبلغ مجموع انجازه من المقالات والقصص ما يزيد عن 146 مقالا وقصة فضلا عن العديد من الرسومات والتحاليل والخواطر. معونة تنتهي إلى 20 دينارا لم يكن يتوقع عاهد أن يكون دعم التنمية الاجتماعية له بهذه الصورة معبرا عن أسفه من إقدام الأخيرة على تخفيض راتبه من المعونة المخصص لذوي الإعاقة من 30 دينارا إلى 20 دينارا منذ أربعة شهور مضت بحجة أن والده يتقاضى راتبا يصل إلى 500 دينار علما أن والده متقاعد من القوات المسلحة براتب لا يتعدى 300 دينار. ويسجل « عيد العظامات « والد عاهد ويعيل أسرة مكونة من 8 أفراد عتبه على التنمية الاجتماعية قائلا» كان الأولى بالتنمية دعم عاهد ورعايته والذي هو أصلا من صميم واجبها بدلا من أن تخفض قيمة المعونة الشهرية له. ويضيف « وبالرغم من المراجعات المتكررة لإعادة مبلغ المعونة إلا أنها باءت بالفشل « مثمنا جهود بعض مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الذين يقفون دائما إلى جانب عاهد ودعمه وتشجيعه وتكريمه. أمنيات وهموم يتطلع عاهد إلى اطلاق برنامج تلفزيوني أسبوعي يسلط فيه الضوء على المبدعين والموهوبين من أصحاب الإعاقة لدعمهم لمواصلة النجاح والعطاء فضلا عن إثارة قضايا وهموم المعاقين لدى المؤسسات الحكومية والخاصة لتوفير المزيد من المساعدة و الرعاية الموائمة اللازمة لهذه الفئة ليعتمدوا على أنفسهم دون الحاجة للمساعدة من قبل الآخرين ليشعروا بفاعليتهم في المجتمع وأنهم فئة منتجة ويقول حول ذلك « مبدئيا سيكون البرنامج فيس بوكي على صفحتي الخاصة حتى يتوافر له الدعم اللازم لينطلق عبر شاشات التلفزة». وأخيرا.. لا نريد نظرات الشفقة نذر» عاهد « نفسه لحمل هموم وأمال وقضايا ذوي الاعاقة وحتى يكون لسان حالهم أينما وجدوا وبخاصة في البادية الذين تضاف إلى معاناتهم من العوز والحاجة والظروف المعيشية الصعبة وقلة الفرص وجور الحياة معاناة اضافية تتمثل في اعاقتهم وحتى ينقل بكل صراحة واقع حالهم بكل ما تجسده صورتهم من الم ووجع ومرارة. ويختم عاهد كلماته « وأخيرا أقول للناس: لا نريد نظرات الشفقة منكم فنحن قادرون على التقدم ما نريده هو أن ترونا مثلكم وبينكم».
المصدر: محمد الفاعوري_البادية الشمالية/ جريدة الدستور .