الشهيدة أسرار القبندي.. تاريخ من العطاء
لا يمكن أن نغفل الدور الذي لعبته الشهيدة أسرار القبندي، في مجال الاهتمام بذوي الإعاقة وخدمتهم، ففي عام 1987 أسست أول مدرسة من نوعها في الكويت خاصة برعاية المعوقين الذين يعانون من الشلل الدماغي وقد كرّست سنوات حياتها حتى لحظة الغزو من أجل رعاية المعاقين، وكانت تقوم بهذا العمل كمتطوعة.
وتميزت شخصيتها بالعطاء الدائم لكل محتاج ووصفت من قبل شهود تاريخها بأنها كانت نبع العطاء الذي لا ينضب فقد كانت حنونة لاقصى حدود الحنان، وقد كانت قوية الشخصية، جريئة، ولها مواقف وطنية في غاية النبل.
أمل الجناحي: المحتلون نكلوا بالشباب
استذكرت أمل الجناحي (من ذوات الإعاقة الحركية وعضوة في بوابة التدريب العالمية) الذكريات الأليمة للغزو العراقي، معتبرة أنها كانت أياماً حزينة ليس فقط على الكويت وشعبها، بل لكل الدول التي أحبت الكويت، لافتة إلى أنها عايشت هذه الفترة بالكويت، والتي استمرت طيلة 7 أشهر، حيث كانت تقطن في منطقة كيفان بجانب نادي الكويت.
ولم تنس الجناحي منظر الجنود العراقيين الذين كانوا موجودين في النادي والمستوصف ومركز الشرطة (المخفر) بالمنطقة، فضلاً عن نقاط التفتيش المنتشرة في كل مكان، مشيرة إلى مرارة هذه الأيام والرعب الذي كان يخيم علينا.
وتابعت بالقول: لم أنس هذه المشاهد والأحداث، ومازالت آثارها محفورة في ذاكرتي، فضلا عن دوي الانفجارات وتحليق الطائرات الحربية التي تكاد تلمس منازلنا، إضافة إلى التمثيل بأجساد الشباب من قطع أيديهم وأصابعهم واغتصاب الفتيات والاعتداء على المسنين وذوي الإعاقة، وغيرها من الحكايات المفزعة التي صدمتني.
ووصفت حالتها النفسية إبان تلك الفترة، والتي ازدادت سوءاً بسبب تفاقم مرض والدها، حيث نقله إخوانها إلى المستشفى لعلاجه، ولكن لا جدوى بسبب تردي مستوى المستشفى وحالته من حيث الأطباء والممرضات، ونقص الأدوية وتعطل الأجهزة إلى أن وافته المنية.
وواصلت في سرد ابرز المواقف والذكريات، التي اعتبرتها مضحكة ومبكية في ذات الوقت، منها إصابتها بالجدري المائي، وهو مرض معدٍ، حيث تعالجت منه، ولكنها نقلت العدوى لاختها المتزوجة، ومن ثم الاخيرة نقلته لأبنائها وزوجها.
إعاقتي مبعث للفخر ووسام للشرف» هكذا عبر منصور السرهيد عن اعتزازه بإعاقته الحركية التي أصيب بها من جراء الغزو العراقي خلال مشاركته بأول تظاهرة في الصليبخات في اليوم الثاني من الغزو الموافق 3 اغسطس في تمام الساعة التاسعة صباحا.
واسترجع السرهيد ذكريات الغزو التي تسببت باعاقته، اذ كان من ضمن المتظاهرين في التظاهرة الاولى التي بدأت مسيرتها من مخفر الصليبخات وانتهاء إلى محافظة الجهراء، معيداً إلى الأذهان صيحات المتظاهرين تنديداً بالعدوان الغاشم.
وأشار إلى أنهم غيروا مسارهم باتجاه المقهى الشعبي بالصليبخات الذي كان يضم معسكر الجنود العراقية، مضيفا «وخلال تظاهرتنا، وجدنا الجنود العراقية محتلين مخفر الصليبخات، فاقتربنا منهم ولكنهم تراجعوا ومن ثم ألقوا القبض علينا في كمين وأحاطوا بنا وأطلقوا النار علينا، وكنت في مقدمة المتظاهرين فاخترقت طلقاتهم صدري وخرجت من ظهري مما أدى إلى أصابتي بشلل كلى باليد اليمنى».
وزاد بالقول: «وتم اعتقال باقي المجموعة والبالغ عددهم 36 شابا، أسرى، وحاول أصدقائي نقلي إلى السيارة المتوقفة خلف احدى المدارس بالصليبخات والتي اقلتني إلى حوادث مستشفى الصباح، حيث تم إسعافي بأول عملية نقل دم وتبرع لي أحد الأطباء (رئيس الوحدة الفنية بمستشفى الصباح آنذاك) بالدم».
واستذكر دور الفنانة اسمهان توفيق، التي كانت ضمن المتطوعين في الكادر التمريضي، ومكثت ثلاثة أسابيع ما بين مستشفيي الصباح والرازي، حيث كانت الخدمة في الأولى سيئة من حيث عدم توفير الطعام والخدمات المناسبة نظرا لاحتلالها من قبل القوات العراقية ومن ثم انتقلت إلى الرازي.
ولم ينكر السرهيد أن محنة الغزو درس لا يطويه النسيان، حيث اقترن ذكراه باعاقته التي نجح في التغلب عليها بالإرادة والتحدي وتعايش معها إلى أن واصل دراسته الثانوية والجامعية ومن ثم التحق بالعمل بوزارة الشؤون وفي مجال الاعاقة، مبديا فخره بأخيه الشهيد الذي فقده بالغزو.
رأي جمال المشعل (إعاقة حركية منذ الولادة) أن الغزو العراقي على البلاد جسّد مفهوم الروح الوطنية والتلاحم بين جميع أطياف الشعب الكويتي، مما عزز روح التطوع لخدمة المجتمع بغض النظر عن القدرات والفروقات الفردية.
واسترجع المشعل ذكريات الاحتلال عندما كان طالباً بجامعة الكويت – قسم التاريخ والعلوم السياسية، حيث تم تشكيل مجموعة من شباب ذوي الإعاقة من جميع الكليات، وكان هناك دعم من قبل إدارة الجامعة لتوفير أماكن الاجتماعات لطلبة ذوي الإعاقة للنظر في مشاكلهم بالجامعة.
ولم يختلف رد فعل المشعل عن أقرانه الكويتيين، حيث فوجئ بنبأ الغزو الذي تلقاه عبر إذاعة وتلفزيون الكويت، الأمر الذي دفعه وأسرته إلى الخروج لاستطلاع الأوضاع والتأكد من الخبر، حيث شاهدوا الطائرات التي كانت تحلق على مسافة قريبة من مستوى الأرض، ناهيك عن الرعب والقلق اللذين انتابا الجميع.
وبالحديث عن دور ذوي الإعاقة إبان الغزو العراقي، فضّل المشعل استحضار دوره كونه أحد أفراد هذه الفئة، حيث كان أحد المتطوعين في تقديم الخدمات لأهالي المنطقة وتوزيع المواد الغذائية والأنابيب، فضلاً عن تطوعه في تسجيل المواد الغذائية الداخلة إلى الفرع، وتلك التي يتم تصريفها.
واعتبر أن التطوع من أبرز الدروس المستفادة التي اتسم بها الشعب الكويتي، حيث قامت الأغلبية بتغيير هوياتهم الوظيفية والعمل في سبيل خدمة الأهالي، لافتاً إلى تطوعه في العمل محفّ.ظاً للقرآن في أحد مساجد الرميثية.
واستذكر عدداً من الذكريات الجميلة بحسب تعبيره، أثناء عمله محفظاً، حيث كان يتم توزيع الجوائز على حفظة القرآن بحسب ما يتيسر (عبارة عن طبق حلوى وبعض المواد التموينية)، وذلك تشجيعاً لهم.
ولم يتوقف دوره عند هذا الحد، فمع انطلاق الحرب الجوية، شارك المشعل ضمن اللجان الشعبية من خلال متابعة ومراقبة الشوارع لحماية السكان ومسايرة جيش العدو لإبعاد المخاطر عن أهالي المنطقة، كما شارك في صناعة قنابل المولوتوف باستخدام زجاجات المشروبات الغازية وضغطها بالتمر حتى لا يتسرب الغاز وهو إجراء وقائي للدفاع عن النفس.
أعاد المتحدثون رواية أصغر أسير كويتي في العراق (من ذوي الاعاقة البصرية)، والذي فقد بصره بسبب نقص الأكسجين، حيث ولد ناقص النمو، وتم أسره بعد أخذ العراقيين الحضانات، وحاولت والدته أن تأخذه من المستشفى، إلا ان المحاولة باءت بالفشل، ومن ثم استشهد والده، واضطرت والدته للرحيل إلى السعودية، وبعد رجوعها بحثت عنه عن طريق الصليب الاحمر ووجدته عند امرأة عراقية أخذته من العراق وبعدها ذهبت إلى ايران، ثم رجعت إلى العراق، وعن طريق الصليب الاحمر عاد للكويت وكان عمره في هذا الوقت سنة وشهرين وفوجئت والدته بإصابته بالعمى الكلي.
رغم صعوبة التواصل مع ذوي الإعاقة السمعية (الصم) وعدم إتقان لغة الإشارة، فضلا عن السخرية التي كانوا يتعرضون لها من قبل الجنود العراقيين، فإن دورهم لا يقل أهمية عن أقرانهم الأسوياء والإعاقات الأخرى، سواء في العمل بوظائف بسيطة وأعمال البيع والتجارة أو تنظيف الشوارع وجمع القمامة وغيرها.
ثمَّن منصور السرهيد تكريم رئيس نادي الصليبخات الرياضي الراحل علي شعبان له ضمن الشهداء الأحياء بمنطقة الصليبخات، حيث كان أحد لاعبي كرة السلة قبل الغزو، ولكن إعاقته وقفت حائلا أمام مسيرته الرياضية، فاتجه للعمل الإداري بنادي المعاقين الكويتي.
المصدر : مى السكرى \ جريدة القبس