بين جدران سلكية لنادي صغير، يراهم المارة كفريق كروي مثل غيرهم، يجدون في يوم الجمعة فرصة للتمرين على الرياضة الأكثر رواجا بين شباب مصر، كرة القدم، يركلون الكرة لبعضهم البعض، تشجيعات تنهال عليهم من ذويهم الجالسين على المقاعد خارج النجيلة، إلا أنهم فريق يختلف عن كل فريق، فهو نواة لأول فريق لكرة قدم المكفوفين في مصر.
”وإزاي كفيف يلعب كورة؟”.. سؤال باندهاش بدا لـ”على أبو النصر”، أحد مؤسسي الفكرة بين اثنين آخرين، منذ أن جاءت الفكرة إلى ذهنه في فبراير 2014، إثر دراسته في انجلترا في مجال الرياضة الخاصة بالمكفوفين، عمل مع زميله ”عبد الله عماد” على البحث وراء فرقة مكفوفين في لعب كرة القدم، لم يجد فريق كرة قدم، ويبدأ التأسيس في أغسطس من العام الماضي.
على أرض متسعة، يقف عدد من الشبان المكفوفين، بجانبهم بعض المبصرين، يساعدوهم في البداية على التوجيه لركل الكرة، يلعب فريق المكفوفين بشكل خماسي، في كل فريق أربعة لاعبين بجانب حارس المرمى، والمبصر الوحيد في الفرقة. بجانب الحكم في المباراة، يتوزع اللاعبون إلى ثلاث فرق صغيرة، تكون الحلم الكبير لمنتخب المكفوفين، الذي لم يحصل بعد على اسم فريق أو نادي.
الفريق الوحيد هو من منطقة الزيتون بالقاهرة، تحديدا من مركز الأمل القريب من مكان التدريب، تتراوح أعمار اللاعبين المشاركين في الفريق من الثانية عشر إلى سن الثلاثين عاما، يركلون فيما بينهم كرة بداخلها أجراس، من أجل أن يتميز صوتها لهم قبل الركل.
على صوت الكرة، يتحرك اللاعبون، وبصوت من المبصر المتواجد بداخل الملعب، ينبه اللاعب إلى أن هناك هجمة إليه من لاعب أخر بكلمة يعرفها الجميع وهى ”فوي”، يقول ”علي” إن الملعب من المفترض أن يكون صالة مغطاة من أجل أن تضمن للاعبيين ألا يتم تداخل أصوات أخرى مع صوت الكرة.
أزمة يواجهها الفريق الناشئ مع وزارة الشباب، لأن الاتحاد ألعاب المكفوفين كان لا يعترف بوجود فريق كروي حتى تقدم الشابان بالفكرة، ليقول ”علي” ”بعدها بأيام فوجئنا بأن الاتحاد شكل فريق آخر، ويتم منع تقنين أوضاع فريقنا، بحجة أن هناك فريق بالفعل”، ورغم المعوقات يلعب الفريق تحت أسم ”ألعاب روحية للمكفوفين”، ويضيف مؤسس الفكرة ”الكفيف في البلد مالوش حقوق، مهمش جدا كمان في الرياضة”.
بجانب الصالة المغطاة لضمان اللعب بهدوء، يحتاج الفريق أيضا إلى كرة قدم خصيصا للمكفوفين، وهى الكرة التي تحمل أجراس، فهي لا تباع في مصر، ولكن يتم استيرادها من الخارج.
بزيه الأحمر، وبصوت جهوري، يرفع الكابتن ”محمد عبد الرحمن” إشارات للمساعدين المبصرين وسط المعلب، يساعد الكابتن خريج التربية الرياضية والعامل بتدريب المعاقين منذ خمس وعشرين عاما المكفوفين على التدرب للتعامل مع الكرة، ”اللي بيشتغل مع الكفيف بحب عمره ما بيتعب”، يقول ”محمد” أثناء فترة استراحة من تدريب الجمعة.
في يوم إجازته، يستقطع الكابتن ”محمد” وقتا من أجل التدريب للمكفوفين، يقول أن كل من يعمل في البذرة للفريق لا يتقاضى أموالا، في انتظار أن يكبر حلم الفريق، ويتم تمثيل مصر في عدد من الفاعليات الرياضية، يقول الكابتن إحنا سعينا لفكرة فريق المكفوفين لكرة القدم من عام 2000، لكن الدولة ما سعدتناش”.
يرى الكابتن أن المكفوف بداخل الملعب ربما يتفوق على المبصر، لأنه لديه من الحواس الأخرى ما تعوضه، يتابع ”إحنا عندنا في الفريق حوالي 40 لاعب من منطقة الزتون ده، بس لو لفينا المحافظات، ممكن نجمع حوالي مليون لاعب من المكفوفين، إحنا منتظرين الأمل ان الشباب دول يسافروا وأنا بناشد رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية إنهم يشجعوا المعاقين، خاصة ان هناك بطولة دولية للمكفوفيين في الكاميرون في شهر أكتوبر المقبل”.
ردود فعل طيبة يرصدها الكابتن من اللاعبين، فقدوا البصر لكن لم يفقدوا الاحساس بالكرة، وقوانين اللعبة الخاصة بهم، يقول الكابتن إن الشباب عندما قدم لأول مرة من أجل التدريب تحمس من أجل إقامة فريق، ورفض إنشاء جمعية من أجل الحصول على أموال لالعب، قائلين إنهم ليسوا أقل من المبصريين من أجل التدرب واللعب بالكرة.
زيارات عديدة وصلت للفريق الناشئ من لاعبين ومدربين، مثل الكابتن حسن شحاتة وأحمد حسن وأبو تريكة، بالإضافة إلى كابتن شهير من ألمانيا متخصص في تدريب المكفوفيين في كرة القدم، ليشكر المدرب في مستوى الطلاب رغم بدايتهم في التدريب، ويقول أن استجابتهم للكرة سريعة رغم الفترة القصيرة.
على دكة البدلاء، يتخذ ”شريف أحمد” استراحة قليلة بين التدريب، ينزع عن عينيه شارة بيضاء، يضعها كل المتدربين من أجل ضمان نزاهة اللعبة، وذلك لأن هناك لاعبين ليسوا مكفوفين لكن لديهم نسبة ضعيفة جدا من الإبصار، حماس يملأ ”شريف” للكرة رغم وصوله لسن الثلاثين، وحبه للتدريب الاسبوعي في الفريق الذي لا يزال يبحث في دروب الحكومة عن تمثيل رسمي.
يلعب ”شريف” كرة القدم منذ أن كان طالبا، يحكي أن الطلاب قبل أن تصل إليهم كرة الأجراس، كانوا يدخلون الكرة في كيس بلاستيك من أجل معرفة صوتها، يقول ”حبنا للعبة هو اللي بيحركنا، كل واحد فينا بيحب اللعبة وبيحاول يطلع المهارة اللي جواه”.
يحلم اللاعب المخضرم أن يسافر فريقه إلى عدد من البلدان لتمثيل مصر في لعبة كرة قدم المكفوفين، متمنيا أن تدعم الدولة فرق المكفوفين في كل الرياضات، ”احنا مش محتاجين غير دعم واهتمام، واحنا مش أقل من اللاعب المبصر”.