بروح رياضيّة عالية، ارتدينَ زيّ الفريق الموحّد، واجتحنَ ساحة الملعب بكراسيّهنّ المتحركة بهمةٍ عاليةٍ وإصرارٍ على الفوز، بعد أن أطلقت المدربة صافرتها معلنة بدء المباراة؛ ليشعِلنَ الملعب حماسًا, وينقسمنَ إلى فريقين متنافسين، ومن ضمنهنّ شابات تحدثت أجسادهنّ عن حجم الوجع الذي ألمّ بهنّ منذ أن أبصرت أعينهنَّ الحياة، فأصبحت الإعاقة علامة فارقة في حياتهنّ, لكنهنَّ رفضنَ أن يخيّم عليهنّ اليأس، فقررنَ القبول بالقضاء والقدر، وجعلنَ من إعاقتهنّ طاقة تقودهنّ لتحقيق أهدافهنّ، “فلسطين” رصدت هؤلاء اللاعبات أثناء مباراة لهنّ خلال التقرير التالي.
“الحَجلَة” رياضتي
الشابة عبير الهركلي (22 عامًا) طالبة علاقات عامة وإعلام بجامعة غزة، وهي أحد أعضاء فريق كرة السلة، مع أحداث الانتفاضة الأولى استنشقت والدتها غازًا ليقتل كل شيء يبعث الفرح والحياة في فلسطين، فتسبب في حدوث تشوّه خَلْقي لديها، ليتفاجَأ بها والداها وأقاربها.
تقول: “مرحلة طفولتي لم أعِهَا, فقضيتها بين أسرّة المستشفيات، بعد كل عملية كانوا يعطونني “عروستي”، وبعد خروجي من المستشفى و”الجبس” ملفوف على قدميَّ، كان والدي يضع لي كرسيًّا على باب البيت لأشارك الأطفال في عمري “مشاركة وجدانية”.
لطالما رسمتْ في مخيّلتها لعبة “الحجلة”, وحلمت بأنها ستُشفى وستمسك “طبشورًا” وتخطّ بيديها الناعمتين خطوطًا لتلعب مع صديقاتها وتأخذ دورًا معهنّ، ولكن كان الكرسي مصيرها.
ولكنها عشقت الرياضة التي لطالما حُرمت منها على مدار الحصص المدرسية، لتجلس وحيدة في ساحة المدرسة، وزميلاتها يتنقلنَ من رياضة لأخرى كـ”الفراشات”, وتتخذ هي موقف المشاهد أو المشجع في بعض الأحيان، وخاصة في مرحلة الدراسة الإعدادية عندما اختلطت مع أناس عاديين هاجموها بنظراتهم وكلماتهم الخاطفة “يا حرام”، “يا ويلي”، وغيرها.
اقتحمت الرياضة بأكثر من مجال: ألعاب قوى، سباق “ماراثون”، وخاصة كرة السلة التي قتلت حساسيتها المفرطة وخوفها من الناس, اللذين كانت تعاني منهما سابقًا، وتضيف الشابة الهركلي: “كما كان هدفي تغيير وجهة نظر الناس تجاه الفتيات اللواتي يعشقنَ مجال اللعب والرياضة, وخاصة إذا كانت اللاعبات من كرة السلة من ذوي الاحتياجات الخاصة”.
عبير الشاعرة, الممثلة وكاتبة المسرحيات والسيناريوهات والفاعلة في مجال الأسرى، اجتاحت عالم الرياضة لتحصد الميداليات الذهبية في المسابقات المحلية داخل أندية قطاع غزة، وتتمنى أن تشارك في مسابقات دولية لترفع علم فلسطين بين أروقة دول العالم.
الرياضة قتلت انطواءها
وأُطلق العنان مرة أخرى لصافرة المدربة معلنةً استراحة لمدة 10 دقائق لاستعادة القوى، وتجديد العزيمة بين أعضاء الفريق، التقينا خلالها الشابة أريج عايش (23 عامًا) الخريجة من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية بتخصص تصميم إعلانات ووسائط متعددة، وتعاني من تشوّه خَلْقي منذ ولادتها, جعلها حبيسة كرسي متحرك منذ صغرها, ليكون سؤالها الوحيد لوالديها: “ليش رجليا صغار؟!”.
تقول: “كنت انطوائية بعض الشيء، إلا أن الرياضة كان بابًا لأنخرطَ في عالم الناس العاديين وأتعرف على وجهات نظرهم تجاه ذوي الإعاقة، ثم اندمجت مع أقراني من ذوي الإعاقة”.
وتضيف عايش: “والذي فتح الآفاق أمامي في عالم الرياضة هو مشاركتي في فعاليات يوم المعاق في الجامعة، فتعرفت خلالها على اللجنة البارالمبية، فبدأت التدريب في نادي السلام لذوي الإعاقة الحركية، وتعلمت الكثير من المهارات، وبدأت الاختلاط بالناس وبشباب يعانون إعاقة حركية”.
اختارت عايش لعبة كرة السلة رغم صعوبتها، فقد كانت قبل بدء التدريب لا تخرج من بيتها ولا تختلط سوى بأهلها وبعض أقاربها بسبب وضعها، وتكمل حديثها: “ممارسة الرياضة تنمي الموهبة، كما أنها فرصة ثمينة للانفتاح على عالم جديد في الحياة والتواصل مع المجتمع وتحقيق الطموحات وتنمية القدرات الذاتية والجسدية”.
الجرأة والروح الرياضية والمرح؛ صفات أضيفت إلى شخصية الشابة عايش بعد انخراطها في فريق لعبة كرة السلة.
ترفع معنوياتها
أما رانيا مسعود السحباني (32 عامًا) فأدارت كرسيها المتحرك بسرعة لتلحق بالكرة وتلتقفها من صديقتها وتصوبها تجاه المرمى، فبدأت أنفاسها تتصاعد، وجسدها ينصبّ عرقًا بسبب أشعة الشمس، ولكن حرارة التحدي مكّنتها من أنْ تسجل أهدافًا في مرمى الفريق الثاني.
وتوضح أنها أحبت عالم الرياضة, فهي تمنحها روحًا معنوية عالية، وهمة لتطوير أدائها ومهاراتها في لعبة كرة السلة وألعاب القوى.
وتضيف السحباني الحافظة لكتاب الله: “فمثل هذه الرياضات وخاصة كرة السلة كونها لعبة جماعية، فهي تعمل على دمج ذوي الإعاقة ببعضهم البعض كونهم لديهم نفس الاهتمام, وكذلك مع مجتمعهم، وبالتالي تعمل على تعزيز ثقة الأشخاص بأنفسهم”.
وبينت أن هذه الرياضة بالإضافة إلى بعض الرياضات الأخرى في القطاع, تُعاني من مشكلات عدة، كعدم توافر أندية وتدمير بعضها أثناء العدوان الإسرائيلي، وقلة الدعم وارتفاع تكاليف تجهيزها.
الشابة السحباني, لمدة 27 عامًا من عمرها كانت تمارس حياتها الطبيعية، إلا أنه في ذلك اليوم وبالتحديد يوم الأربعاء بتاريخ 30/12/2009م، الساعة الرابعة مساء، كان الجو عاصفًا وممطرًا, فصعدت إلى سطح المنزل لتنشر الغسيل, وبفعل الرياح وقعت من الدور الثالث، فتنقلت بين المستشفيات الإسرائيلية والمصرية لتلقي العلاج؛ لتستقر حالتها بعد تلقيها العلاج الطبيعي إلى شلل في الجزء السفلي.
وهي تتمنى أن تواصل مسيرها في الرياضة وأن تلقى مزيدًا من الاهتمام، وتشارك في مسابقات دولية.
المصدر: هجى الدلو -غزة / فلسطين أون لاين