| زهراء حسين الموسوي |
قبل فترة قرأت خبراً بأن رجلاً في دولة أجنبية رأى طفلة سقطت في مياه جارفة ليس معها إلاّ أمها التي لا تعرف السباحة ولا تعلم كيف تنقذ ابنتها فكانت واقفة تصرخ وتطلب النجدة، هنا لم يستطع الرجل التوقف والمشاهدة فقفز فوراً في النهر وذهب لإنقاذ الطفلة، وفعلاً أنقذها وأخذها إلى الشاطئ، ولكن في هذا الأثناء اصطدم بصخرة كبيرة أدت إلى قطع حبله الشوكي فأصبح جليس الكرسي المتحرك طوال حياته.
بعد هذه القصة هل ما زلتم تريدون فعل الخير؟!
للأسف بفضل سهولة النشر في عصرنا الفعلي تصلنا يومياً عبر برامج التواصل الاجتماعي تحكي قصص رجل أو امرأة قدم إحساناً لوالديه أو لفقير أو محتاج، وتلقى من الأجر أضعافه في الدنيا، وأصبحت حياته سعيدة رغدة بعد البؤس والشقاء أو بعد إيثاره الآخر على نفسه.
هل انتبهتم إلى الرسالة الضمنية في هذه النصوص؟، وهل هي تشجع على حب الآخرين أم حب الذات؟ تشير الدراسات المختلفة إلى ارتفاع نسبة حب الذات والأنانية بين الناس وخصوصاً الشباب، فالذي ينقصنا في هذا العصر هو حب الآخر وطلب الخير للجميع، الذي ينقصنا هو فعل الخير دون توقع المقابل وهذا هو الإحسان الذي أكد عليه الله تعالى في 33 آية من آيات القرآن الكريم.
مساعدة الآخرين من أجل الحصول على منافع شخصية دنيوية ليس إحساناً، ولا يوجد ضمان لحدوثه فكثيراً ما نفعل الخير والنتيجة الظاهرية لا تكون لصالحنا، وإذا اعتقدنا بأن عمل الخير ينتج منه الخير والجزاء الدنيوي فسوف نصاب بالإحباط والضغينة على من ساعدناهم وأحسنا إليهم، ولكنهم لم يكافئونا بل ردوا الإحسان بالإساءة، كما يؤثر ذلك على العلاقات الاجتماعية والأسرية والزوجية حيث زادت التوقعات جراء فعل الخير، ومن يفعل الخير يتوقع الجزاء الأفضل، وغالباً لا يحصل الإنسان على ما يتوقعه لأن تقييم الآخر لفعلك يختلف عن تقييمك.
ما يقوي الناس على الاعتقاد بالمكأفاة المادية نتيجة الإحسان هو بعض الآيات والأحاديث التي يفسرونها بهذا المعنى، منها هذه الآية الكريمة في سورة الإسراء «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا»، بينما هذه الآية في الواقع تعني عكس ما نتصوره، وعكس ما يدعون إليه، فهذا لايعني أن إحسانك سوف يعود عليك بمحبة الآخرين أو إحسانهم إليك أو حصولك على منافع دنيوية، بل ربما تعني أنك تربي نفسك بالإحسان وترتفع بها عن قفص الأنانية وبراثن التوقعات المميتة.
وقد بينت الدراسات المهتمة بشعور الإنسان بالسعادة بأن مساعدة الآخرين وإدخال السرور في قلوبهم يعطي الإنسان الشعور بالسعادة لمدة أطول من الأمور الحسية التي يفرح بها الإنسان.
من هنا توسعت فكرة الأعمال والأنشطة التطوعية خصوصاً الأنشطة التطوعية التي تهدف إلى مساعدة الأطفال المعاقين أو كبار السن الذين يفقدون أي مصدر للحماية الاجتماعية من ذويهم، فمساعدتك لأشخاص تعلم أنهم لا يستطيعون أن يعوضوك لكنك رغم ذلك تشعر بالسعادة حين ترى أنك خففت من معاناتهم، يجعلك تخرج من نطاق الأنانية الضيقة وترى الحياة بأفقها الأوسع.
twitter:@mosawi_75
@psychologistq8
المصدر: جريدة الراي الكويتية .