[B] أظهرت دراسة جديدة في الولايات المتحدة أن نصف الأطفال المصابين بالتوحد تقريباً إما أنهم يتوهون بعيداً عن المسكن أو أنهم يهربون، وغالباً ما يُعَرِّضون أنفسهم للخطر. وفي تحليل للأجوبة التي أعطاها الأهل عن أسئلة في استبيان من ضمن أكبر مشروع في الولايات المتحدة لدراسة التوحد على الإنترنت، تبين أن الأطفال المصابين باضطرابات الطيف التوحدي معرضون بنسبة تزيد بأربع مرات في الهروب من المسكن على غير المصابين من إخوانهم وأخواتهم. وأورد باحثون من شبكة التوحد التفاعلية IAN، وهو مشروع يشرف عليه معهد كينيدي كريجر في بالتيمور في ولاية ميريلاند، نتائج بحثهم في بحث من المتوقع أن ينشر على الإنترنت في مجلة ‘طب الأطفال’ في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر). يشار إلى أن بول لو هو مدير شبكة التوحد وكبير مؤلفي البحث. وقال في بيان للصحافة: ‘منذ إطلاق المشروع كنا نسمع من عائلات الأطفال المصابين بالتوحد أن أطفالهم غالباً ما يعرضون أنفسهم للخطر من خلال التوهان أو الهروب خارج المسكن’. وأضاف: ‘هذه هي أولى النتائج التي تنشر في الولايات المتحدة والتي تعطينا تقديراً لعدد الأطفال المصابين باضطرابات الطيف التوحدي، الذين لا يتوهون أو يهربون فقط، وإنما يختفون كذلك لفترة طويلة تسبب قلقاً حقيقياً لأهليهم’. ووجد لو وزملاؤه أن أكثر الأماكن التي يتوه منها الأطفال أو يهربون منها هي إما مسكن العائلة أو مسكن شخص آخر، أو أحد المحال التجارية، أو المدرسة. وحاول بعض الأطفال الهرب عدة مرات في اليوم الواحد. وفي محاولة لتفسير الأسباب التي تقف وراء السلوك الذي يبدو أنه أكثر انتشاراً بين الأطفال المصابين بالتوحد، يقول لو في تعليق أوردته وكالة رويترز: ‘إن هذا الأمر كامن في طبيعة التوحد ذاتها’. وأعطى الأهل أمثلة على الأسباب التي تدفع بأطفالهم إلى الهروب، وهي تشتمل على الرغبة في إشباع الفضول أو الاستكشاف، أو العثور على مكان يجد الطفل فيه متعة، أو للخروج من موقف يثير التوتر أو من موقف غير مريح. ويقول لو إن الأطفال الذين يعانون من أنواع التوحد المختلفة لا يتمتعون بالمهارات الاجتماعية اللازمة لمراجعة والديهم أولاً قبل الهروب. كيف أجرى الباحثون الدراسة؟ استخدم الباحثون الأجوبة التي قدمها أهل الأطفال في استبيان على الإنترنت، وكان عدد الأطفال الذين يعانون التوحد في العينة هو 1218 طفلاً، إضافة إلى إخوانهم غير المصابين بالمرض، والذين كان عددهم 1076. وكان الرقم الرئيسي الذي هدفوا إلى التوصل إليه هو عدد الأطفال الذين أظهروا من قبل ميلاً إلى الهروب أو الخروج والتوهان خارج المنزل بدءاً من عمر الرابعة، وهو سن يعتبر فيه هذا النوع من السلوك غير معهود بين الأطفال. كذلك اهتم الباحثون بالتوصل إلى رقم آخر، وهو عدد الأطفال الذين اختفوا لفترة طويلة سببت قلقاً لأهليهم. وقد صنف الباحثون الحالات التي من هذا القبيل على أنها ‘اختفاء’، في حين أن الأطفال الذين لم يبلغوا هذه الفئة بعد تم تصنيفهم على أنهم ‘غير مفقودين’. بعد ذلك حاول الباحثون، من خلال اطلاعهم على أجوبة الاستبيان المتعلقة بالتوتر، إيجاد علاقة بين سمات الهروب وبين مقاييس التوتر العائلي. ما الأمور التي توصل إليها الباحثون؟ وجد الباحثون أن الأطفال في هذه العينة، ابتداءً من سن الرابعة، والذين كانت نسبة المصابين بالتوحد بينهم هي 49 في المائة، حاولوا الهروب أو الابتعاد عن المسكن مرة واحدة على الأقل. ومن بين هؤلاء، اختفت ما نسبته 53 في المائة منهم لفترة طويلة سببت القلق لأهليهم. وفيما يخص فترة العمر الواقعة بين أربع سنوات وسبع سنوات وجد الباحثون أن 46 في المائة من الأطفال المصابين بالتوحد هربوا من المسكن أو ابتعدوا عنه وتاهوا، وكانت هذه النسبة أعلى بأربع مرات من النسبة الموجودة بين إخوانهم وأخواتهم. أما في الفترة الواقعة بين ثماني سنوات إلى 11 سنة، فقد بلغت نسبة الأطفال المصابين بالتوحد الذين هربوا من مساكنهم 27 في المائة، مقارنة بنسبة 1 في المائة فقط بين إخوانهم غير المصابين بالتوحد. ومن خلال الإجابات التي تلقاها الباحثون من الأهالي، يقترح الباحثون أن سن 4-5 سنة هي أكثر الأعمار التي تجري فيها معظم محاولات الهروب، وحين سئل الأهالي عن ‘أسوأ سنة مرت عليهم من حيث هرب الأطفال’، قال 29 في المائة منهم إن طفلهم حاول الهروب عدة مرات في اليوم الواحد، وقال 35 في المائة منهم إن محاولة الهروب كانت تحدث بمعدل مرة واحدة في الأسبوع على الأقل. وأبلغ الأهالي عن حالات كاد الأطفال المختفين فيها أن يتعرضوا لحوادث السير، حيث بلغت نسبتهم 65 في المائة، وبلغت نسبة الأطفال المختفين الذين كادوا أن يصابوا بالغرق 24 في المائة. واكتشف الباحثون أن الهروب كان يبدو عليه أنه موجه لهدف محدد، فقد كاد لدى الطفل هدف محدد يدفعه للذهاب إلى مكان ما أو القيام بأمر ما. وقال أكثر من نصف الأهالي (56 في المائة) إن الهروب كان من أكثر التجارب المثيرة للتوتر والقلق والتي كان على الأهالي أن يتكيفوا فيها مع حالات التوحد. وقال 50 في المائة منهم إنهم لم يتلقوا أية مساعدة أو إرشاد بخصوص كيفية التعامل مع هذا السلوك. وبلغت فترة الاختفاء في المتوسط 41.5 دقيقة. وحين يختفي الطفل، كان أكثر الردود انتشاراً بين الأهالي هو أن رد فعلهم الأولي هو سؤال الجيران (57 في المائة). وكانت ردود الفعل التالية بعد ذلك بين الأهالي هي الاتصال بالشرطة (35 في المائة)، والاتصال بالمدرسة (30 في المائة). وكانت هناك نسبة 26 في المائة تمثل الاتصال بموظفين في المحل (في حالة اختفاء الطفل في أحد المحال التجارية). مضامين الدراسة يقول لو إن الباحثين يأملون في أن تؤدي النتائج التي توصلوا إليها إلى المساعدة على ‘تثقيف الأهالي والأطباء والعاملين في التعليم والذين يتلقون الاستفسارات الأولى، بخصوص العواقب الحقيقية للهروب’. وقال لو: ‘غالباً ما يخشى الأهل أن يُنظَر إليهم على أنهم أهملوا العناية بأطفالهم حين يخرج الأطفال من الأماكن الآمنة. وتبين هذه الدراسة أننا بحاجة ماسة إلى التدخل بهدف التصدي لموضوع الهرب وتقديم المساندة للعائلات المتضررة’. ويقترح الباحثون أنه ينبغي إجراء المزيد من الدراسات بهدف معرفة ما إذا كانت هناك أنواع مختلفة من الهروب، لأن كل حالة تتطلب معالجة مختلفة من أجل الحؤول دون وقوعها. وقالوا إنه كلما ازداد فهمنا لهذه الظاهرة، ازدادت فرص العثور على سبل من أجل مساعدة الأهل على التعامل والتكيف مع هذا السلوك الذي يسبب قدراً كبيراً من التوتر والألم.[/B]