” يسقط عيد الأم ” أغرب العبارات التي يمكن أن تسمعها في هذا اليوم المفعم بالمشاعر والعواطف الجياشة ولكنها لم تأت من فراغ فذاك اليوم الذي تضاربت حوله الآراء من إقرار وإنكار كذلك يحمل تضاربا في المشاعر من سعادة وحزن ، سعادة وهناء لمن يملك نعمة ضم الأم والغرق بحنانها وحضنها والعكس من القهر والحزن لمن شاءت الأقدار أن يحرم من هذا النبع الفائض بالحنان أي اليتيم أو بمعنى أدق هو ” (العجِيّ) ” من فقد أمه فقد الحب والأمان خسر الطيبة والحنان فيأتي عليهم العيد وهم يتألمون وتنزف جروحهم لفداحة خسارتهم فهو نهر العطاء وباب الرزق والدعوات الذي فتحه الله تعالى بوجودها وفجأة جاءت العاصفة القدرية لتغلق أبواب الحب وتفتح نوافذ لوعة الشوق وحرقة الفراق .
ولما في هذا اليوم من مفارقة في الإحاسيس والمشاعر كان لابد من معرفة كيف هو حال عيد الأم بدون أم : شعور الحرمان
• تروى (عبير ) 15سنة حكايتها قائلة يمر عيد الأم كل عام من أمامي دون أن يلتفت لي أو ألتفت له فصاحبة العيد غائبة وعندما يزورنا أحد ما تلمع عيوني بفرحة الأحساس بأن هناك من يحبني ويحنو علي لكن كل ذلك لا يمحو علامات الحزن التى يرسمها شعوري أني محرومة من الحياة الطبيعية في كنف أمي التي أفتقدتها وبرغم مسحة الحزن التى فى عينيها فإنها تضيف قائلة عيد الأم بالنسبة للأطفال الأيتام ليس مناسبة للقاء وتبادل الهدايا وإنما هو يوم حزين يوقظ داخلهم ذكريات مؤلمة ولايجدون من يخفف أثرها بالعطف والحنان عليهم في هذا اليوم فقدان الأم يشكل فراغا لا يعوض بالنسبة للأطفال ويترك أسى عميقا فى النفس قد لا تمحوه الأيام وعندما يأتى عيد الأم أشعر بحزن وأسى شديدين لأنى أفتقد وجود أمى وحنانها.
عيد بلا أم
• يحدثنا ( أحمد ) قائلا ولوعة الشوق وحرقة الفراق ألهبت قلبه وأحرقته أيما إحراق وهو يعبر عما في داخله ويناجي أمه التي تركته قبل أن يحتفل معها بهذا العيد .أماه …جاء العيد ببهجته حاملا في طياته ذكريات الأعوام والسنين , حاملا صورك المعهودة والمتعددة , وأنت تعدين له العدة في بهجة وسرور, و ها قد عاد ولم تعدي له لقد أقبل وتأخرت عن الموعد كيف أفرح وركن الفرح معدوم, كيف أضحك وأبتهج ودواعي السرور مفقودة .أماه… لقد كنت مخطئا حين ظننت أن العيد يعني الفرح والسرور ولكن عرفت بعد الفراق أنك الأصل وأنك العيد.أماه ؟ ..لقد حاولت أن أغالب أحزاني فغلبتني واحتوتني بشيء من التحدي باللاشعور فبدونك لا عيد يحلو ولا ابتهاج يلوح في الآفاق لانور ولا ضياء غياب طمس العيد وغير مجرى الأحاسيس ولم يبق للعيد طعم ولا مجال للفرح والسرور في غياب الأم فمجرى الحياة قد تغير وانحرف بل وانقلب رأسا على عقب ما السبيل لكي أنسى, وهل أستطيع أن أنسى؟ وهيهات أن أنسى ,كيف أنسى من رافقتني هذه السنين وعلمتني معنى الحياة وبثت في روح الحب والاطمئنان كيف أنسى وجودك وعطفك كيف أنسى صوتك الرنان الذي لا يخلو من نبرات الإرشاد والتوجيه كيف أنسى وأنا أراك في كل غرفة, كيف أنسى وصورتك مرسومة بين عيني تلاحقني أينما ألتفت بشيء من التحدي .
لا أم ولا أب
•عيد الأم هو أصعب الأيام التي تمر علي مثله كباقي المناسبات والأعياد الأخرى التي تجتمع فيها الأسر مع بعضها البعض متلحفين بالمشاعر والملاطفة والوفاق يخيم عليهم والضحك والفرحة هكذا عبر(عمر )بأسى مستكملا : وفي نفس هذا الوقت يعتصر قلبي قهرا وحزنا فلا يمكن لأحد التخيل أو الوصول لهذا الإحساس إلا من يعيشه حقا ، الشعور بالوحدة وحولك الكثير من الناس ممن لا يشعرون بك وكذلك النبذ الاجتماعي فلا يوجد أصعب من الحرمان من عطف الأم وحنان الأب فحتى اليتيم الذي فقد أحد أبويه لديه الآخر أو حتى الأقرباء والأصدقاء ممن يشاركونه أفراحه ويخففون عنه أحزانه ويعوضون ولو جزء مما يفتقده ، أما نحن فلك أن تتخيل حياتنا بلا أسرة وبلا أقارب وبلا أصدقاء إضافة إلى معاملة المجتمع لنا كأننا نكرة ومتطفلين على الحياة ودائما ما ينظر إلينا نظرة دونية ولا يقدر على استيعاب أننا ليس لنا أي ذنب في مجيئنا إلى هذه الدنيا, أما عن هذه المناسبة الحمقاء المسماة بعيد الأم فتأتي لتدوس على جروحنا فتدمينا أكثر وأكثر ولا أعلم لماذا يتذكرونها ؟ وبما يحتفلون؟ وهم كل يوم في عيد بوجود الأم والأب حولهم فأنا أكره هذا اليوم لأنه يأتي فيذكرني أني وحيد ليس فقط دون أم بل دون أهل ودون نسب ودون أصل ودون حياة .
ملامح أمي
• أما ( آية ) التي لم تتخط العشر سنوات وبعيون حزينة باكية تحاكي مرارة الواقع الذي تعيشه قائلة كم أشتاق إلى أمي التي لم أعرفها ولكني أحبها عن ظهر قلب ورغم طيبة أبي وحنانه إلا أني أفتقدها وأشعر بذلك أكثر حين أرى باقي الأطفال يركضون نحو أحضان أمهاتهم مهرولين إليها في حالة الذعر والخطر فكم تمنيت أن أكون مثلهم وأن تأتي أمي معي في حفلات المدرسة كما هو حال أصدقائي وأن تصفف لي شعري وأن تختار ملابسي وأن تعلمني وتدرس معي وحتى تضربني وأن أنام بحضنها ، ولكني أحمد الله فأنا أفضل من غيري بكثير فقد وهبني الله أبا حنونا يحاول تعويض ذلك وأخوان وأخوات يسهرون على راحتى, أعلم أنهم رغم تفانيهم في خدمتى إلا أنهم لم ولن يحلوا محل أمي ولكن والدي قد علمني أن أدعو لها بالرحمة وأنني إن شاء الله سأقابلها في الجنة وإنها تراقبني من السماء وتفرح حين أنجز واجباتي, وعن عيد الأم فأنا آخر من يسأل عنه لأني ليس لدي أم لأحتفل به فكم تمنيت أن أهديها زهرة أو حتى لوحة من رسماتي التي دائما ما تحمل ملامحها التي لا أعرفها .
زوجة الأب
• في عيون ( ياسمين وأسامة ) براءة غير طبيعية بما يشعرون من شرود ذهني في هذه المناسبة موضحين : ماما كلمة جميلة حرمنا منها منذ سنوات في بداية طفولتنا المبكرة وحتى الآن فأصبحنا ( أيتام ) بل ونعيش مع زوجة أب تعاملنا في منتهى القسوة وخاصة أن لنا أخوه أشقاء من زوجة أبي وهي تفرق بيننا في المعاملة فنشعر بالتعاسة والشقاء ولا أحد يكترث وفي كل عام يحتفل الأطفال بعيد الأم, فنجد إحساسا شديدا بالغربة ولأننا بحاجة ماسة لأمنا لحضنها وأمانها فنجلس أمام صورتها ونبكي ونتذكر مداعبتها وشرائها الهدايا لنا ومن داخلنا ننظر لمن يحتفلون في كنف أمهاتهم بهذا اليوم وخصوصا كونهم معنا بنفس المنزل وهم أبناء زوجة أبي بعين من القهر والبؤس فيقول أسامة أذهب إلى أختى ياسمين وأضمها ونبكي سويا فأشعر إنني مسؤولا عنها بغياب والدنا ولذلك نتمنى أن يلغى هذا اليوم من التاريخ حتى لا يجدد ذكرياتنا ويشعل لوعة فراق أمنا التي تؤلمنا دائما وتزداد في عيد الأم أكثر .
طقوسي الخاصة
• ولا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة (لفهد ) 20 سنة فرغم معاناته بفقدان الأم أبدع وابتكر وأصبح من أكثر طلاب تخصصه في الجامعة تفوقا ولكنه دائما ما يشعر بوجود نقص ما في حياته فعبر عن ذلك قائلا : دائما لا تكتمل فرحتى بأي إنجاز فدائما ما أشعر بنقص وجودها بحياتي رغم التفاف الأهل والمعارف والأصدقاء حولي فكم تمنيت أن أجدها برفقتي في دربي أهديها نجاحاتي وأن أقبل يدها ورأسها تكليلا لجهدها وتفانيها معي وأن يطمئن قلبي بدعائها فمازالت تنهمر دموع قلبي لفقدانها رغم مرور الأيام والسنين وكأن هذا اليوم المشؤم أمس عندما فارقت أمي الحياة وسرقها منى المرض وتركتني وحيدا لاحول لي ولا قوه فكنت وقتها في الخامسة من عمري وما أصعب وأطول تلك الأيام التي تمر دونها ففي كل لحظة تتجدد ذكراها وكل يوم يمر يقربني لها أكثر فلقد كذب من قال أن الوقت يمحو الذكريات ، وعن عيد الأم فله طقوسه الخاصة عندي أيضا فأذهب لقبرها وأكلله بأزهى الأزهار وأقرأ لها الفاتحة وأهديها أبهى الكلمات بهذه المناسبة وأقول لها كم اشتقت لها في عيدها الذي أصبح بغيابها أكثر الأيام ظلمة وأخبرها أن ما يهون علي الأمر كوني أشعر بروحها دائما معي توجهني للصواب وتحيطني بالحماية ولا تفارقني ولذلك أدعو من قلبي ألا يقع أحد في هذا الإحساس المؤلم وأن يطيل الله في أعمار كافة الأمهات وألا يذيق الأبناء مرارة فقدانها .
نعمة النسيان
•لم يسأل أحد أبدا لماذا حرم الله تعالى عيد الأم لأن عالمنا اليوم نفسي نفسي ولا يعير غيره أي اهتمام وضح ( سالم) بغضب أن عيد الأم هذا هو أصعب الأيام التي تمر على فاقد الأم ولذلك لم يلزمنا الإسلام به كعيد رأفة بحالنا نحن الأيتام أما المجتمع فلا شفقة ولا رحمة به كما يزداد الوضع صعوبة على الأطفال فنحن نعيش بنصف حياة فدائما ما ينتاب اليتيم الحزن والأسى المتلازمان مهما كانت حياته ميسرة فإحساس اليتيم لا يهجره لحظة واحدة .
مستكملا أنا اليتيم الذي فقد أمه التي كانت تدعو له والتي كانت باب الرحمة رحمة ربه به وزيادة رزقه فمهما كبر الإنسان والتف الأفراد حوله دائما يشتاق لضمة أمه لمسحة يدها على رأسه ولا يملك سوى الصبر والسلوان والدعاء لله أن يرزقه نعمة النسيان ويأتي هذا اليوم الكئيب ليهدم صرح النسيان الذي التف اليتيم به فيمطر علينا وابل من الذكريات والآلام فلا يقدر أحد على نسيان امه أبدا فلا يمكنك تخيل كيف هو الليل على اليتيم فهو إحساس فظيع لا يمكن لأحد تخيله وتحديدا في هذا اليوم الذي لا نملك سوى أن ندعو الله أن يرزقنا الصبر فيه وأن يقوي إيماننا بالقضاء والقدر
عوامل نفسية
•وبهذا الشأن حدثنا دكتور علم النفس المتخصص في علاج الأيتام / خالد الشمروخ قائلا : تعد ظاهرة اليتم من الظواهر القاسية التي تعاني منها الإنسانية ، وأن إهمالها وعدم التصدي لها بما يرضي الله والضمير سوف يجر بويلات ومخاطر تلعب دوراً رئيسياً في تحلل المجتمع وسقوطه فضلاً أن عدم الاكتراث بهذه الظاهرة وتهميشها يعطي صورة لاتقبل الجدل بأن مثل هذه المجتمعات تكون خالية من الرحمة والعطف والإنسانية، خاصة عندما نقرأ ونسمع من المواقع والفضائيات بالأعداد المهولة للأيتام والذي يرافقه عدم الاكتراث، حيث تبين وسائل الإعلام بأن عدد الأيتام في العالم العربي يتزايد من الذين رحل أباؤهم ومعيلهم بفعل عنجهية الظالمين وذيولهم وشرار نارهم التي تحصد بالأبرياء لحد يومنا هذا، كما أن من الحقوق التي يقدمها الله على حقه هو حق اليتيم باعتباره موضع حاجة ومع الأسف الشديد ترانا في البلاد الإسلامية والتي ينبغي عليها أن تعزز هذا المفهوم في فلسفتها وعملها , وأن تكفل لليتيم حقه ورعايته من الجوانب السيكولوجية والفسيولوجية والاجتماعية، إلأ أننا نلمس بأن الواقع غير هذا وأن بلاد الحرب أو الكفر كما يحلوا لبعض المتمنطقين في الدين هم أكثر حرصاً وإنسانيةً لتلبية حاجات ومتطلبات الأيتام ورعايتهم وتعضيد مقومات الصحة النفسية لديهم من أجل أن يكون إنساناً يتمتع بالتوافق النفسي والاجتماعي ، فهم يعملون بجوهر الإسلام ونحن نتمسك بقشوره ، هم يجسدون مايسمى بظاهرة الاستبطان في تعاملهم مع هذه الشريحة من المجتمع، حيث يمثل الاستبطان ببساطة نوع من الملاحظة الذاتية التي يقوم بها الفرد لعملياته العقلية والنفسية ومايدور فيها ،أي بمعنى آخر هو نوع من الرؤية الداخلية لكوامن الذات سواء كانت مباشرة وقت حدوث النشاط الإنساني أو العملية العقلية أو إذا كانت استرجاعية لأهداف ماضية سابقة .
شعور اليتيم
• إن ظاهرة اليتم في الكويت ظاهرة مخيفة كون الأمر لا يتوقف عند فاقدي الأب أو الأم بل يمتد ليصل لفاقدي النسب أو ( اللقطاء والتي ينبغي من الدولة التصدي لها بكل ما أوتيت من قوة وجعلها من أولوياتها لأنها تعد في المستقبل أخطر من الأرهاب نفسه، على أعتبار أن اليتيم يفتقد الكثيرمن مقومات ومستلزمات التربية والإرشاد والتوجيه التي قد تكون في متناول الأطفال الآخرين والتي من أولها مسألة التنشئة الأجتماعية بصنفيها الأسري والبيئي والتي يسعى من خلالها الآباء والمربون الى إحلال عادات ودوافع جديدة كان الطفل قد كونها بطريقة أولية في المرحلة السابقة، أي بعبارة أخرى أن عملية التنشئة يهدف من خلالها الآباء والمربون لأن يمكنوا أبناءهم من اكتساب العادات والأساليب السلوكية والدوافع والقيم والمعايير والاتجاهات التي تتوافق مع المجتمع والتي تتقبلها الثقافة الفرعية التي ينتمون إليها، وهذا أول الفقد الذي يتعرض له اليتيم ثم تأتي تباعاً الفقودات الأخرى والمتمثلة في عدم تلبية حاجاته الأساسية والأولية وما يتبعها من إحباطات متعددة على الصعيد النفسي والمادي والتي تؤثر أيما تأثير على صحته النفسية وتوازنه النفسي والاجتماعي
عملية سلوكية
• فعلى صعيد الصحة النفسية والتي نعني بها توفر الشروط الدافعة للوظائف النفسية التي تنطوي عليها الشخصية لتقوم بمهامها بشكل متناسق ومتكامل وموحد، ومن معايير الصحة النفسية والتي تكون نابعة من أساليب التنشئة الأسرية والاجتماعية وخاصة فيما يتعلق كما أسلفنا بمسألة التوافق مع المعايير والقيم السائدة دون المساس السالب لهوية وشخصية الطفل هذالتوافق ( هو عملية سلوكية معقدة هدفها إقامة التوازن بين المحيط النفسي الداخلي للطفل والمحيط البيئي الخارجي)، وهنا ينبغي أن نعلم بأن حالة التوازن في المحيط النفسي للطفل اليتيم تكون ضعيفة وممزقة خاصة عندما يتلقفه الشارع القاسي وأصحاب الضمائر الميتة بالإضافة إلى مانلمسه جلياً من شدة الأزمات النفسية التي تنشأ للطفل اليتيم من جراء معاناته من الحرمان لتلبية حاجاته وإرضاء دوافعه، وتتفاوت هذه الأزمات شدةً وخطورةً تبعاً لقوة الدوافع المتصارعة وكثرة الزواجر الأخلاقية والاجتماعية وهذا مايجعله صيداً سهلاً للوقوع بالاضطرابات النفسية وحتى الجسمية على اعتبار أن ( أساس الأمراض العضوية هو نفسي)، وهذا بالتالي يؤدي إلى نفوره من المجتمع وتمرده عليه واغترابه عنه وما تؤديه هذه المشاعر من أجواء ومناخات تدفعه دفعاً لارتكاب المحظور من السلوكيات سواء كانت على الصعيد النفسي أو الاجتماعي.
المصدر : دروازة نيوز
|
||