تمتزج أصوات أطفال منهمكين بترديد أغنية تراثية وطنية يحفظون كلماتها جيدًا مع أوتار موسيقية لآلة قانون قديمة يعزفها أحدهم على ضمن جلسة علاجية بالموسيقى عقدت في أحد المراكز التأهيلية في غزة.
ويجلس نحو 20 طفلاً من ذوي الإعاقة العقلية والجسدية بشكلٍ نصف دائري للاستماع إلى معزوفات موسيقية قصيرة، يصفقون برقة ويومئون برؤوسهم انسجامًا مع نغمات المقطوعة.
وتمثل هذه المعزوفات المنظمة في المركز الوطني للتأهيل المجتمعي نموذجًا علاجيًا لعشرات الأطفال الذين يعانون صعوباتٍ في التعلم وإعاقات طبيعية أو نتيجة الحروب الثلاثة الأخيرة على قطاع غزة، حيث حول العدوان الأخير وحده أكثر من 1500 طفل إلى ذوي احتياجات خاصة.
وعلى الرغم من ندرة تطبيق العلاج بالموسيقى في غزة؛ إلا أن المختصين في المركز العلاجي الذي افتتح قبل 20 عامًا يرون أن هذا الأسلوب يعزز اندماج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم العاديين، خصوصًا وأن بعض أولئك المعاقين أجبروا من ذويهم على ترك مقاعد الدراسة “خشية الإحراج”.
ويقول مدير المركز وائل أبو رزق إن فكرة العلاج بالموسيقى مستوحاة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث لجأ الأطباء النفسيون إلى استخدام الموسيقى لعلاج الجنود الجرحى.
وقد استخدم هذا الأسلوب قديمًا كما ورد عن بعض علماء اليونان؛ كأفلاطون وأرسطو وغيرهما أن للموسيقى أثرًا في العلاج من بعض الأمراض. وعرف العلاج بها العرب وغيرهم من الحضارات القديمة في الصين والهند.
ويضيف أبو رزق في حوارٍ إن “بعض الأنشطة في المركز تزرع قدرًا من البهجة لفئة يمكن أن تكون مهمشة مجتمعيًا وتعاني صعوبات الحياة”.
ويظهر تقرير للجهاز المركزي للإحصاء أن عدد المعاقين في قطاع غزة يقارب 250 ألفًا، فيما خلف العدوان الأخير نحو ثلاثة آلاف معاق، نصفهم من الأطفال دون سن الـ 18.
ويشير مدير المركز التأهيلي إلى أن فرصة العلاج بالموسيقى تمثل عنصرًا مهمًا في جمع الأطفال في مكان واحد للمشاركة في موهبة محببة لد الأطفال، في محاولة لإقناعهم أن الأطفال الأسوياء وذوي الاحتياجات الخاصة متساوون في القدرات والإمكانات.
ويضيف: “توفر الموسيقى نوعًا آخر من العلاج لدى الأطفال المصابين من جراء العدوان، فبعض المعزوفات الموسيقية ضمن الشعور الجمعي تخاطب وجدانهم وتعزز فرص التماثل للعلاج بشكل أكبر، عدا عن خلوها من7 الآثار الجانبية التي تخلفها الأدوية الكيماوية”.
أما الاختصاصية النفسية في المركز إيلين عوض الله فتؤمن أن الموسيقى هي علاج مثالي للأطفال الذين يعانون صعوبات عقلية أو جسدية، قائلةً: “إن العلاجي الموسيقي يعزز الثقة بنفوس الأطفال وتمكنهم من اكتساب أساليب جديدة في التعبير عن مشاعرهم.
وتقول عوض الله إن “فرصة اجتماع أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في وجود خلفية موسيقية تداعب إحساسهم تمثل فرصة نادرة في غزة”.
وتشير إلى أن بعض الأطفال ممن أجبرهم ذووهم على الانقطاع عن الدراسة نتيجة إعاقاتهم على العودة إلى مقاعد الدراسة مجددًا بعدما حظوا بفرصة الالتقاء بأقرانهم ومشاركتهم والحديث إليهم واعتبار إعاقاتهم أمرًا جانبيًا طالما أنهم يملكون قدرات عقلية متساوية.
وإلى جانب الموسيقى، تقول الاختصاصية عوض الله إن الأطفال هنا بارعون بالأعمال المسرحية كإلقاء الشِعر والقراءة والرسم الجماعي، بالإضافة إلى المشاركة الحقيقة من جانب بعض الآباء في الأداء المسرحي.
ويأمل العاملون في المركز في أن تساعد هذه الأنشطة ليس فقط في تعليم الأطفال شيئا جديدا، بل أيضا تعليم آبائهم والمجتمع بشكل عام كيفية التفاعل مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.