[B] خلال سنوات خمسينات وستينات القرن الماضي كنا نرى مكفوفين كويتيين وغير كويتيين يعبرون الشارع وفي الأسواق, وكنا نراهم يشاركون بفعالية في الاحتفالات الوطنية, وفي المناسبات العربية والعالمية, رغم عدم وجود جمعية نفع عام تمثلهم. وكانت وسائل الإعلام على قلة عددها ونوعيتها خلال تلك الفترة تنقل نشاطات هذه الفئة العاملة في المجتمع الكويتي, لهذا كنا نستشعر وجودهم وأهمية دورهم الاجتماعي لتفاعلهم الإيجابي مع الأحداث. وبعد كل هذه العقود والسنوات ورغم التطور الهائل الذي طرأ على تكنولوجيا الاتصال والنقل لم نعد نرى مكفوفين في طرقاتنا ولم نعد نستشعر لهم وجودا كما كنا في السابق. ورغم مرور أربعين سنة بالتمام والكمال على تأسيس جمعية المكفوفين الكويتية (تم إشهار الجمعية في يوم السبت الموافق 14 أكتوبر 1972), لا نسمع لهذه الجمعية ضجيجا ولا جعجعة على المستوى المحلي على الأقل, ولا حتى احتفالا بمناسبة مرور أربعين سنة على تأسيسها (صادف يوم الأحد 14 أكتوبر الجاري). هل هو بسبب غياب الدعم الحكومي أو الأهلي لهذه الفئة المهمة? أم إنه خوف هذه الفئة من التواجد على الطرقات بسبب كثرة السيارات وعدم التزام الكثيرين من قائدي المركبات بأخلاقيات استخدام الطريق وافتقاد غالبيتهم للذوق العام وجهلهم بكيفية التعامل الإنساني المتحضر مع ذوي الاحتياجات الخاصة, فاختفى المكفوفون عن بيئة “عميان البصيرة”? لقد نمى إلى علمي أن جمعية المكفوفين الكويتية تشارك في كل المناسبات العالمية ذات الصلة بذوي الاحتياجات الخاصة عموما, والمكفوفين خصوصا, وما تفاعلها مع احتفالية يوم العصا البيضاء إلا مثال بسيط للتأكيد على تواجدها الإقليمي والعالمي, إذن ما السبب في هذا الغياب القسري لهذه الفئة من التفاعل الاجتماعي على الساحة المحلية على الأقل? هل هو بسبب قلة أو ندرة المناسبات التي تهم المكفوفين في الكويت? أم بسبب انشغال الحكومة والناس بعامة بأمور أخرى يعتقدون ظلما وعدوانا أنها أهم من هذه الفئة? أم أنه بسبب غياب الدعم الحكومي الكافي عن الجمعية أو عن أعضائها عموما, بعكس الدعم الذي تتلقاه الفئة نفسها في الدول المتقدمة من كل فئات المجتمع وبخاصة من القطاع الخاص? في الدول المتقدمة, بل وفي كل دول العالم ما عدا الدول العربية, تهتم الدولة بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة. فهناك مواقف خاصة لهم ومقاعد خاصة لهم في كل وسائل النقل العام, وهناك تعامل خاص لهم في المؤسسات العامة والخاصة, بل ولهم الأولوية في كثير من التعاملات. وأكثر من هذا أن شركات التكنولوجيا في الدول المتقدمة تخصص جزءا كبيرا من إيراداتها لاختراع وسائل متطورة تعين ذوي الاحتياجات الخاصة على الاندماج في المجتمع والانغماس في تياراته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. أما عندنا فمازلنا نتساءل: هل ينظر الكويتيون عموما, والمسؤولون خصوصا, إلى المكفوفين مثلما ينظرون إلى فئة المعاقين جسديا فتخصص لهم أو لسياراتهم مواقف خاصة قريبة من المداخل الرئيسية لمؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص? لقد نمى إلى علمي أخيرا أن إحدى الكويتيات المكفوفات وخلال تواجدها في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لإنهاء بعض المعاملات, توجهت على الفور إلى موظفة الكاونتر التي أخبرتها بأن تأخذ رقما, فقالت: ولكنني كفيفة أحتاج إلى مساعدة, فردت الموظفة وبكل برود: لو كنت على كرسي متحرك ساعدناك ولكن الوضع مختلف. فاضطرت إلى الوقوف في الطابور حالها كحال “المفتحين”. لقد ساهم سن القوانين والتشريعات في انتشار الوعي بين مختلف فئات المجتمع في الدول الغربية بضرورة الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة, كما ساهمت بتثقيف الناس بعامة بكيفية تقديم المساعدة إلى المكفوفين عند محاولتهم عبور الشارع. لهذا اعتادت الناس هناك أن ترى ذوي الاحتياجات الخاصة مختلطين بالآخرين, بعكس ما نراه عندنا. ورغم ذلك نفاخر بأننا مسلمون ولكن وللأسف الشديد, أغلبنا لا يتدثر بأخلاق الإسلام. * إعلامي كويتي [email]yousufzinkawi@hotmail.com[/email][/B]