0 تعليق
885 المشاهدات

مونتيسوري وفلسفة الصمت: هيا لنتأمل حوض الأسماك و.. نصمت !!



دائمًا ما نسمع عبارات كثيرة تتردد على ألسنة الأمهات والمربين: طفلي مشتت، طفلي كثير الحركة، طفلي يفتقر إلى التركيز.. مشكلات نعرف جيدًا كيف نشخصها لكن لا نملك طرقا لعلاجها.

إن العديد من مشكلات الطفولة المبكرة إذا لم يتم علاجها وتداركها وهي في طور النمو فإنها ستصبح جزءا من شخصية الطفل وقد تشكل له العديد من الصعوبات المستقبلية سواءً في مجال التعليم أو التكيف مع الآخرين اجتماعيًا وسلوكيًا .

الصمت لبرهة والتفكير بأية مشكلة تجعلنا نكتشف أمورًا ونحلل أخرى حتى نضع أيدينا بشكل دقيق على مسببات المشكلة، كما سنتمكن من التفكير بطرق إبداعية لحلها.تقول هيلين كيلر: (عندما ينغلق باب السعادة ينفتح غيره إلا أننا نحملق في الباب المغلق لفترة طويلة تلهينا عن الانتباه لذلك الباب الذي فتح من أجلنا). وأنا أقول إن اندفاعنا في الحكم على الأمور واكتفاءنا بالتشخيص دون إعطاء أنفسنا برهة لتأمل المشكلة ومن ثم حلها، يجعلنا نبقى نحملق في الباب المغلق ونأسر أنفسنا ضمن قوقعة: «ماذا لو لم أفعل ذلك»… مدة طويلة تجعلنا لا ننتبه بل ننسى أنه قد يغلق باب ويفتح لنا ألف باب من الفرج والسعادة و..عسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم.

مهارة التأمل

والتأمل مهارة ذهبية لو وُظفت بالشكل السليم. ولكي أُكسبها طفلي أحتاج أن أكتسبها أنا أولًا، فالمربي القدوة هو خير مثال لإيصال الأفكار والقيم والأخلاق الحميدة لأبنائه، فالطفل إذا رآك تتأمل سيتأمل تقليدًا لك في البداية ثم إعجابًا ثم امتثالًا فيصبح التأمل جزءًا لا يتجزأ من شخصيته يستخدمه في حياته العامة ومع مشكلاته الدراسية والاجتماعية.

للأسف، الكثير إن لم يكن جميع المدارس في وقتنا هذا تستخدم الصمت كوسيلة قمعية ورمزٍ من رموز العقاب والتأديب عندما يختل توزان الأمور..مما جعل الأطفال بل حتى الكبار يعتقدون أن الصمت بالنسبة لهم يشكل وجود خطأ ما أو دلالة على ضعف الشخصية!

لذا دعونا نغمض أعيننا الآن ونتأمل في واقع تعاملنا مع مشكلات أبنائنا في التواصل الجيد مع أقرانهم ومعلميهم والمجتمع من حولهم، هل هي تسلك طرقًا صحيحة ومتزنة؟!

إن التسرع في أخذ القرارات، والاتكالية في حل المشكلات، وضعف الشخصية في مواجهة المجتمع كلها أعراض يمكن حلها بسهولة إذا ما اعتاد الابن على التأمل والتأني والتفكر فيما حوله، واستخدام استراتيجية أو أسلوب الصمت يعد طريقًا مضمونة – بإذن الله – لعدم تكرار الخطأ، بخلاف التسرع والاندفاع، فهو المطب الذي يسلكه الكثير من أبنائنا خصوصًا ونحن نعيش عصر السرعة والوجبات السريعة والألعاب السريعة، والحلول السريعة لكل ما يعترض طريقهم من هموم ومشكلات…فدائمًا هناك من يحلها لهم ويخرجهم منها دون عناء.

ولكي نحظى بجيل مُستقلٍ وصبور، ومتأن وصاحب قرارات ثابتة وصحيحة لابد لنا أن نعيد النظر في أسلوب تربيتنا لأبنائنا وأن نقف وقفة تأمل صادقة مع أنفسنا فليس عيبًا الاعتراف بالخطأ ولكن العيب هو الاستمرار فيه.

مونتيسوري والصمت

لقد نادت «ماريا مونتيسوري» في فلسفتها للطفولة المبكرة بضرورة الاهتمام بتفاصيل الطفل. ولكي يتم ذلك لابد من نظرة عميقة لأنسب الطرق وأفضلها لتنمية قدرته على حل المشكلات وتخطي الصعوبات دون تدخلٍ من البالغين، وعلى أساس هذه النظرية قامت بتصميم أدواتها لتحقيق هذا الهدف، وبالفعل نجحت نجاحًا باهرًا وحققت أرقامًا قياسية في تطور الأطفال ذهنيًا واجتماعيًا وسلوكيًا، خصوصًا عندما يتزامن العمل على أداوات مونتيسوري وفي قاعاتها الدراسية مع تحقيق الفلسفة الحقيقية للمنهج وهي العمل والإنتاج بصمت حتى يتسنى للطفل فرصة لاختيار عمله، والعمل به وتخطي الصعوبات التي تواجهه بصبر وهدوء وتأمل دونما الحاجة إلى مساعدة من أحد، ليصبح فيما بعد فردًا مستقلًا بذاته قادرًا ومن سن صغيرة جدًا على التكيف مع مجتمعه ومواجهة الصعوبات بذهن صافٍ ومتقد.

وقد سبقها إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي حديث جابر بن سمرة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصمت قليل الضحك». وقد قالت عنه عائشة رضي الله عنها في صفة الكلام: (وكان صلى الله عليه وسلم طويل الصمت. وكان عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام كثير السكوت لا يتكلم في غير حاجة ويعرض عمن تكلم بغير جميل. وكان صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيه. وكان صلى الله عليه وسلم نزر الكلام، سمح المقالة، يعيد الكلام مرتين ليُفهم. وكان صلى الله عليه وسلم كلامه كخرزات النظم، وكان يعرض عن كل كلام قبيح، ويكني عن الأمور المستقبحة في العرف إذا اضطره الكلام إلى ذكرها. وكان صلى الله عليه وسلم يذكر الله بين كل خطوتين).

ويكفي بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً وموجهًا للخير والصواب في تربيتنا لأبنائنا.

خطوات تطبيق فلسفة الصمت

ولكي نبدأ بتطبيق هذه القدرات نحتاج أولًا إلى قناعة ومن ثم مبادرة حقيقة لتطبيق خطوات فلسفة التأمل الذاتي للأطفال من سن 3 إلى سن 6 إلى 12 سنة:

المربي القدوة، إذ لابد أن يمارس المربي أو المعلم التأمل بشكل يومي ومنتظم.

في بداية التطبيق لابد من مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال ففترة بقاء طفل الثلاث سنوات لا تتعدى الثلاث أو الأربع دقائق في حين أن طفل الـخمس والست سنوات تتعدى إلى ست دقائق أو أكثر بقليل، لكن مع التدريب المبكر والمستمر فإن دقائق الصمت والتركيز التي يستطيع الطفل البقاء عليها تبدأ تزداد وهذه حقيقة من واقع تجربة.

الترغيب بـ «لعبة الصمت»

الترغيب بالصمت عن طريق لعبــة وتسمى لعبة الصمت، ويمكن ضرب مثال عليها لأطفال من سن 3 إلى 6سنوات: نجتمع سويًا فوق السجادة ونحضر ساعة رملية وأقول للأطفال ما رأيكم الآن سأقلب الساعة الرملية ولــنراقب الرمل الساقط من أعلى إلى أسفل دونما أن ننبس بكلمة ومن يتكلم يخرج خارج اللعبة. ونختار ساعة رملية تمثل ثلاث دقائق في البداية ثم 5 دقائق ثم 7 دقائق وهكذا.

وهناك لعبة أخرى ممتعة للأطفال وهي أن نصمت لمدة خمس دقائق ونستمع للأصوات البيئية في الخارج ونحدد ماهيتها و نوعها هل هي أصوات حادة أم ناعمة وما مصدرها.

في بداية تطبيق لعبة الصمت لابد من مراعاة الشروط التالية:

– أن يلعبها الطفل ضمن مجموعة ليحصل على مزيد من الدعم والإصرار والتنافس على الفوز بعدم التحدث.

– أن يراقب شيئًا ما أثناء ذلك مثال :الساعة الرملية وتساقط الرمل، حوض فيه أسماك حقيقية، حشرات صغيرة في علبة مثل نمل،نحل…إلخ.

– بعد الانتهاء من اللعبة يبدأ المربي بالإشادة بالأطفال الذين فازوا في اللعبة،ومن لم يفز اليوم، سيفوز في وقت لاحق عندما نعيد اللعبة مرة ثانية.

– ألا تستخدم عندما يختل توازن الفصل أو يسبب الأطفال فوضى حينها سيفهم الأطفال أنها عقاب لهم ولن تجدي نفعًا عند ذلك.

التدريب على الصمت

الآن جاء دور التدريب، فكما سبقت الإشارة إلى أن الصمت مهارة لابد من التدرب عليها حتى إتقانها ومن ثم توظيفها التوظيف الإبداعي الجيد، ولنجتمع مرة أخرى مع الأطفال ونقول لهم سألعب معكم لعبة الخيــال ما رأيكم أن تغمضوا أعينكم ثم تتخيلوا معي….وأبدأ أصف لهم أشياء جميلة يحبونها لمدة خمس دقائق وفي كل مرة نلعب معهم لعبة الخيال نزيد المدة حتى يعتادها الأطفال.

عند هذه الخطوة يفترض أن الأطفال يمارسون الصمت بشكل منتظم واعتادوا الكلمة والفعل معًا وأصبح بمقدورهم الآن أن يمارسوا الصمت والتأمل معًا.. كيف ذلك؟!

عندما نحضر الوجبة ونهم بالأكل…لـننتظر قليلًا ونتأمل في النعمة العظيمة التي بين أيدينا وجمالها وكثرتها ولــنتذكر أن هناك إخوانا لنا لا يجدون ما يأكلون…في هذه الأثناء لابد أن يوضح المربي للطفل أنه يحتاج أن يصمت ليستمع لك جيدًا وينظر إلى وجبته ووجبة أصدقائه حتى ينتهي من الوصف المعبر للمعنى جيدًا، ثم ينتهي من ذلك بتوجيه التأمل إلى ضرورة شكر الله تعالى على نعمه، وتقدير هذه النعمة والاعتناء بها.

هنا لابد أن أنادي بضرورة ممارسة خطوة التأمل هذه بشكل منتظم ومختلف أعني بذلك أن هناك وقفة تأمل كل يوم بشكل منتظم مع الأطفال لكن في كل يوم لنا وقفة مع مثال مختلف فيــوم مع الوجبة، ثم النملة، ورق الشجر، الهواء، المطر… وكل موقف يجد فيه المربي مناسبة للتأمل فليبادر به لإحيائه.

خلاصة الحديث أن للتأمل فوائد جمة لتحفيز الأبناء سألخصها بعدة نقاط:

– شكر الله على نعمه المختلفة والحفاظ عليها فالصمت عبادة من غير عناء.

– حب الله سبحانه وحسن تقديره.

– حل المشكلات سواءً الدراسية، أو المشكلات السلوكية كتشتت الانتباه وعدم القدرة على التركيز وباقي المشكلات.

– يمنح الصمت للطفل قدرة على توظيف التفكير بشكل سليم وإيجابي إذا ما دُرب عليه بشكل صحيح وأُتبع بتوجيه روحي وأخلاقي.

– السيطرة على النفس وضبطها عند التعرض لمشكلة.

– الصمت يضيف للطفل مقدرة على الاستماع والتحليل والإجابة الجيدة المتزنة وبالتالي سيحصل على احترام وثقة من حوله.

– التأمل ينمي عند الطفل القدرة على تذوق الجمال، وملاحظته في البيئة من حوله ومن ثم يصقل ذلك ذوقه العام.

– يمد الطفل بمقدرة كبيرة على ضبط النفس عند الغضب، والتدرب عليه يجعل منه جزءًا من كيانه الشخصي.

– يكفي الصمت قيمةً أنه يساعد على كظم الغيظ والحلم، يقول تعالى: }والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس{.

– الصمت، والتأمل، والتفكر، والصبر، تُمد الإنسان بمكارم الأخلاق المحمدية التي نسعى جميعًا إلى غرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، وليسهل عليهم تطبيقها إذا ما كبروا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم).

 

 

بقلم :   لمياء صالح الجربوع

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3776 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4152 0
خالد العرافة
2017/07/05 4692 0