0 تعليق
588 المشاهدات

دماغك المسنّ… اشكره



يبدأ الدماغ، نحو منتصف العمر، بالاعتماد على مقدار أكبر من قدراته ليحسن حكمه وعملية اتخاذ القرارات.
إن نسيت اسماً أو اثنين، احتجت إلى وقت أطول لإنهاء لعبة الكلمات المتقاطعة، أو واجهت صعوبة في القيام بمهمتين في آن، فلا تظن أنك تسير على الدرب نحو الخرف. على العكس، أنت تمر بمرحلة يبدل فيها الدماغ طريقة عمله وأنت تتقدم في السن. ويصبح في الواقع أكثر فاعلية من نواحٍ عدة. فقد أظهرت الدراسات أن المسنين يتمتعون بحكم أكثر صواباً وبقدرة أكبر على اتخاذ قرارات منطقية، فضلاً عن أنهم أكثر فاعلية في صدّ الأمور السلبية، مقارنة بمن هم أصغر سناً.
كيف يستطيع المسنون العمل بشكل أفضل رغم تباطؤ دماغهم؟ يوضح الدكتور بروس يانكر، بروفسور متخصص في علم الوراثة ومدير مساعد في مختبرات بول ف. غلين لآليات الشيخوخة الحيوية في كلية الطب في جامعة هارفارد: {يبدأ الدماغ بالتعويض باستخدام قدر أكبر من ذاته}. ويشير إلى أن صوراً بالرنين المغناطيسي التقطت لمراهق يحل مسألة تُظهر كماً من النشاط في جانب واحد من القشرة الجبهية الأمامية، منطقة نستخدمها للتفكير الواعي. نحو منتصف العمر، يبدأ الجانب الآخر من الدماغ بالمشاركة، إلى حد ما، في هذه العملية. لدى المسنين، يتشاطر جانبا الدماغ مقداراً متساوياً من هذه المهمة.
يعود هذا التعاون بفوائد كبيرة. يوضح الدكتور يانكر: {تُظهر دراسات عدة أن المسنين الذين يستطيعون تنشيط جانبي الدماغ يحققون نجاحاً أكبر في المهمات، في حين أن حالة مَن يعجزون عن ذلك تزداد سوءاً}.

تعويض عن التراجع

إذا شعرت بأن من الصعب عليك متابعة محادثة ما فيما تبحث عن مفاتيحك في حقيبتك، تقدم دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي بعض الأدلة. فهي تُظهر أن المناطق المستخدمة لأداء مهمة ما في الدماغ في حالة الشبان، تنطفئ بسرعة فور الانتهاء من هذه المهمة، في حين أنها تتطلب وقتاً أطول لتنطفئ في حالة المسنين. نتيجة لذلك، يصعب على الأكبر سناً القيام بمهام عدة، لعدم الحاجة إلى مزيد من الدماغ للقيام بمهمة واحدة فقط بل يصعب على الدماغ نسيان المهمة أيضاً. لذلك، حتى بعد أن تخرج مفاتيحك من الحقيبة، تواجه صعوبة في العودة إلى المحادثة.
وماذا عن اللحظات التي تجد فيها نفسك وأنت تقود في الشارع من دون أن تتذكر أنك اجتزت الأحياء القليلة الأخيرة؟ أو تلك المرة التي أقفلت فيها السيارة ومفاتيحك داخلها؟ في هذه الحالات، يكون الدماغ، على الأرجح، قد عاد إلى النمط الغيابي، الذي يتحكم في عمليات مثل التذكر وأحلام اليقظة التي لا تحتاج إليها في مهمة موجهة. أظهرت دراسات التصوير أن {الشبكة الغيابية}، مناطق مترابطة من الدماغ، تزداد نشاطاً مع السن، ما يشير إلى أننا مع التقدم في السن نمضي وقتاً أطول في أحلام اليقظة.

تمرين

تمرين بسيط قد يساعدك في التركيز على المهمة التي تقوم بها: أعد لائحة. حدد المرات التي شرد فيها ذهنك، نسيت ما عليك القيام به، أو أضعت شيئاً تحتاج إليه. هل كنت تقوم بمهمة روتينية، مثل قيادة السيارة على طريق تألفها أو تتبضع في السوبرماركت، ما يجعلك لا توليها اهتماماً واعياً؟ هل تعرضت آنذاك للإجهاد، مثل الإسراع إلى موعد مهم؟
تمرن لتكون أكثر تيقظاً في أوضاع مماثلة. ومن الطرق السهلة لتحقيق ذلك وصف ما ستقوم به. على سبيل المثال: {أقود السيارة عبر تقاطع هذا الشارع وذاك} أو {أضع مفاتيحي على طاولة الردهة}. ولا شك في أن هذه التعليقات على كل خطوة ستساعدك في تذكر ما قمت به.
من المهم أيضاً ممارسة الرياضة بانتظام. فالنشاط الجسدي يبقى أفضل طريقة مثبتة للحفاظ على وظائف الدماغ. فهو يساعدك في ترسيخ ذكريات جديدة والتركيز أكثر على المهمة التي تود القيام بها. ولا تحتاج إلا إلى 30 دقيقة من التمارين المعتدلة معظم الأيام.
أي دماغ يتعاطى بشكل أفضل مع الشيخوخة؟ أظهرت دراسات، خلال العقد الماضي، أن الدماغ الأكثر نضجاً يتمتع بأفضليات كثيرة مقارنة بنظرائه الأصغر سناً. شكلت هذه الاكتشافات مفاجأة لكثيرين ممن اعتادوا اعتبار {لحظات المسنين} (السعي إلى العثور على الكلمة الصحيحة أو الحاجة إلى وقت أطول لتنظيم الأفكار) إشارة إلى أن الدماغ بدأ يتراجع. ولكن حتى في المهن التي تولي أهمية أكبر للشبان، أظهرت الاختبارات أن للنضج مزاياه. على سبيل المثال، كشفت دراسة شملت مراقبي الملاحة الجوية وطياري الخطوط الجوية أن مَن تتراوح أعمارهم بين 50 و69 سنة احتاجوا إلى وقت أطول لتعلم استعمال معدات جديدة، مقارنة بمن هم دون الخمسين من العمر. ولكن ما إن أتقنوا ذلك، ارتكبوا عدداً أقل من الأخطاء خلال استخدامها. ولا تنسَ ذلك فيما تسعى إلى تعلم استعمال برنامج كمبيوتر جديد أو التكيف مع سيارة جديدة.
يعود الإتقان الذي يترافق مع النضج إلى تغييرات في الغدد، فضلاً عن الدماغ. يؤدي تراجع معدلات التيستوستيرون (حتى لدى النساء) إلى تحكّم أكبر في عملية الاندفاع. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي انتهاء التقلبات الهرمونية في حالة المرأة بعد سن اليأس إلى التوصل إلى الاستقرار العاطفي. وبعد منتصف العمر، يتراجع احتمال أن يعاني الناس مشاكل عاطفية، مثل تقلبات في المزاج والعصبية التي تعيق الوظائف المعرفية.
لكن الأهم من ذلك أن وفرة المعلومات نتيجة عقود من التعلم وتجارب الحياة تتيح لك تقييم الأوضاع الجديدة بفاعلية أكبر. ونحو منتصف العمر، يصبح الناس أكثر قدرة على اتخاذ قرارات مالية صائبة واكتشاف أساس المشكلة، مقارنة بمن هم أصغر سناً.
في معظم الحالات، تتحسن هذه القدرات مع التقدم في السن:
* الاستدلال الاستقرائي: مع التقدم في السن يتراجع احتمال التسرع في إصدار الأحكام ويزداد إمكان التوصل إلى خلاصة صحيحة بالاستناد إلى المعلومات. ولا شك في أن ذلك  يساعد في حل المشاكل اليومية، من التخطيط للطرق الأكثر فاعلية للتبضع إلى إدارة فريقك في العمل.

* المقدرات الكلامية: في منتصف العمر، تتابع  توسيع مفرداتك وتشحذ قدرتك على التعبير عن نفسك.

* الاستدلال المكاني: أتذكر تلك اللعبة التي تطلب منك تحديد غرض قُلب رأساً على عقب؟ ستحقق على الأرجح نتائج أفضل فيها في خمسينياتك أو ستينياتك، مقارنة بسنوات المراهقة. كذلك قد تصبح أكثر مهارة في بعض أوجه القيادة لأنك تتمتع بقدرة أكبر على تقييم المسافة بين سيارتك والأشياء على الطريق.

* العمليات الرياضية الأساسية: تزداد مهاراتك في تقسيم راتبك واحتساب البقشيش خلال تناول الطعام مع أصدقائك لأنك، بكل بساطة، تقوم بهذه المهام منذ سنوات.

* التشديد على الإيجابي: تصبح لوزة المخيخ، تلك المنطقة من الدماغ التي تعزز العواطف والذاكرة، أقل تفاعلاً مع الأوضاع المشحونة سلبياً في حالة المسنين، مقارنة بالشبان، ما يوضح لمَ أظهرت الدراسات أن مَن تخطوا الستين هم أقل ميلاً إلى الشعور بالأسى.

* الشعور بالرضا: قبل سنوات، فوجئ باحثون حين اكتشفوا أن الناس يبدون أكثر رضا عن حياتهم مع التقدم في السن، رغم الخسائر التي تتراكم بمرور السنين. ويعود ذلك، على الأرجح، إلى ميلهم للتقليل من أهمية السلبي، تقبل حدودهم، واستخدامهم خبراتهم للتعويض عنها، فضلاً عن رسم أهداف منطقية للمستقبل. يشير الدكتور يانكر إلى أن هذه الصفة قد تكون فطرية لأنها سائدة حتى في الولايات المتحدة والأمم الغربية، التي تميل عادةً إلى تقدير الشباب أكثر من المسنين.

جينة

اكتشف الدكتور يانكر وفريق من الباحثين أن جينة تنشط خلال عملية نمو الجنين تنشط مجدداً في أدمغة المسنين الأصحاء بغية إصلاح تأثيرات الإجهاد. تطفئ الجينة REST جينات أخرى مسؤولة عن الألزهايمر. تبيّن من تشريح أدمغة عدد ممن ماتوا جراء ألزهايمر أن هذه الأدمغة تحتوي على مقدار ضيئل من بروتين REST، في حين أن مَن ماتوا في السن عينها لأسباب أخرى تمتعوا بمعدلات عالية.
في دراسات على الحيوانات، اكتشف الفريق أن الليثيوم (دواء يُستخدم منذ أكثر من 50 سنة لمعالجة اضطراب ثنائي القطب) قد ينشط جينة REST. ولكن بما أن لليثيوم تأثيرات جانبية خطيرة في المسنين بالجرعات المسموح بها لمعالجة مرض ثنائي القطب، يتحقق الفريق راهناً من أدوية أخرى تعمل بالطريقة عينها لمعرفة ما إذا كانت تؤدي إلى التأثير عينه في جينة REST.

 

 

 

المصدر : جريدة الجريدة

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3775 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4151 0
خالد العرافة
2017/07/05 4691 0