إذا كان هناك 20 مليون يمني يحتاجون الى مساعدات إنسانية، بحسب تقارير وكالات الأنباء، أي %80 من المدنيين، فماذا عن الأيتام والمعاقين؟ وماذا عن جيل سينشأ البعض منه مشوها أو معاقا بفعل الحرب؟
أسئلة قادتنا الى من يطلق عليها في اليمن «أم الأيتام»، وهي السيدة رقية الحجري التي تتولى مسؤولية أكثر من 600 يتيم ويتيمة، كـ«وجه في الأحداث».
ما جعلنا نتوقف عند هذا الإسم والمؤسسة التي تشرف عليها وهي «دار الرحمة»، ان جزءا كبيرا من رأسمال المصروفات تقريبا يأتي من الكويت ومن محسنين ومحسنات، وكأنها صرح كويتي أنشئ في صنعاء الى جانب صروح أخرى سبقته منذ زمن، كما أوضحت لنا «سفيرة الخير الكويتية» في اليمن، معالي العسعوسي التي لها أياد بيضاء في هذا البلد العربي الشقيق، أرشدت معظمهم للتبرع لهذه الدار.
تفرغت السيدة رقية لهذا العمل منذ 12 سنة، جاءت من اسرة ميسورة جدا، لكنها نذرت نفسها وحياتها للعمل من أجل الأيتام وصارت تعرف في عموم اليمن بـ«أم الأيتام» كما هي «أم المكفوفين» فاطمة العاقل.
تتحدث عن الأيتام كما تتحدث الأم عن أبنائها، وبلهفة الخائف على حياتهم أثناء الحرب الدائرة هناك، أبلغتنا أنها تمر بأيام عصيبة، ومن يعش في الدار ينتابه الرعب من شدة القصف، وفي منطقة «الأصبحي الجديد» حيث تهتز المنازل وهو ما دفعها الى أن تضع الأيتام في غرف النوم بالسرداب.
على الرغم من اختفاء وسائل النقل العام إلا أنها اضطرت لأن تستأجر مباني مؤقتة وشبه ريفية لإيواء 150 يتيما ويتيمة في منطقة السحول، وإن كانت هذه المساكن غير مهيأة في حين كان الوضع في «تعز» أصعب بكثير من صنعاء، المهم عندها أن أحدا لم يصب بأذى.
أم يونس، تسهر على حياة أكثر من 1100 من الأيتام، فلا كهرباء ولا ديزل ولا حتى مياه، إلا بحدود الكفاف، حيث اضطرت لأن تضع «280 لايت» في غرف الدار، ووزعت في كل غرفة «لايت»، وهي تعاني كل يوم من صعوبة تأمين الغذاء ومتطلبات العيش، من أجل أن يبقوا أصحاء وسالمين.
لم تكن السيدة رقية الحجري بعيدة عن الكويت، بل هي حاضرة ومشاركة وسبق أن قامت بزيارات وبدعوات للمساهمة بمؤتمرات خيرية دعت إليها المبرات والهيئات الرسمية، وعندما تلتقي بأحد تتحدث وبثقة عن الكويت ورجالاتها ونسائها ومحسنيها، داعية الجهات
الخيرية الى تبني مشاريع لمساعدة الأيتام، ولها مجالات للتعاون مع الهيئة الخيرية العالمية ومجموعة المزن التطوعية عبر جمعية الشيخ عبدالله النوري الخيرية وغيرها من الهيئات.
امتلكت خبرات متقدمة، بحيث طورت من مفاهيم النظرة إلى الأيتام، فالمجتمع اليمني تعوّد على ان تكون اليتيمة في ظل أسرة، ولكن ليس من أجل ان تعامل كابنة، بل كـ«خادمة» معرضة للتشرد، وعندما افتتحت المشروع كان الناس متخوفون ان تلحق اليتيمة بالدار، ومع الوقت تقبّل المجتمع الفكرة.
أضافت الى رعاية الأيتام، رعاية المشردين، والأطفال الذين تخلّى عنهم آباؤهم وأمهاتهم ويهيمون في الشوارع، ومشروعها الجديد يستهدف الذين فقدوا فعلا من يعيلهم، واليتيم كما تعرّفه هو ليس من فقد أباه بل من تخلى عنه أبواه.
تراهن كثيراً على فكرة الوقف من أجل استمرار المشروع، وتعمل بكل جدية على إقامة مشروع استثماري وقفي، وهو قطع شوطاً لا بأس به، فمن وجهة نظرها ان دولة الإسلام لم تنشأ الا من خلال الوقف، ولذلك تعمل على اعادة دور الوقف في بناء الأمة، على ألا تنقطع الأموال يوماً ما عن المشروع.
السيرة الذاتية
رقية عبدالله الحجري.
أرملة فضل الحلالي وأم لولدين وبنتين.
حاصلة على شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة صنعاء 1993.
عملت في جمعية الاصلاح الاجتماعي عام 1990 وشغلت موقع أمينة عام القطاع النسائي لغاية 2003.
أصدرت مجلة أسمتها «الشقائق» عام 1996 وتولت رئاسة التحرير، بدأت بألف نسخة ووصلت الى 15 ألفا شهريا.
عضوة في نقابة الصحافيين اليمنيين واتحاد الصحافيين العرب.
عملت موجهة في وزارة التربية والتعليم وفي مجال الاخصائيات النفسيات.
أنشأت عام 2001 مؤسسة الرحمة للتنمية الإنسانية.
آلية العمل
مؤسسة الرحمة للتنمية الإنسانية مؤسسة غير ربحية، أول مشروع لرعاية الايتام في اليمن، تطورت آلية العمل فيها لتصبح «مؤسسة الرحمة للتنمية الإنسانية»، هدفها تحقيق مبدأ الطفولة الآمنة، والاسهام في التخفيف من نسبة الانحراف والبطالة وتأثيراتها في المجتمع.
تزويج 16 يتيمة
تم تزويج 16 فتاة الى الآن، وعندما يحصل تعارف يسألون عن الشخص المتقدم، ان كان صاحب خلق ودين، ولديه القدرة على تحمل مسؤولية بيت، ولديه مؤهل ووظيفة، يقوم بدفع المهر والمؤسسة تشتري به ذهباً للعروس، وتتكفل بالكسوة وبقية تكاليف العرس، وتتعامل مع الفتاة كأسرتها تماماً.
الأولى على مستوى اليمن
مؤسسة رائدة في مجال رعاية الأيتام، تقدم خدماتها من خلال مجموعة من الاسماء! دار الرحمة لرعاية وايواء اليتيمات، دار الفرسان، دار سنان أبو لحوم، دار الوفاء لرعاية وايواء اليتيمات في تعز، ودار هند لرعاية وايواء اليتيمات، تضم أكثر من 1100 يتيم ويتيمة، منهم 450 في السكن الداخلي، و650 في حضانة الأسر.
سهم خيري وخدمات
أطلقت دار الرحمة مشروع السهم الخيري، الذي يقوم على استقطاعات شهرية ثابتة، كسهم وقفي يدخل في أي مشروع استثماري، أما الخدمات التي تقدمها فهي: رعاية الايواء الشامل والرعاية التربوية والتعليمية والصحية والتدريب، وصرف مكافآت مالية كل شهر.
{حبيبتي مريم}
■ روت في أكثر من مناسبة «قصة حبيبتي مريم»، التي كانت بمثابة نقطة تحول في حياتها، فمريم طفلة مجهولة الأبوين، احتضنتها ممرضة تعمل في أحد المستشفيات اسمها «أسماء» ورعتها طوال 12 سنة، لكن أسماء أصيبت بالسرطان وأبلغت الطفلة حقيقة أمرها، وباتت مريم في عالم الضياع وخرجت الى الشارع ومن منطقة الى أخرى، الى أن وقعت يوما بفعل العطش وأدخلت المستشفى ويتم الاتصال بالشرطة، بدورها تتصل الشرطة بالسيدة رقية وكانت تعمل كأمينة عامة، في القطاع العام بجمعية الاصلاح الاجتماعي، ومن ذاك الوقت ولدت الفكرة والمشروع بإنشاء دار للأيتام، بعد أن نشرت القصة كاملة في مجلة الشقائق التي ترأس تحريرها بعنوان «حبيبتي مريم»، ليتقدم إليها أكثر من متبرع لمساعدتها.
المصدر : حمزة عليان \ جريدة القبس