إبداع بلا حدود.. وفن هو في الحقيقة خلاصة إحساس بالجمال.. ليس شرطاً أن تكون العين طريقك إليه لكنها منحة من الله تعالى أن تشعر بالجمال وأنت لا تراه.. وتصنع مما لديك ما هو أكثر جمالاً يبهر الناظرين.
سمير جابر، مواطن «كفيف» رب أسرة، الزوجة أيضاً من فاقدى البصر.. لديها طفلان.. ربما يكونا النور الذى يسرى فى قلب الأب والأم، والأمل الذي يعينهما على حياة صعبة.. ورغم ذلك عرف الأب والأم طريق الإبداع فى «صناعة البامبو»، وهى أيضاً الحرفة التي يتكسبان منها لينفقا على أطفالهما، حيث مازال الطريق أمامهما طويلاً..
الأب سمير جابر، عمره 38 عاماً، لم يولد مكفوفاً، بل فقد بصره منذ حوالى 15 سنة. يقول الأب: حصلت على الشهادة الإعدادية وأنا مبصر، ولكن أراد الله أن أفقد بصرى بسبب عملى في مجال سباكة المعادن.. وكنت قد بدأت كعامل فى إحدى المكتبات ولكن المرتب لم يكن يكفى لفتح بيت والإنفاق على أسرة، لذلك اتجه أبى إلى العمل فى أحد المسابك بعزبة خير الله.. يقول سمير: منذ صغرى وأنا أتحمل المسئولية فقد توفى والدى تاركاً لى أخوتى أمانة فى رقبتى، فكنت أعمل لأساعد فى نفقات الأسرة وتنقلت من مهنة إلى مهنة إلى أن تسبب «تسييل» النحاس فى كف بصرى ولم يكن مؤمناً علىَّ، لذلك لم أحصل على أى تعويض عما أصابنى بفعل انبعاث بخار مادة كاوية.. لكننى لم أيأس وتعرفت على زوجتى منذ 4 سنوات، كانت صديقة زوجة أحد أصدقائى.
وهنا تتحدث الزوجة قائلة: فقدت بصرى وعمرى ثلاث سنوات ونصف بعد إصابتى بحمى شوكية، والدى ووالدتى كانا أقرباء من عائلة واحدة.
والتحقت بمدارس النور والأمل، وهناك تعلمت فن «الجَدْل» في مصر الجديدة لكن لم أكمل.. بصراحة أن تلتحق بمدرسة داخلية تشعر كأنك في معتقل وكل شيء بميعاد، التحقت بأحد معاهد تحفيظ القرآن الكريم بشبرا الخيمة، والحمد لله أتممت حفظ القرآن، قبل الزواج كنت أعيش في سجن كبير.. فقد كنت فى إحدى قرى القليوبية حيث يتعاملون مع الفتاة وخاصة الكفيفة بشكل يشعرها بالوحدة.. كنت أشعر أن من حولى لا يتعاملون معى بالشكل الذى كنت أتمناه، وعلمت وقتها أن سجن المجتمع أكبر وأقسى من سجن الإعاقة.
وقال الزوج: بعد أن تزوجت وهبة قررنا أن نعيش في سعادة وأتم الله علينا نعمته ورزقنا بطفلين هما فاطمة ومحمود.. لكن الحياة لم تكن كما تمنينا، وواجهنا صعوبات وللأسف الجمعيات التي تدعى أنها خيرية وتدعم المعاقين تتاجر بإعاقاتهم. ورغم أننى توظفت فى نسبة الـ5٪ إلا أن راتبى لا يتعدى 650 جنيهًا، إيجار الشقة التى تؤويني أنا وأولادى 435 جنيهاً، وكان علىَّ أن أسعى لزيادة الدخل لتأكل وتشرب وتعيش وقد من الله علىَّ وعلى زوجتى بتعلم فن «البامبو» نصنع منه كراسى وترابيزات وأسبتة ونطور كل فترة من منتجاتنا.. لكن للأسف لم أجد من يسوق هذه المنتجات وعرضتها على أكثر من جمعية للتمويل والتسويق ولكن دون جدوى وأشترى الخامات على حسابى، لدرجة أنني وجدت نفسى متورطاً في ديون لعدم وجود تسويق.. والخامات غالية، كيلو «الخرزان» بـ35 جنيهاً كحد أدنى وشرائط الدانتيل لزوم التزيين بـ25 جنيهاً، كما أن هناك خامات مستوردة يصل سعر الكيلو منها لـ 100 جنيه، وإذا صنعنا «الجردل» من البلاستيك فيتكلف حوالى 25 جنيهاً، والحمد لله أننا نطور تصميماتنا باستمرار وضعنا ترابيزة كمبيوتر وترابيزة للتليفزيون بـ300 جنيه ونستخدم جميع الخامات بامبو – بلاستيك.. وقد تمكنت من صناعة سبت للغسيل يمكن سحبه بواسطة «عجل» وله فرامل وأدراج للمشابك.
وكل ما أحتاجه أنا وزوجتى هو المساعدة فى شراء الخامات وفي التسويق لأن ظروفنا لا تسمح.
وقالت الزوجة: لا أحد يساعدنا رغم أن بيدنا صنعة ونريد أن نكسب من مجهودنا.. وهنا أضاف الزوج: لقد سبق وتقدمت بأوراقي للحصول علي شقة عام 2007 ولم أحصل عليها حتي الآن، ثم عملت طلب إجراء بحث مستعجل لمحافظة القاهرة عام 2009.. وعبء الإيجار ثقيل.. يستولى على المرتب، فكيف أنفق على أسرتى؟
المصدر: جريدة الوفد .