تطلق كلمة الإعاقة على الشخص الذي لا يعمل تفكيره، وليس على الإنسان الذي يمنعه مرض معين من الحركة، ولعلّ «ستيفين هوكينغ» صاحب أشهر النظريات العلمية في الفيزياء الفلكية خير نموذج للرجل الذي تحدى مرض «التصلب الجانبي» وقرر التركيز على اختصاصه رغم أن هذا المرض هو من الأمراض المميتة التي لا يعيش صاحبها أكثر من سنتين بعد إصابته بها.
«أسماء» فتاة شابة مصابة بمرض الشلل الدماغي حتى بيديها، ومع ذلك لم تقف عند حدود إعاقتها بل تابعت دراستها وتخرجت في جامعة دمشق قسم اللغة العربية، لكنها وبسبب مرضها لم تستطع العمل بأي وظيفة في الدولة رغم أن المرسوم (34) الذي أصدره السيد الرئيس يجيز توظيف 4% من ذوي الاحتياجات الخاصة، فلم تسمح لنفسها الجلوس من دون عمل وبدأت بصنع الاكسسوارات التي أبدعت بصناعتها وأصبحت تبيعها لصديقاتها وأقربائها وتشارك بها في كل المعارض الخيرية التي تقام في دمشق.
«أسماء» هي واحدة من طالبات معهد التربية الخاصة للمصابين بالشلل الدماغي، المعهد الذي يقدم خدماته التربوية والتعليمية للطلاب المعوقين سواء عبر التعليم المهني، أم الأكاديمي بأقصى ما يمكن من التدريب الذي يحتاجه المستفيدون حسب استعداداتهم وإمكانياتهم.
ولأن هناك من يهتم بهذه الطاقات ويرعاها كان لابد من لقاء الاختصاصية النفسية السيدة «رابعة» التي تكرمت بالرد على جميع أسئلتنا حول تلك الرعاية والخدمات، لكنها بالبداية قالت: إن هناك صورة مغلوطة عند الناس بين المعاقين وبين المتخلفين ذهنياً، فالنظرة في مجتمعاتنا إلى ذوي الاحتياجات الخاصة أنهم أناس غير طبيعيين، والحقيقة أنهم ليسوا كذلك خاصة أن هناك نماذج ممتازة منهم، لكن ذلك يعتمد في النهاية على نوعية الإعاقة، فهناك الأشد وهم المتخلفون عقلياً، والوسط القادرون على العمل مثل المكفوفين، وشديدي الإعاقة الذين تؤمن لهم الدولة رواتب شهرية.
ثم أضافت: إن المرسوم (34) أجاز توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة لكنه لم يُلزم ذلك، ومن هنا صار قسم كبير منهم خارج العمل رغم أن لدينا أعداداً مهمة وكبيرة من خريجي الجامعات والحاصلين أيضاً على الدكتوراه.
«خالد» شاب أعمى حاصل على شهادة دكتوراه بمادة التاريخ، وقرر الذهاب إلى الجامع للصلاة، وحين وصل أحس بجميع الذين اقتربوا منه يضعون نقوداً في يده. كانت تلك الحادثة كافية بالنسبة له كي لا يعود ثانية إلى الجامع وصار يصلي في بيته، حيث اعتبر أن تلك الإهانة التي تعرض لها لا تجيز للناس الحكم عليه كمتسول لأنه لا يرى.
مازالت نظرات الشك تنتاب الناس في رؤيتهم لذوي الإعاقة وقدرتهم على القيام بأي عمل وذلك بسبب النظرة السلبية لهم على أنهم غير قادرين على الإنتاج.
السيدة «رابعة» علقت على هذه النقطة بالقول: نحن نحتاج لزمن، وقوة، وتضافر جهود بين مراكز الإعاقة التي نعمل فيها لإظهار الشخص المنتج منهم، وللأسف نحن نشاهد تفرقة واضحة في التعامل معهم حتى في مدارسنا وجامعاتنا، ولذلك وما دمنا لا نحاول تقريب وجهات النظر بيننا وبين المعوقين فإننا لن ننجح في تغيير نظرة الناس لهم.
إن المعهد يقوم بالتعليم والتدريب وتنمية المهارات، ويسعى في ذلك حتى لو أخذ المريض وقتا طويلاً للتعلم، وهناك مراكز كثيرة في الدولة تهتم بدمجهم في المجتمع، وإعدادهم ليكونوا أفرادا صالحين، منتجين ومبدعين من خلال تقديم الدراسة وتعليم المهنة لكل راغب علم منهم مثل المركز المهني للمعوقين، ومدرسة المكفوفين، ومدرسة الأمل، ومركز الصم والبكم.
في مجتمعاتنا العربية ونتيجة لهذه النظرة السلبية للمعوقين يلجأ بعض الأهالي من ضعاف النفوس إلى استغلال التعاطف معهم ونقله إلى الشارع لإظهار إعاقة أطفالهم طلباً للمساعدة المالية.
«سارة» صبية صغيرة تعاني من إعاقة حركية يجرها أبوها بواسطة كرسي متحرك ويتسول بشكل خاص بالقرب من الإشارات الضوئية طالباً المساعدة المالية من أجلها.
«أم محمود» سيدة أربعينية تقف دائماً أمام أبواب المستشفيات وبيدها تقرير طبي يثبت أن توءمها الذكرين يعانيان من إعاقة عقلية شديدة وتحتاج للمساعدة لتتمكن من إعالتهما.
هذه الظاهرة تزداد بشكل ملحوظ مع اقتراب شهر رمضان المبارك، وعنها تقول الاختصاصية النفسية إنها صحيحة للأسف رغم مبادرة الكثير من الاختصاصيين النفسيين التطوعية لمنعها من خلال التحدث مع ذوي الأطفال المعوقين، أو حتى مع أصحاب الإعاقة أنفسهم الذين يلجؤون إلى فعل ذلك بسبب الربح السريع الذي يحصلون عليه من الناس، لكن دون فائدة وخاصة أن القانون يردع مثل هؤلاء عن مزاولة التسول.
واقع المعوقين في سورية ازداد سوءا أثناء الحرب المستمرة منذ أربع سنوات وأغلبها بسبب قذائف الهاون والشظايا الناتجة عنها وما تسببه من بتر وإعاقات حركية متنوعة، وقد قل الاهتمام بهم في فترة الأزمة حيث كانت المدارس متوافرة إلا أن أغلبها قد أغلق وخاصة في المحافظات الساخنة المعارك.
ولدى سؤالنا لمدير المعهد عن التحديات التي واجهوها مع المعوقين خلال فترة الأزمة أكد أن أكثر ما يقلق المعوّق حركياً، هو تعرّض المحيط الذي يسكن فيه لقصف أو لاشتباكات مسلحة، لأنه يعجز عن الحركة في مثل هذه الظروف وخاصة أنه لا توعية مناسبة عند الأهل بالتحديد لتدريب أبنائهم على إجراءات السلامة في ظروف الحرب.
من جهتها، تقول الاختصاصية النفسية: إن معظم المعوقين من الأسر الفقيرة التي تسكن في أماكن بعيدة عن المدينة وعن المعهد ما يجعل قدومهم لطلب العلم والتدريب مستحيلاً.
ولدى سؤالها عن النسبة التي تتوقعها إحصائياً لعددهم قالت: إن العدد لم يعد معروفا الآن بسبب عدم وجود إحصائيات أثناء الحرب، لكن حسب المكتب المركزي للإحصاء فقد كانت نسبتهم في عام 2000 نحو 10%، لكن في ظل الظرف الحالي فإن نسبتهم قد ازدادت حتما.
الاختصاصي الفيزيائي في المعهد قال إن هناك حصة يومية تخصص للعلاج الفيزيائي وهي أساسية في منهاج التعليم في المعهد، وأكد أن العلاج يبدأ منذ الطفولة ويتابع حتى مرحلة الشباب ليصبح المعوق قادرا على الاعتماد على نفسه، ويتم تقديم الكثير من المساعدات للأهالي لتعليم أبنائهم على إتمام المعالجة في البيوت، وتعتمد المعالجة حسب نوع الإصابة بدءا من الخفيفة حيث تكون النتائج العلاجية جيدة، وصولا إلى المتوسطة التي يتم استعمال أجهزة لمساعدة المريض على التحسن فيها سواء في الحصة المدرسية أو في البيت بعد عودته، وانتهاء بالشديدة حيث تكون المعالجة باستخدام أجهزة خاصة ومعينة لمساعدته على الجلوس أو الوقوف أو تقوية جذعه.
أما عن كيفية تفادي إنجاب أطفال ذوي إعاقة فقد أكد الدكتور «داني عمر» اختصاصي أمراض الأطفال أن ذلك يبدأ بفحص ما قبل الزواج أو الحمل، والابتعاد قدر الإمكان عن الزواج من الأقارب، والوقاية أثناء الحمل والولادة وما بعد الولادة عن طريق متابعة نمو الطفل وتطوره والكشف الدوري في السنتين الأوليين من عمره، والاهتمام الشديد بعدم ارتفاع حرارته إلى درجة عالية ما يسبب التهاب السحايا الذي يؤثر في إحدى الحواس، والاهتمام بأخذ اللقاحات بأوقاتها وخاصة في ظل الظرف الذي نعيشه وعدم توافر هذه اللقاحات في أماكن المعارك، لكن الأهم دائماً هو الاكتشاف المبكر لجميع الإعاقات سواء كانت حركية، أو سمعية، أو بصرية، أو خلقية من خلال المتابعة الدقيقة مع الطبيب المختص، والاهتمام بتحليل هرمون الغدة الدرقية من اليوم الأول من ولادته حتى اليوم السابع لأنه يقي الطفل من التخلف العقلي مستقبلاً.
الإعاقة هي حافز لتحقيق النجاح ومجابهة التحديات، وكما يقال: كل ذي عاهة جبار، ومن أجل ذلك هم يبذلون مجهودا كبيراً لإظهار قدراتهم ونجاحاتهم، وعلينا نحن أن نبذل جهدنا لتشجيعهم على تميزهم، وأن نحاول أن نراهم بطريقة مختلفة.
المصدر: إيمان أبو زينة / جريدة الوطن .