لأنها تؤمن بأن المرأة الأردنية ريادية وقيادية وقادرة على التغيير في المجالات كافة، تحدت آسيا ياغي الكثير من المعوقات في حياتها، وفتحت الأبواب الموصدة بالأمل والنجاح وتحقيق الأهداف، لتثبت للجميع أن باستطاعتها أن تكون امرأة استثنائية وقوية لها علامة بارزة في مجتمعها.
ياغي لم تجعل نظرة المجتمع يوما عقبة في طريقها، فجعلت من إعاقتها دافعا أكبر للنجاح والتفوق، لأنها تؤمن بقوة شخصيتها، ولديها ثقة عالية بنفسها، زرعها والداها في شخصيتها منذ نعومة أظفارها.
كل ذلك الإصرار الذي يلمع في عينيها أوصلها لأن تكون الآن رئيسة جمعية “أنا إنسان” التي تختص بالدفاع عن حقوق ذوي الإعاقة، وعضوا فاعلا في جمعيات دولية ومحلية عدة، ومن بين أقوى 57 امرأة ذات إعاقة على مستوى العالم، وفق التقرير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية، فضلا عن أنها حصلت على وسام الحسين للعطاء والتميز وهو أول وسام يمنح لامرأة من ذوات الإعاقة.
لم تكن ياغي من ذوي الإعاقة منذ ولادتها، بل بدأت طفولتها كغيرها من الأطفال الذين عاشوا تجربة الخطوة الأولى في المشي، إلا أن تعرضها لمرض التهاب الأعصاب الشديد هو ما أفقدها القدرة على متابعة السير على أقدامها.
تقول “نشأت في عائلة متوسطة الدخل سليمة لم يكن يعاني أحد أفرادها من أي إعاقة”؛ حيث تلقت الدعم الكبير والمعاملة المميزة من قبل أفراد عائلتها الذين لم ينظروا يوما لها إلا على أنها شخص متميز وذكي ويستحق الاهتمام والتقدير.
تعلمت ياغي في مدرسة حكومية وعاشت مراحلها الدراسية الأولى كغيرها من الطلاب، فكانت تتصف بالذكاء الكبير ومميزة عند والديها، فكانت دائما تذكر والدها بالمواعيد وتهتم بالحسابات المنزلية وكل الأمور التي تجعلها أكثر ذكاء.
تبين ياغي أنها درست في المدارس الحكومية، وكانت تزور باستمرار المستشفيات وتخضع للعمليات، فعدم وجود تشخيص واضح وعلاج، دفع أهلها للسفر إلى الخارج لمعالجتها، الأمر الذي تطلب كلفة مادية كبيرة وهو ما أخر علاجها، وجعل الحالة تتفاقم نوعا ما.
وتضيف أن انشغالها في العلاج لم يجعلها تتفرغ جيدا للدراسة، فكانت رغبتها بأن تدرس الطب، لكن معدلها لم يكن يسمح لها وعندها قررت البقاء في البيت، إلا أن والديها فاجآها بأنهما كانا قد قدما منحة لها في الكلية الملكية في بريطانيا التي تقدم لها 150 شخصا، فوقع الاختيار عليها، ولكن بعدما علموا أنها من ذوي الإعاقة، قاموا بتخييرها في تلقي الدراسة في بريطانيا أو في عمان، فاختارت أن تدرس في عمان ودرست تخصص إدارة المكتبات.
لم تكمل ياغي الدراسات العليا، ولكنها اكتفت بشهادة هذه الكلية التي تعادل درجة البكالوريوس، وفي كل سنة كانت تتفوق على زملائها وتحصل على منحة دراسية رغم صعوبة دراستها؛ حيث كانت جميع المساقات باللغة الإنجليزية. اشتغلت ياغي قبل تخرجها في جمعية الحسين مكتب الأميرة ماجدة رعد لمدة تسع سنوات ونصف ومن ثم تعرضت لجلطة بيدها أجبرتها على ترك العمل والبقاء في المنزل.
بعد مكوث سنة وستة أشهر في المنزل، لم تستطع ياغي الحصول على عمل كانت قد قدمت له من قبل، وذلك بسبب إعاقتها رغم أنها كانت مؤهلة لهذه الوظيفة ومن ثم قابلت للعمل في مكتب الأمير الحسن بن طلال؛ حيث تم تعيينها رغم إعاقتها منذ العام 2005 حتى العام 2014، في قسم البحث، ولم تكن لديها أي علاقة بالأشخاص ذوي الإعاقة.
“هوس الإعاقة كان يسيطر على عقلي ووجود عالم ذوي إعاقة بحاجة لمن يدافع عن حقوقهم ويطالب بها”، هكذا تقول ياغي التي فكرت هي وزميلاتها في تأسيس جمعية “أنا إنسان” لحقوق ذوي الإعاقة والتي افتتحت بعد حصولها على الموافقة من قبل عملها.
هذه الخبرات المتعددة منحت ياغي قدرات وخبرة كبيرة في العمل، فعملها بالجمعية جعلها قادرة على تمكين وتأهيل النساء ذوات الإعاقة والقدرة على التواصل مع الآخرين، وبنت شبكة قوية، أما المستفيدون من الجمعية فلا يقل عددهم عن 2800 شخص، وتوجد قاعدة كبيرة من المتطوعين من ذوي الإعاقة وغير ذوي الإعاقة.
إلى جانب ذلك، تفخر ياغي بعضويتها في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، إضافة الى أنها رئيسة لجنة المرأة في المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة، وعضو ومستشارة في المنظمة العربية للأشخاص ذوي الإعاقة التي مقرها الرئيسي في جامعة الدول العربية.
التحديات تواجه المرأة بشكل عام وهي موجودة إلى الآن، بحسب ياغي، فوجود المدارس غير المهيأة لذوي الإعاقة جعل المرحلة التعليمية بالنسبة لياغي أكثر صعوبة، خصوصا وأنها كانت تضطر كثيرا للزحف للتنقل بين صفوفها، إلى جانب صعوبة التنقل بوسائل النقل التي سببت لها الكثير من الإحباطات في ذلك الوقت، مؤكدة أن المجتمع ما يزال بحاجة للتوعية حول المرأة ذات الإعاقة.
ومن جانب آخر، ترى ياغي “أن الكثير من نساء ذوات الإعاقة يعانين من قلة الثقة”، مبينة أن الثقة في الأساس تنبع من تربية الأهل والمحيط الاجتماعي الذي يترعرع فيه الشخص ذو الإعاقة، لافتة إلى أنه ورغم ما وصلنا إليه، إلا أن هناك الكثير من الأسر التي ما تزال تخفي وجود أشخاص ذوي إعاقة في عائلاتهم.
وتأسف ياغي لعدم تقبل بعض الشركات لإعاقتها، منوهة إلى أنها ترفض كتابة أنها تعاني من إعاقة في السيرة الذاتية الخاصة بها، لأنها تعتبر أن من حقها أن يتم تعيينها في الوظيفة بناء على مؤهلاتها وإمكانياتها الوظيفية.
التحديات الكبيرة والعقبات التي واجهتها ياغي جعلتها أقوى وأكثر إصرارا على النجاح وعلى الاستمرار لتثبت للجميع أنها لا تقل عن غيرها أبدا، مؤكدة أن عبارة والدتها “ولا يهمك”، هي ذلك الوقود الذي كان يزيدها همة ونشاطا، مبينة أن ما زرعه والداها من ثمار تقطفه الآن في حياتها العملية.
“أنا أفتخر بأنني امرأة من ذوي الإعاقة”، تقول ياغي، التي استطاعت أن تتجاوز العديد من الحواجز، مثمنة جهود الحكومة في خدمة هذه الفئة، ورغم بعض “التقصير”، إلا أن هناك جانبا إيجابيا ومضيئا يوحي بأن المجتمع أصبح أكثر وعيا بالتعامل مع هذه الفئة.
وتطمح ياغي لأن يصبح مشروعها جمعية “أنا إنسان” مركزا متخصصا بالحقوق للأشخاص ذوي الإعاقة، كما تتمنى أن يأخذ الأشخاص ذوو الإعاقة حقوقهم كغيرهم من المواطنين في الأردن.