من بين كل سكان القرية تستطيع أن تميزه ربما لا تلحظ اختلاف طريقة سيره عن الآخرين لأن الجهاز الذى استعاض به عن ساقه اليمنى من النوع «الجيد».. غالى الثمن.. لا يستطيع الكثيرون شراءه.. ربما لهذا السبب اتخذ قراره بمساعدة كل فقير.. لا يرد من قصده من ذوى الاحتياجات الخاصة.. أو غيرهم من أهله وناسه..فى محافظته البحيرة.. أو حتى فى الإسكندرية مكان إقامته وأعماله.. لا يخجل أبداً أن يفصح عن تفاصيل حياة الفقر التى مر بها فى طفولته بل يفتخر أنه بنى نفسه بنفسه وأصبح رغم إعاقته من كبار رجال الأعمال الناجحين ولا يترك مناسبة إلا ويؤكد أن لكل محتاج نصيباً فيما يملك..
إبراهيم محمد على سعد، رئيس لجنة تحدى الإعاقة بالبحيرة، استطاع أن يرسم واقعاً لنفسه يمثل حلماً لكثيرين ممن مروا بمثل ظروفه.
فى حديثه.. فيض عطاء.. وإحساس صادق وفخر بماض كان دافعاً قوياً لنجاحه..
سألت إبراهيم سعد عن مشكلته مع الإعاقة وكيف تغلب عليها.. فقال: كان عمرى 12 عاماً وكنت بالمدرسة الابتدائية ووقع لى حادث صدمنى جرار زراعى مما استلزم بتر ساقى اليمنى كان حادثاً صعباً جداً على نفسى وعلى أهلى لكننى لم أيأس.
> من كان له الدور الأكبر فى تخطى هذا الحادث؟
– بصراحة والدتى رحمها الله كانت أماً مصرية أصيلة ومؤمنة وحكيمة جداً وكان قلبها كله حنان وأتذكر أنها قالت لى وقتها يمكن الحادث دى بداية خير لك.. والله وحده أعلم.. اللى جاى أحسن إن شاء الله.. ومن وقتها كل ما أمسك حاجة بإيدى أنجح.. كل ما أمشى خطوة أنجح..
> وكيف أكملت دراستك؟
– بصراحة تركت المدرسة ونصحتنى أمى أن أتعلم صنعة أنفع لى.. لأن نفسيتى تعبت فى المدرسة وكنت أشعر بأنى مختلف لأنى تعودت أن أجرى وألعب وأساعد والدى فى الزراعة.. لكن بتر ساقى وقف حائلاً دون أن تستمر حياتى كما كانت وكان على أن أغير حياتى.. وبالفعل تعلمت الخياطة واشتغلت «ترزى» والتحقت بالعمل فى عدة مصانع.
>الدخول إلى عالم ذوى الإعاقة أمر ليس سهلاً!
– بالفعل احتاج الموضوع لجهد وتعاون كل من حولى وخاصة أمى التى صنعت من مأساتى قصة نجاح.. وشعرت بمرور الوقت أن شخصيتى تقوى وكانت دائماً تقول لى لا تيأس من رحمة الله واجعل إيمانك كبيراً لأن اليأس يجر الفشل وأن الله إذا قطع شيئاً وصل شيئاً آخر.
وانطلاقاً من هذه المبادئ بدأت مشوار كفاحى وحالفنى النجاح بإذن الله وأعاننى بفضله على مساعدة والدى ووالدتى إلى أن توفاهما الله وشعرت براحة الضمير لأننى لم أدخر وسعاً فى رد الجميل لهما..
> هل واجهت صعوبات فى الارتباط وتكوين أسرة؟
– لا أنكر أننى كنت أخاف أن تقابل طلبات ارتباطى بالرفض نظراً لإعاقتى لكنى الحمد لله ربنا وفقنى ولاقيت بنت الحلال من أول مرة وهى إنسانة محترمة أعتبرها أكملت مشوار أمى وأعطتنى الحافز للتفوق فى حياتى العملية والاجتماعية.. وأنعم الله علىّ بأسرة هى ثروتى الحقيقية وأبنائى فى الكليات والمدارس وناجحون ومتفوقون.
> وماذا تقول للشباب الذين يشاء الله أن يصابوا بإعاقات فيحبطون؟
– أقول إن الإعاقة حافز للنجاح ولدينا نماذج لا تعد ولا تحصى من ذوى الإعاقة الذين حققوا نجاحات فى المجالات العلمية والعملية والتجارية وأقول أيضاً إن الفقر إذا كان مصاحباً لأحد فى مرحلة فى حياته فإن الكفاح والصبر والإيمان يبدل الأحوال وقد تجد النعم تنهال عليك.. الأهم من ذلك أن الإنسان يعطى مما منحه الله.. يعطى الأمل والمال ويساعد لأن هذا واجب وهذا بالضبط ما أشعر به وأن أساهم فى أى مشروع فى قريتى شبراخيت البحيرة.. سواء فى بناء المدارس والمساجد أو المشروعات والمرافق حتى الدورات الرياضية رعايتها تعتبر إعانة للشباب وهو حق علىّ لأهلى وأحبائى.
> ما أكبر مشكلة تواجه ذوى الاحتياجات الخاصة فى مصر وخاصة ذوى الإعاقات الحركية؟
– بشكل عام هناك تقصير فى حق ذوى الاحتياجات الخاصة سواء فى الرعاية الصحية أو التعليم الملائم.. وأتساءل دائماً: لماذا لا يعامل ذوو الإعاقات مثل أى مواطن آخر له حقوق فى هذا البلد، فإذا كنت أنا مثلاً أقدر على تكاليف علاجى وعلاج أبنائى فغيرى ملايين لا يستطيعون، أما قصة العمل فهى على قدر كبير من الأهمية وكثير من الشركات والمصانع لا تلتزم بتشغيل نسبة الـ5٪ معاقين، أنا شخصياً أعيد أكثر من هذه النسبة بكثير لأنى أعلم معنى أن يكون الإنسان معاقاً ويحتاج إلى عمل.. وكثير من الشباب من ذوى الإعاقة لديهم قدرات فائقة على العمل ولديهم طموح وأحلام يرغبون فى تحقيقها والمعاق يريد أن يثبت أنه قادر ومنتج «مش بياخد حسنة».
> لا تريد أن تتحدث عن مساهماتك ومساعدتك لذوى الاحتياجات لكنك تريد أن تصل رسالة معينة.. ما هى؟
– أولاً أنا لا أسميها مساعدات بل واجبات وكثير من ذوى الاحتياجات الخاصة ظروفهم سيئة لكنهم لا يفصحون.. ولأننى عانيت فى صغرى لا أريد أن أرى أحداً يحتاج لشىء، وعلى سبيل المثال فإن الجهاز السابق التعويض بـ9 آلاف جنيه النوع الجيد أما الذى تصرفه الحكومة ردىء وخاماته تضر الساق والمعاق عندما يعطيه حقه ومعها الثقة ويتحمل مسئولية يعطى أكثر من غيره لأنه يريد أن يؤكد أنه منتج وليس عبئاً لا على أسرته ولا على المجتمع، لكن هناك حقيقة مؤكدة هو أن ذوى الإعاقة مهضومة حقهم فى السكن والتعليم والصحة.. وغيرها وهذه هى قضيتى الأولى التى أريد أن أترشح للبرلمان القادم من أجلها حقوق ذوى الإعاقة مثلما نجحت فى حياتى أريد أن ينجح كل معاق فى الحصول على حقه.
> هل ستسعى لاستصدار قوانين تساعد ذوى الاحتياجات على نيل حقوقهم حال نجاحك فى دخول البرلمان؟
– القوانين موجودة نريد تفعيلها.. لسنا بحاجة إلى مزيد من القوانين التى لا نراها على أرض الواقع.
> جهات عديدة تتحدث عن حقوق المعاقين لكن قليل منها الجاد.. وللأسف بعضها يتربح من أوجاع ذوى الإعاقة.. ما تعليقك على ذلك؟
– للأسف العمل من أجل ذوى الإعاقة لدى الكثيرين نوع من الوجاهة الاجتماعية، وهناك العديد من الشخصيات والهيئات والجمعيات تتخذ من قضايا ذوى الإعاقة ديكوراً تتجمل به لكن هناك كيانات جادة فى العمل من أجلهم.. وهناك مؤسسات عريقة وعلى رأسها حزب الوفد يعطى هذه القضية اهتماماً صادقاً نابعاً من كونه ضمير الأمة فلدينا فى حزب الوفد لجنة كبيرة لتحدى الإعاقة تضم نخبة من الرجال والنساء والشباب والشابات نستطيع بحق أن نؤكد أنهم ذوو قدرات وضمائر يعملون كخلية نحل من أجل نيل حقوقهم وحقوق 15 مليون معاق يعملون جميعاً فى كافة الاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويرعون المواهب بل ينقبون عنها ويعملون على تشغيل الشباب كما أن لنا لجاناً فرعية لذوى الاحتياجات الخاصة بالمحافظات تصل إلى كل معاق فى كل مدينة وقرية تحاول أن تكون قناة وصل بينه وبين الجهات المعنية.. كما أننا نعمل فى اللجنة الرئيسية واللجان الفرعية من خلال خطط طويلة وقصيرة الأمد على نشر الوعى الثقافى والسياسى بين ذوى الإعاقة وخاصة مع اقتراب البرلمان الجديد الذى يأتى بعد ثورتين من أهم الثورات الإنسانية على مر التاريخ وهذا كله تحت مظلة الحزب الأكبر والأعرق حزب الوفد برجالاته وقياداته الذى يملك قلوب المصريين عبر سنوات طويلة فى تاريخ البلاد فهو بحق بيت الأمة وضميرها اليقظ.
المصدر:
/ جريدة الوفد .