معاق على سلالم القصر.. أرفض التهميش.. العاصفة.. لوحات رسم من خلالها الفنان كريم النجار.. صفحات من التحدى تنطق الألوان برحلة كفاح
شاب مصرى وجد نفسه فجأة جزءاً من عالم ذوى الاحتياجات الخاصة بعد أن تسربت الإعاقة تدريجياً إلى جسده فى عز الشباب ليلتزم كرسياً متحركاً استعاض به عن ساقيه اللتين كانتا جناحين يحلقان بـ«سفير التحدى» فى سماء صنعها فى خياله، لكن الريشة والألوان كانت جميعاً كود إتاحة ووجهة نظر فى عالم أراد سجنه لكنه إلى الآن يمضى فى طريقه.
المعارض التى يقيمها «النجار» فى كل مكان فى مصر والعالم العربى رسالة ليست لذوى الاحتياجات فقط بل لكل المجتمع الذى قال عنه لم يتقبل إعاقتى.
كريم النجار أو كما يطلقون عليه سفير التحدى فنان من طراز خاص لم تقف ظروفه الصعبة فى سبيل أن يحفر لنفسه مكانة خاصة جداً فى عالم الفن التشكيلى كما أن نشاطه فى مجال حقوق ذوى الاحتياجات الخاصة جعل منه أملاً وقدوة لكل من شاء قدره أن يمتحن بإعاقة مازالت تمثل عبئاً على صاحبها.. علمت أن كريم النجار لم يولد معاقاً لكن مرضاً نادراً جداً أصابه بتلك الإعاقة بشكل تدريجى بعدما حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة الإسكندرية، فهو اسكندرانى أصيل ويعتقد النجار أن ظرفاً نفسياً شديداً ساهم بشكل كبير فى إعاقته، لم يستسلم لليأس والظروف الاقتصادية والاجتماعية التى ألمت به فترة، ما جعلته فى النهاية يرفض العلاج بل لا يبحث عنه.
> سألته: تحدثت عن ظروف سيئة هل تعتقد أنها سبب أم نتيجة؟
– أياً كان لقد تقبلتها لكن للأسف المجتمع لم يتقبلنى ولكن للإنصاف ليس كل المجتمع فهناك أناس مازالوا يتعاملون مع الإعاقة على أنها وصمة عار ويخفون أبناءها إذا كانوا من ذوى الاحتياجات الخاصة وهناك أناس لا يتقبلون فكرة ارتباط المعاق وزواجه وإمكانية تكوين أسرة.
> وهل كل معاق يتحمل ذلك ويتفهمه؟
– هناك من ييأس وهناك من يتحدى ويتحمل، المسألة تكمن فى كيفية توظيف قدراتى المتاحة فى التعايش مع المجتمع وأتقبله بما قد يجهله من أمور المعاقين.
> هل القضية تصبح أصعب على شخص عاش حياته بدون إعاقة ثم أصبح فجأة من ذوى الاحتياجات الخاصة؟
– الإنسان الذى ولد معاقاً يتأقلم على وضعه بسهولة ولكن يجد صعوبة فى استخدام ما له من إمكانيات أما شخص مثلى فعشت فترة من حياتى أمشى على قدمى أهلتنى وجعلتنى أتقبل فكرة استبدال قدمى بكرسى لكنى أظل أشعر بمرارة الفرق وهذا ما يمكن أن يدمر الإنسان أما إذا كان ذا شخصية قوية فهو يتفهم خاصة فى ظل التطور التكنولوجى الحالى الذى سهل الكثير من سبل التعايش مع الإعاقة.
> متى بدأت الرسم وهل هو هواية أم حرفة؟
– بدأت منذ طفولتى، كان عمرى 7 سنوات وكنت أتابع فناناً تعلمت على يده بعد ذلك اسمه سيد عبدالله فى قصر الثقافة كنت أعتقد أنه ساحر يحوِّل القماش الأبيض لمساحة ناطقة ولفضله على أُعلِّم الآن الأطفال فى ورش تطوعية.
> ماذا تعلمهم من خلال الرسم؟
– أعلمهم أن الفن تعبير بالصورة مثل الكاتب يعبر بالكلمات، أما الألوان فهى تعبر عن الحالة التى يريد أن تصل للمتلقى فتتحول الحقائق إلى لوحات أقوم بذلك من خلال ورش تطوعية أريد أن أرذله الجميل، حاولت التواصل معه لكنه اختفى ولم أعثر عليه لكنه باقٍ فى ذاكرتى للأبد.
> ما الخامات التى تفضلها فى لوحاتك؟
– أستخدم كل الخامات لكنى أفضل القماش والألوان الزيتية، أنا أرسم أيضاً بالفحم والرصاص والألوان المائية.
> تقول إنك تحول الحقائق للوحات.. كيف؟
– أنا اتأثر جداً بالأحداث من حولى وأعبر عنها من خلال لوحاتى، ومنذ عام 2011 إلى الآن قمت بعمل 6 معارض فى قصور ثقافة مختلفة وحضرت منتدى بالشارقة وعرضت لوحاتى ولقيت قبولاً وتقديراً وشاركت فى الحديث عن أدب الأطفال والإعاقة.
وأنا حريص فى كل معرض أن أخصص لوحتين أو أكثر عن حياة المعاقين ومشاكلهم لأن الإعاقة جزء من حياتى ولأننى عرفت حقوقى المهضومة أحاول أن أعبر عنها من خلال لوحاتى مثل لوحة «أرفض التهميش» وشاركت فى معرض القاهرة بلوحة معاق على سلالم القصر؟
> ماذا تقصد بها؟
– أقصد أن لو أن هناك قصراً كبيراً أمام المعاق تصل إليه بسلالم.. فلن أصل إليه وأنا لست بحاجة إليه أصلاً وكأنه غير موجود لأننى لن أتمكن من الوصول إليه، وهنا أطالب بكود الإتاحة الذى يتسبب غيابه فى مشكلات عديدة للمعاقين فى الشوارع والمواصلات وكل مكان غير مهيأ لذوى الاحتياجات الخاصة كما أقول فى لوحتى «أرفض التهميش» لأن المعاقين لهم حقوق ولابد أن يحصلوا عليها هناك لوحة أخرى يجلس فيها المعاق على كرسى متحرك وأمامه ثلاثة أحصنة تمثل السلطات الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية، أوجهه لهم عبارة لا للتهميش وأريد أن أوصل رسالة هى أن المعاق فى مجتمعنا يعيش فى صراع مع الصعاب يحل مشكلات مع نفسه فلا توجد مواصلات مناسبة ولا أتوبيسات مجهزة ولا الطرق تسهل الحركة على ذوى الإعاقات فضلاً عن صعوبات إيجاد فرص عمل حتى نسبة الـ5٪ والتى نص عليها القانون غير مفعلة وغير ملزمة مما يؤثر على الحالة الاقتصادية للمعاق حتى لو كان معه مؤهل فماذا سيفعل به وطالما كان غير مؤمن من الناحية الاقتصادية يؤثر ذلك بالطبع على حالته النفسية والاجتماعية.
> هل تعتقد أن دخول ذوى الاحتياجات الخاصة للبرلمان سيكون مؤثراً إيجابياً على أحوالهم؟
– بداية هذا استحقاق لهم ولكن قضية إيجابية وجودهم على مشكلات المعاقين فهذا أمر مختلفة لأن ذلك يحتاج لتوافق بين الأعضاء كلهم وقرار سياسى يسمح بخروج قانون يضم حق المعاق من البرلمان وهذا هو التطور الطبيعى الذى كان من المفترض أن يحدث من الثورة.
> وما رأيك فى المجلس القومى لشئون الإعاقة؟
– مجلس كرتونى لأنه بلا ميزانية بلا قرارات وجوده وظيفى.
> كيف ترى مطالب المعاقين فى ظل الأزمات التى تمر بها البلاد حالياً؟
تضمن معرض يوم 4 فبراير عرض لوحة «الإعصار» وكأننى تنبأت بما سيحدث والأحداث المؤسفة للمصريين فى ليبيا وبصراحة الوضع الأمنى والإقليمى يتعاظم لتتوارى مشكلاتنا الداخلية ولابد أن نتحد لكى نعبر هذه الأزمة، وللأسف فإن ثقافة الموت أصبحت تحاصرنا من كل الجهات وهذه هى اللوحة التى أعلى عليها حالياً، لقد تعودنا حوادث الموت لتصبح فى النهاية حيزاً على الفيس بوك أو نعى أو حداد، لدينا دماء فى كل مكان وجثث وشهداء لكنى مازال لدى أمل وهناك بقعة ضوء لا نعطيها حقها وهى قناة السويس الجديدة وأنا رسمت لوحة تربط بين السد العالى المشروع القومى الذى نفذه المصريون وسط إحباطات وارتفع شأنه مثلما يحدث الآن فى قناة السويس، فهى مشروع قومى كبير لا يقدره البعض وهو بمثابة استثمار طويل الأمد سيحدث نقلة كبيرة وسيؤتى ثماره الإيجابية على الاقتصاد المصرى.
> أشعر بأن بداخلك هماً كبيراً للمعاقين ما سر ذلك؟
– لقد مرت بظروف وتحديات شديدة الصعوبة ولا أريد أن يمر أحد بما مررت به لأنها تحققت بعد كفاح وتحمل ولا أضمن أن كل معاق سيقاوم مثلما قاومت أنا ولو كنت وجدت من يدعمنى لاختصرت وقتاً طويلاً ومجهوداً كبيراً لذا أحاول أن أدعم كل من هم فى ظروفى.
> ما آخر مشروعاتك؟
– آخر معرض احتوى على 40 لوحة مختلفة تناولت فيها موضوعات عديدة اجتماعية وسياسية وكل شىء ولاقت إعجاب الحضور وكان بقصر ثقافة برج العرب بالإسكندرية وحضره العديد من الفنانين وهانى خليفة، مدير القصر، والفنانين أشرف عبدالغفور ومحمود الحدينى وأشاد الجميع بلوحاتى التى توثق للثورة وأحداثها ومسارها وكيف تحول الحلم إلى فوضى وانقسام وقسمتها لمجموعات 6 لوحات عن الأيام الأولى من الثورة ثم الـ18 يوماً التالية وما حدث فيها ثم مجموعة فترة حكم المجلس العسكرى وأخرى تعبر عن فترة حكم الإخوان، سجلت الأفراح والأحزان والفجوات والقتل والسحل وغيرها من أحداث.
والآن أُحضِّر لمعرض كاريكاتير كبير بعنوان «بدران فى البرلمان» وبدران هو شخص من ذوى الإعاقة الذى سيدخل البرلمان وهو يهتم بقضايا زملائه وكيف سيكون وجوده داخل البرلمان وما سيواجهه وكيف سيواجهه وأمور أخرى كثيرة أتناولها بشكل كاريكاتيرى.
> أين سيقام هذا المعرض؟
– إلى الآن لا أعلم لقد قدمت طلباً إلى ساقية الصاوى من شهر ديسمبر ولم أتلق الرد وكذلك الإدارة العامة للتمكين الثقافى ولم يرد علىَّ أحد إلى الآن.
المصدر: نادية صبحى / جريدة الوفد .