زفاف على أنغام الحلم والحب والإرادة
تعتبر ليلة العمر حلماً يراود كل فتاة منذ طفولتها، وبداية شروق مرحلة جديدة في حياتها، حيث ترسم في مخيلتها تفاصيل اطلالتها ومراسيم الحفل وتجهيزاته.
ولم يكن هذا الحلم الأبيض بعيداً عن أمنيات وطموحات الفتيات ذات الاعاقة، باعتباره حقاً من حقوقهن المشروعة في تكوين أسرة وإنجاب الأبناء، ولكن الواقع يقول: إن المرأة ذات الاعاقة تعيش تحدياً أكبر من قرينها الرجل بسبب نظرة المجتمع الدونية والخاطئة تجاه فكرة ارتباطها، كما أن فرصها قليلة في الزواج لسببين: الاول هو أن الشاب دائماً ما يبحث عن الكمال في حين أنها تقدم تنازلات وتقبل الارتباط بشخص من هذه الفئة.
أما السبب الثاني فيعود لرفض بعض أولياء الأمور لهذا الأمر بحجة الخجل الاجتماعي والخوف عليها من طمع من يرتبط بها بسبب الامتيازات المالية التي توفرها لها الدولة.
حفل الأمل
ولهذا قرر القائمون على ملتقى بزة الشهري، الذي تنظمه جريدة الأمل الالكترونية، كسر هذا الحاجز وتغيير نظرة المجتمع، وبالتعاون مع جمعية أولياء امور المعاقين ولجنة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم لذوي الاعاقة، ومشاركة عدد من جمعيات النفع العام والمجاميع التطوعية، جرى تنظيم حفل زفاف استقبال لابنتهم شروق مشاري من ذوات الاعاقة الحركية على زوجها محمد أحمد، وهو غير معاق، في صالة قبازرد وسط حضور لفيف من الشخصيات الاجتماعية البارزة والعاملة في مجال الإعاقة، في مقدمتهم الرئيسة الفخرية لنادي المعاقين الشيخة شيخة العبدالله، والناشطة في مجال الإعاقة الشيخة انتصار المحمد ورئيسة لجنة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم لذوي الاعاقة شريفة الغانم، ولفيف من ممثلي جمعيات النفع العام.
القبس شهدت هذا الحدث، ونقلت أجواء الحفل وردود أفعال المدعوات من ناشطات وفتيات من ذوات الإعاقة ووليات أمورهن ومدى تفاعلهن مع الحفل. لم تختلف مراسم هذا العرس عن باقي الأعراس، فالطقوس والأغاني التراثية حاضرة، الجميع تفاعل مع أغاني الـ «دي جي» والرقص، فاندمجت فرحة فتيات ذوات الاعاقة مع قريناتهن الصحيحات والناشطات في مجال الاعاقة ووليات الأمور.
بدأت جلوة العروس شروق مشاري من ذوات الاعاقة الحركية، حيث أطلت على الحضور بردائها الأخضر المطرز بخيوط ذهبية، وسط إحاطة مجموعة من المتطوعات، ومشاركة عدد من فتيات ذوات الاعاقة، ليزففنها بقطعة من القماش الأخضر بأغاني الزمن الجميل.
وعلى أنغام زفة «هب السعد» للفنانة فطومة، أطلت العروس مجدداً في تمام الساعة العاشرة على المعازيم بردائها الأبيض مرفقة باليباب التي ضجت القاعة.
ومن قلب الحدث، توالت ردود الأفعال الإيجابية، التي أجمعت على نجاح هذه الفكرة في الإجابة على تساؤلات عديدة تدور في مخيلة الحاضرات.
«رأيت الفرحة والأمل في عيون الحاضرات»، بهذه الكلمات عبرت العروس شروق من ذوي الإعاقة الحركية من جراء حادث سير تعرضت له عن شعورها في ليلة عمرها.
وروت شروق الظروف التي جمعتها بزوجها الذي تعرفت عليه عن طريق الأهل وليس عن طريق الخطابة، وقالت «زواجي من زوجي ليس تقليدياً، بل تم عن طريق الحب، وأكن له كل الاحترام والتقدير، فله الفضل في مساعدتي وتشجيعي على تخطي حاجز الإعاقة والاستغناء عن الأجهزة التعويضية (الكرسي المتحرك والعصا) ولو لمسافات قصيرة».
ودعت أولياء الأمور إلى حث ودعم أبنائهم من هذه الفئة، وتعزيز ثقتهم بذاتهم، ودمجهم في المجتمع لا عزلهم، لافتة إلى قلة فرص زواج ذوات الإعاقة في المجتمع الكويتي بسبب التخلف في الفكر، بحسب تعبيرها، لدى العديد من الشباب الباحثين عن المظهر الخارجي والأمور المادية المتمثلة في وظيفة الزوجة وراتبها.
فرحة المعرس
«الحب يصنع المعجزات ولا يعرف المستحيل» هذا هو حال المعرس محمد أحمد (وهو غير معاق)، الذي جمعه القدر بشريكة حياته وأول حب له شروق، وقال «لم أبحث قط عن الكمال في اختيار زوجتي، بل دائماً ما كنت أبحث عن الجوهر وهو ما وجدته فيها، وأكن كل الاحترام والحب لهذا الكرسي المتحرك»، مؤكداً أنه سيضع زوجته في قلبه وكيانه.
وزاد بالقول «مساعدتي لها في المنزل وفي أمورها الحياتية ستنبع من واجبي لها وليس من باب الشفقة والعطف، فالحياة الزوجية مشاركة من الزوجين».
رحاب بورسلي: استقرار نفسي واجتماعي
أبدت رئيسة الجمعية الكويتية لأولياء أمور المعاقين رحاب بورسلي اعتزازها بهذا الحفل الاجتماعي، لأنه يفتح باب الزواج لأشخاص من ذوي الإعاقة، ودافع لكثيرين من أولياء الأمور الرافضين هذه الفكرة بأن تكتمل الصورة الاجتماعية لحياتهم بهذه الطريقة، مشيرة إلى مساندة حق ذوات الإعاقة في الزواج وتكوين أسرة. وأردفت بالقول «رأيت الفرحة في عين شروق، ورأيت الأماني في عيون ذوات الإعاقة، فهي ليست أول وآخر حالة، ولكننا ندعم ونعزز الفكر الاجتماعي الصحيح في أن تكتمل حقوقهم وتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي، كأفراد ينتمون الى هذا المجتمع، لهم حقوق وعليهم واجبات».
هدى الخالدي: أبحث عن زوجة لابني المعاق
أعربت عضوة مجلس إدارة الجمعية الكويتية لأولياء أمور المعاقين هدى الخالدي عن سعادتها لإحياء حفل استقبال زفاف فتاة من ذوات الإعاقة، مشيدة بتضافر جهود الجمعيات المعنية بحقوق ذوي الإعاقة لإنجاح هذه الظاهرة المشهودة، على حد تعبيرها.
ولفتت إلى أن هذا الحفل يهدف إلى دمج فتيات ذوات الإعاقة مع نظرائهن من الصحيحات، فضلا عن توصيل رسالة الى المجتمع، مفادها أن المعاقة لها الحق في تحقيق الاستقرار الأسري، كما أنها قادرة على الزواج، فالإعاقة ليست في الجسد، معتبرة أن من ينظر الى الإعاقة على أنها عيب فهو معاق. ورأت أن هذه المناسبة تمثّ.ل ملتقى للقاء الأحبة والناشطات وذوات الإعاقة وأمهاتهن في أجواء الأفراح والمسرات، داعية أمهات ذوات الإعاقة الى عدم الوقوف في طريق بناتهن، ما دام أنهن قادرات على الزواج.
ولكونها ولية أمر لشاب ( 18 عاما) من ذوي الإعاقة الذهنية الشديدة، رحّبت الخالدي بفكرة ارتباط ابنها بعد تأهيله للزواج والبحث عن شريكة لحياته لتحقيق الاستقرار، منتقدة النظرة الدونية والخاطئة لدى بعض الأسر الراغبة في زواج أبنائها، بحثا عن الاستفادة من الامتيازات المالية.
شريفة الغانم: الحفل عمل إنساني وتطوعي
اعتبرت رئيسة لجنة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم لذوي الإعاقة شريفة الغانم أن هذا الحفل يمثّ.ل عملا تطوعيا وإنسانيا فريدا، لما يتميز به من دمج فتيات ذوات الإعاقة ووليات أمورهن بأقرانهن الصحيحات ومشاركتهن الفرحة. وأكدت حرص اللجنة على دعم أبناء هذه الشريحة وتوصيل أصواتهم داخل قبة البرلمان، مبينة أن أبواب اللجنة دائما مفتوحة، وكذلك باب مكتب ديوان الغانم مفتوح لأي مساعدات واستقبال مشاكلهم وطلباتهم الخاصة بالتوظيف. وكشفت عن أن اللجنة بصدد تنظيم مؤتمر حواري بين رئيس مجلس الأمة وأبناء ذوي الإعاقة وأسرهم لطرح مشاكلهم ومناقشة قوانين وقضايا هذه الشريحة، إضافة إلى الصعوبات التي تعترضهم.
تغيير نظرة المجتمع
أكد المشاركون في حفل شروق ومحمد أن الوقت قد حان لتغيير نظرة المجتمع الخاطئة تجاه ذوي الإعاقة، فهم قادرون على تكوين أسرة والقيام بمسؤولياتهم.
والدة العروس.. ودموع الفرح
وبدموع الفرح الممزوجة بالحزن فضحته تقاسيم وجهها، أبدت والدة العروس سعادتها بزفاف ابنتها الوحيدة، وقالت «لم أكن أتوقع أن يأتي هذا اليوم وهذا الحضور الهائل، وبهذا النظام، علما بأني احتفلت بها في حفل مقتصر على الأقارب»، متوجهة بالشكر لكل من ساهم في تنظيم هذا الحفل.
واستحضرت أم شروق نظرة ابنتها الحكيمة والمتفائلة من فكرة الارتباط، حيث كانت دائما ما تردد عبارة «من يفكر في الارتباط بي، فليفكر لجوهري، وليس لمظهري الخارجي»، وهو ما تحقق بالفعل.
خلود العلي: بهجة لا توصف
رأت نائبة رئيس المكتب التنفيذي للإعاقة في الكويت خلود العلي أن هذه المناسبة أضفت نوعا من البهجة التي لا توصف والفرح والسعادة في وجوه ونفوس المحتفلين، حيث خرجنا عن نطاق الحفلات الرسمية العادية، مشيرة إلى أن المعاق له الحق في الزواج بحسب ظروف ونوع الإعاقة، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من المجتمع، رافضة وصفه بالفعالية.
رسالة
وجَّهت إلهام الفارس رسالة لأولياء أمور الشباب غير المعاقين بشأن عدم الوقوف في طريق أبنائهم المقبلين على الزواج وعدم التدخل في اختيار شريكة الحياة من فتيات ذوات الاعاقة، لافتة إلى أن الاعاقة الحركية ليست مرضا معديا، بل هي قدر. واقترحت العام الفارس تشكيل لجنة حقوق المرأة ذات الاعاقة لتتولى مسؤوليتها مستقبلا وتكفل حقوقها، لافتة الى ان ثمة هاجسا وقلقا ينتابان أولياء الأمور، وخاصة الأم بشأن مستقبل ابنتها، لا سيما بعد فراق الوالدين.
فكرة العرس
انطلقت فكرة حفل استقبال الزفاف بمبادرة من متطوعتين في مجال الإعاقة، وهما نائب رئيس جريدة الأمل الإلكترونية إلهام الفارس والمتطوعة منال الهرير، وتحديدا منذ اعلان العروس شروق عن زواجها، حيث فكرت الفارس والهرير في تناول موضوع مختلف لملتقى بزة الشهري الذي تنظمه جريدة الأمل الالكترونية، ومن ثم طرحتا الفكرة على العروس اولا، لأخذ موافقتها، ومن ثم تم البدء في تجهيز مستلزمات العرس وحجز القاعة.
تبرُّعات
أقيم الحفل بتبرعات جمعيات نفع عام معنية بحقوق ذوي الاعاقة ومساهمة عدد من الرعاة وأولياء الأمور، معتبرين أن قلقهم من عدم إيفاء المبلغ الذي تم تجميعه لإقامة العرس لتغطية تكاليف ومستلزمات الحفل من أهم الصعوبات التي واجهتهم، ومحاولة التكيّف مع المبلغ المتاح بالأسعار المناسبة.
إنجازات
قالت منال الهرير إن الاعاقة لم تمنع صاحبها من تحقيق الإنجازات وتمثيل بلاده في المحافل الدولية، وكذلك الأمر بالنسبة الى بنات هذه الشريحة. فهن قادرات على بناء ذاتهن وحياتهن الخاصة، فقط عندما يتحرر المجتمع من القيود المفروضة، ومن كلام الناس.
المصدر : مى السكرى \ جريدة القبس