0 تعليق
775 المشاهدات

زراعة خلايا الدماغ في مواجهة الأمراض العقلية



من الممكن لطريقة جديدة لزراعة خلايا الدماغ البشري أن تحلّ ألغاز الخرف، والأمراض العقلية، وغيرها من الاضطرابات العصبية.

 

فيما رفعت مادلين لانكاستر طبقاً بلاستيكياً شفافاً نحو الضوء، رأيت نحو 12 كتلة من الأنسجة، كل منها بحجم حبة لؤلؤ صغيرة تسبح في سائل لونه بني فاتح. تشكل هذه عضيات دماغية تتمتع ببعض خصائص الدماغ البشري خلال الأشهر الثلاثة الأولى من نموه، بما في ذلك فصوص القشرة. لا تشكل حزم الأنسجة البشرية هذه {أدمغة بشرية تنمو في طبق}، كما تُدعى أحياناً. إلا أنها تفتح نافذة جديدة تكشف لنا كيفية نمو الخلايا العصبية وعملها. كذلك قد تبدل فهمنا لمسائل شتى، من أنشطة الدماغ الأساسية إلى أسباب الفصام والتوحد.

خلية جذعية

قبل أن ينمو في أحد أطباق لانكستر، يبدأ العضي الدماغي كخلية جلد واحدة تؤخذ من شخص بالغ. ومع التوليفة الكيماوية الحيوية المناسبة، تتحول هذه الخلية إلى خلية جذعية مـستحدثة وافرة القدرة (ذلك النوع الذي يستطيع التحول عند البلوغ إلى أنواع مختلفة من الخلايا) ومن ثم إلى خلية عصبية.
وهكذا صار بالإمكان القيام بأمور كانت مستحيلة في السابق. فباستطاعة العلماء اليوم رؤية كيفية تطور شبكات خلايا الدماغ البشري الحية، مباشرة،  وعملها ومدى تأثرها بأنواع مختلفة من مركبات الأدوية والتبدلات الجينية. وبما أن من الممكن زراعة هذه الأدمغة الصغيرة من خلايا شخص محدد، قد تخدم هذه العضيات كنماذج بالغة الدقة لمجموعة واسعة من الأمراض. على سبيل المثال، ما مواضع الخلل في الخلايا العصبية المأخوذة من شخص يعاني مرض الألزهايمر؟
يدفع احتمال التوصل إلى أجوبة حول أسئلة مماثلة شركات الأدوية والباحثين الأكاديميين إلى التعاون مع لانكاستر ويورغن نوبليتش الذي طور هذه العضيات ضمن إطار دراساته ما بعد الدكتوراه في مختبره في معهد التكنولوجيا الحيوية الجزيئية في فيينا بالنمسا.
تمحورت الخطوة  الأولى من عمليات التعاون هذه حول صغر الرأس أو الصعل، اضطراب يتميز بصغر حجم الدماغ. وفي هذا التحقيق تعاونت لانكاستر مع أندرو جاكسون من جامعة إدينبورغ. فباستخدام خلايا مأخوذة من مريض يعاني الصعل، زرع الفريق العضيات التي تتمتع بخصائص مماثلة لدماغ المريض. ومن ثم عمد الباحثون إلى  استبدال بروتين مختل يرتبط بهذا الاضطراب، وتمكنوا من زراعة عضيات بدت شبه سليمة.
حل أسرار الدماغ

توضح لانكاستر أن هذه مجرد البداية. فقد بدأ باحثون مثل رودولف جاينيش من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وغوو-لي من جامعة جونز هوبكنز باستخدام العضيات الدماغية في إجراء أبحاث حول التوحد، الفصام، والصرع. لكن ما يجعل العضيات الدماغية مفيدة على وجه الخصوص واقع أن نموها يعكس أوجهاً من نمو الدماغ البشري.
على سبيل المثال، تنقسم الخلايا وتأخذ خصائص المخيخ، فتتجمع معاً في طبقات وتبدأ تدريجاً باتخاذ شكل بنى الدماغ الثلاثية الأبعاد. وإذا وقع خلل ما خلال هذه العملية (ما يمكن ملاحظته بسهولة خلال نمو العضيات)، يبحث العلماء عن الأسباب المحتملة، الآليات، وحتى العلاجات بالأدوية.
جاء إنجاز إنتاج هذه العضيات كجزء من مشروع جانبي. سبق أن زرع باحثون آخرون خلايا عصبية في طبق. وعلى غرارهم، بدأت لانكاستر باستخدام طبق مسطح {للعب} بالخلايا الجذعية العصبية، ذلك النوع الذي يتحول إلى خلايا عصبية وخلايا أخرى في الجهاز العصبي. تخبر أنها حصلت أحياناً {على خلايا جذعية عصبية أبت البقاء ببعدين، حتى إنها كانت تسقط من الطبق فيما تتخذ شكلاً ثلاثي الأبعاد. وبدل تجاهلها ورميها، فكرت: {هذا مميز، لنرى ما قد يحدث إن سمحت لها بمتابعة النمو}. لكنها واجهت تحدياً كبيراً: كيف يمكنها تغذية الأنسجة وسط العضيات من دون اللجوء إلى الأوردة؟
قام الحل الذي اعتمدته لانكاستر بتغليف كل عضي بمصفوفة من المعروف أنها تغذي الخلايا. فوضعت نحو 12 فصاً من هذه الفصوص في حوض مغذِّ وراحت تخضها أو تديرها لتبقي كل العضيات مغمورة بالغذاء الخلوي. منذ نشرها طريقتها هذه، نجحت لانكاستر في دفع أنسجة الدماغ إلى مستويات أعلى من التعقيد مع بلوغ الخلايا العصبية مراحل متقدمة من النمو. وينمو عدد التطبيقات المحتملة مع كل تقدم يُحرز. لكن الأكثر أهمية، في رأي لانكاستر، احتمال أن تحل العضيات الدماغية هذه أعمق الأسرار: ماذا يحدث في دماغنا ويميزنا عن الحيوانات؟ تقول: {ما يثير اهتمامي حقاً معرفة ما الذي يجعلنا بشراً}.

 

المصدر : جريدة الجريدة

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3775 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4151 0
خالد العرافة
2017/07/05 4691 0