لا تزال قضية «العلاج في الخارج» على رأس أولويات المواطنين الراغبين في مواصلة علاجهم خراج البلاد، بعد ما تعذّر عليهم استكماله في المستشفيات العامة والمتخصصة بالداخل.. ويجد الموضوع أهميته لتعلقه بصحة الناس، التي هي أغلى ما يملكه الفرد، وهو حق المواطن الدستوري في وطنه.
لكن اللافت في هذا الوضع، أن إدارة العلاج بالخارج في منطقة الصباح الطبية، لا تزال غارقة في الفوضى ومشاهد الطوابير الطويلة وغياب الإنجاز الخدماتي، وسط شكاوى عدة من غياب الرقابة والجولات الميدانية للإدارة، من قبل مسؤولي وزارة الصحة، وعلى رأسهم الوزير علي العبيدي.
ومما يزيد من معاناة المرضى وذويهم، طول المدة التي يقتضيها انجاز المعاملة الواحدة والتأشير عليها رسميا بالموافقة على إرسال المريض لتلقي العلاج بالخارج، أو رفضها.. وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية للمريض في حال عدم وصول الردود في الوقت المناسب.
وتسببت الاعداد المتزايدة للمراجعين، بالإضافة الى غياب التنظيم، في العديد من المشادات والمشاحنات بين الموظفين ومراجعي الإدارة، فيما عانى البعض من فقدان ملفات ذويهم، وتكررت هذه المشاهد وسط غياب لأي حلول من قبل الموظفين.
القبس جالت على إدارة العلاج في الخارج، وشهدت جانباً من الفوضى العارمة التي تعتريها، حيث أجمع عدد من المراجعين على أن الادارة تفتقر الى أبسط مقومات التطور والانجاز، وأن أعداد الموظفين لا تتناسب وحجم المراجعين الذين يتوافدون بكثافة متتالية ولا مع حجم المبنى الذي تقع فيه الإدارة، مطالبين بنقل «العلاج في الخارج» إلى مبنى آخر متكامل وبمساحة مناسبة.
تفاصيل الجولة في الأسطر التالية:
لحظة دخولنا الى مبنى إدارة العلاج في الخارج، رصدنا أعدادا غير قليلة من المراجعين، رغم أن عقارب الساعة كانت تشير إلى التاسعة والربع صباحا، أي قبل موعد بدء الدوام الرسمي بنحو 45 دقيقة. بعض هؤلاء المراجعين لم يتمكنوا من الجلوس نظرا لعدم توافر كراسي في الصالة المخصصة لاستقبالهم.
الانتظار وقوفاً
وفي هذا السياق، أكد المواطن سالم المطيري أن الادارة تشهد توافداً لاعداد كبيرة من المراجعين يومياً، في حين أن وزارة الصحة «تبخل» بتوفير استراحة وكراسي لجلوس المراجعين، وهو ما يؤدي الى تذمر وسخط شديدين لدى مرتادي الادارة، لا سيما مع وجود مراجعين يعانون أمراضا مزمنة ومستعصية ويصعب عليهم الوقوف لفترات طويلة، مبينا انهم يراجعون الادارة بهدف الحصول على الموافقات لاستكمال مرحلة العلاج في الخارج، وليس لزيادة حجم المعاناة عليهم، مطالبا بتذليل العقبات أمام المرضى ومرافقيهم بصورة سريعة، خاصة مع توافر التقارير الطبية المطلوبة واستكمال المتبقي منها.
مبنى صغير
وبالقرب من أحد المكاتب رصدنا طوابير طويلة تمتد من داخل مكتب اللجان التخصصية الى خارجه، وتحدث إلينا المراجع نايف سعد قائلا: انه من غير المنطقي وجود اعداد قليلة من الموظفين مقابل أعداد المراجعين المتزايدة بشكل يومي، ودون ايجاد اي حلول للظاهرة، موضحا ان التنظيم غير موجود بسبب عدم توزيع الارقام بانتظام على المراجعين، فضلا عن صغر حجم الادارة قياسا بإدارات ومؤسسات حكومية اخرى، مشددا على ضرورة انشاء مبنى آخر متكامل لها، حيث سيساهم الى حد كبير في انهاء معاناة المرضى ومرافقيهم، والقضاء على الدورة المستندية الطويلة، وانجاز المعاملات بوقت قصير.
مشادات
وفي قسم الطباعة، غصت الصالة المخصصة بأعداد المراجعين، حيث لم تكن هناك اي كراسي شاغرة، مع بدء العمل الرسمي للادارة، وعلى الرغم من تسجيل المراجعين لأسمائهم بورقة خارجية ووضعها على شباك الموظف المختص بمتابعة المعاملات، وذلك فور مباشرته للعمل، الا ان المشادات كانت سيدة الموقف، بعدما اتهم مواطن موظفاً بأنه وراء فقدان ورقة مهمة من ملفه الطبي، الأمر الذي نفاه الأخير، وتدخل العقلاء ومنعوا تطور الأمور.
وقال المواطن حمد النفيسي، إن المشادات والمشاحنات عبارة عن مشاهد يومية بالادارة، بسبب الاعتماد على نقل الملفات وتداولها يدويا، دون طرح أي أفكار لاعتمادها الكترونيا، حيث تنتهي المشاكل التي تتعلق بفقدان الملفات الخاصة بالمرضى ومرافقيهم حينها، لاسيما مع وجود تقارير طبية مهمة قد تكون غير متوافرة لدى المريض، الذي لم يتمكن من تصويرها، لافتا الى ضرورة مواكبة الادارة للتطور التكنولوجي العالمي في مجال نظم المعلومات، لضمان إنهاء معاناة المراجعين والقضاء على الطوابير الطويلة.
ملفات مضاعة
ولم تختلف الأوضاع السيئة في قسم الطباعة، عنها في قسم الملفات. فالزحام على أشدّه أيضا والأصوات عالية وتنذر بوقوع عراك، بعد تبادل اتهامات بتضييع ملفات لمرضى، جرى تداولها بين موظفين ومراجعين.
ويرى المراجع، يوسف البادي، ان الادارة تحتاج الى نفضة شاملة تشمل كل اقسامها، مبينا ان المرضى تزداد معاناتهم لدى مراجعة الادارة منذ الصباح الباكر، مشيرا الى أن الوقوف في قسم واحد قد يستغرق أكثر من ساعة دون إنجاز حقيقي على مستوى معاملة المراجع، مبينا ان الروتين الممل هو السمة السائدة في أجواء الإدارة. بالاضافة الى تعقيد انجاز معاملات المراجعين وكثرة التنقل في أروقتها، لضمان الحصول على كتاب أو موافقة أو غيرها من الاشتراطات التعجيزية للموظفين، مؤكداً ان ضياع الملفات والمراسلات هو من أهم الصعوبات والعراقيل التي تواجه المرضى، حيث يضطرون الى اعادة صياغة المراسلات الطبية مجدداً، لضمان عرضها على اللجان الطبية أو لجنة التظلمات، وانتظار الحصول على الموافقة من عدمه.
وأوضح المراجع سامي البدر ان الادارة تشهد تأخيرا غير مبرر للمعاملات، بسبب سياسة الأبواب المغلقة من قبل المسؤولين، وهو ما يعطل إنجاز المعاملة، بسبب رفض لجنة التظلمات للتقارير التي قدمها قبل فترة، مشيرا الى ان التنقل من مكتب لآخر يكلفه الوقت والجهد دون الخروج بأي نجاح ملموس على مستوى المعاملة، لاسيما في ظل عدم السماح لابنه بالعلاج في الخارج، رغم عدم توافر العلاج له بالمستشفيات العامة وسوء حالته الصحية.
تعذيب كبار السن
المواطن خالد عبدالسلام يرى ضرورة الاعتناء بكبار السن وأصحاب الأمراض المستعصية، والعمل على تسهيل إجراءاتهم. مضيفاً أنه لا بد من الإسراع في إنجاز معاملات بعض المراجعين من المصابين بأمراض مثل الصرع والأورام السرطانية والفشل الكلوي والصداع المزمن وأمراض أخرى تؤثر على حياتهم في حال عدم تداركها سريعاً، مشدداً على أهمية تطبيق الرقابة على مستوى الموظفين وأدائهم داخل الإدارة وطريقة تعاملهم مع المرضى، وقياس مستوى إنجازهم للمعاملات.
وفي قسم الوارد والصادر، تكررت مشاهد الطوابير وغياب التنظيم، والروتين الممل، وأكد مراجعون أن أغلبية المرافق الصحية تتوافر فيها الأولوية في تقديم المعاملة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، عدا إدارة العلاج بالخارج، حيث تغيب هذه الأولوية، وهو ما يتحمله المراجع والموظف معاً، مشيراً إلى أن الجميع يحرص على إنهاء معاملته أولاً، فيما يتم تناسي هذه الشريحة المهمة التي تعاني من بعض الأمراض، كما أنها تحتاج إلى معاملة مناسبة، وإنجازها بصورة أسرع، مضيفاً أن ضيق مساحة الإدارة يساهم إلى حد كبير في ايجاد الزحام البشري اليومي وزيادة المعاناة بالنسبة للمراجعين والمرضى، والموظفين أيضاً.
نواب.. ضيوفٌ دائمون على الإدارة
يقول المواطن خالد عبدالسلام إن عملية التنظيم شبه غائبة في إدارة العلاج بالخارج، مشيراً إلى أن الأولوية في إنجاز المعاملات تكون لمن لديه واسطة، خصوصاً إذا كانت الواسطة نائب بمجلس الأمة. وأكد عبد السلام أن أعضاء البرلمان يتوافدون على الإدارة بصورة شبه يومية، لإنجاز معاملات أقاربهم أو معارفهم أو أبناء دوائرهم الانتخابية، ويترك المواطن العادي يعاني، مشدداً على ضرورة عدم التفرقة بين المواطنين بالإدارة، لا سيما من أصحاب الحالات الصحية الخطيرة التي لا تحتمل عملية نقلها إلى الخارج أي تأجيل.
أين جولات الوزارة؟
طالب مراجعون قياديي وزارة الصحة، وعلى رأسهم الوزير علي العبيدي والوكيل خالد السهلاوي، إجراء جولة ميدانية تفقدية «مفاجئة» على أروقة الإدارة، بهدف تسليط الضوء عن كثب على أبرز السلبيات والمعوقات التي يعاني منها المراجعون، فضلاً عن طول الدورة المستندية والروتين الممل بداخلها، حيث إن المشاكل تزداد تعقيداً والحلول غائبة.
غياب الردود.. والشفافية
حرصت القبس على إجراء أكثر من اتصال مع مدير إدارة العلاج بالخارج بالإنابة د. مبارك القبندي للحديث عن الطوابير الطويلة والزحام البشري وظاهرة فقدان الملفات داخل أروقة الإدارة، إلا أنه لم يقم بالرد على محررها لأسباب غير معروفة وبعيدة، أيضاً، عن تصريحات مسؤولي الوزارة بشأن تعاملها بكل شفافية مع وسائل الإعلام المقروءة والمرئية!
موقع بديل
أجمع مراجعون على أن إدارة العلاج بالخارج تقع في مكان سيئ جداً وتحيط بها أكثر من إدارة أخرى تابعة لوزارة الصحة، كالمجلس الطبي وإدارة تفتيش الأدوية وإدارة نقل العدوى وغيرها، مشيرين إلى أهمية إنشاء موقع بديل وعلى مساحة أكبر، لضمان إنهاء معاناة المرضى ومرافقيهم.
المصدر : عبدالرزاق المحسن \ جريدة القبس