تودي الألغام بأرجل وأيدي مئات الآلاف من الناس سنويًا في مختلف بقاع العالم، وتنتشر في دول فقيرة تعجز المنظمات الإنسانية، ويعجز الفرد الفقير فيها، عن تمويل الأطراف الصناعية، التي يرتفع سعر بعضها إلى 20000 دولار.
تستعد منظمة دي-ريف الأميركية الإنسانية لطرح أطراف صناعية للفقراء لا يزيد سعر الواحد منها عن 80 دولارًا. ويفترض، بحسب المنظمة التي تتخذ من سان فرنسيسكو مقرًا لها، أن تكون هذه الأطراف الصناعية بمتناول الجميع خلال فترة قريبة.
وقعت.. لم توقع
وكانت منظمة “هانديكاب انترناشيونال” تحدثت عن ابتلاء 73 دولة، من دول العالم الثالث، بأكثر من 110 ملايين لغم مصممة ضد الأفراد، وملايين أخرى من الألغام المضادة للعجلات.
وما زالت هذه الألغام تنفجر بشكل يومي تحت أقدام سكان هذه المناطق، وتضيف آلافًا من المعاقين الجدد إلى ضحايا الألغام. وأحصت المنظمة فقدان أكثر من 8000 إنسان لطرف من أطرافه، أو طرفين منها، في العام 2011 فقط على المستوى العالمي بسبب الألغام.
ومعروف أن 161 دولة من دول العالم الـ 193 وقعت على إعلان الأمم المتحدة الخاص بحظر الألغام. وإذ تأخرت الولايات المتحدة حتى 2014 في توقيعها على الإعلان، تمتنع 31 دولة، بينها روسيا والصين والهند وباكستان واسرائيل وايران وكوريا الجنوبية، عن توقيعه حتى الآن. وقتلت الألغام في السنين الثلاثين الماضية أكثر من مليون إنسان، يشكل المدنيون 80 بالمئة منهم، وترتفع حصة الأطفال بينهم إلى 25 بالمئة، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
مفصل الركبة هو الأهم
أطلقت منظمة دي ريف، وهو مختصر “ديزاين ريفوليوشن”، على هذه الأطراف الصناعية اسم “ري موشن”. وتقول كريستا دونالدسون، رئيسة المنظمة، انه تم إنتاج ركبة صناعية مخصصة لضحايا الألغام الذين يقل مدخولهم اليومي عن أربعة دولارات.
ركزت المنظمة على تمويل إنتاج الركبة الصناعية الرخيصة لأنها المفصل الأهم في الأرجل، وهي الحاسمة في تأهيل الإنسان على المشي. ومن دون شك، تمتلك الأرجل الصناعية الأولوية على حساب الأيدي لأنها تتعلق بحركة كامل جسم الإنسان.
ويرتفع سعر الرجل الصناعية المتطورة في السوق إلى 20 ألف دولار، وإلى 10 آلاف دولار بالنسبة للأطراف الصناعية الأقل تطورًا والمصنوعة من التيتان. مع ذلك، فإن هذه الأرجل ليست صالحة تمامًا، بحسب تقدير دونالدسون، وتتحرك مثل “مفصل باب”.
هذا في حين أن الركبة الرخيصة من نوع “ري موشن” تعمل بشكل أفضل، والأهم أنه من الممكن تمويل إنتاجها من أموال التبرعات، كما يمكن بيعها على السكان مباشرة أو أن تتولى المنظمات الإنسانية الدولية دفع أثمانها عن الفقراء.
سهلة الإنتاج
وسر أطراف “ري موشن” الصناعية هو أنها مصنوعة من مادة بولي اوكسيميثيلين، كما يعود سعرها المنخفض إلى إنتاجها بالتعاون مع مصانع في الصين أبدت اهتمامها بالجانب الإنساني من الموضوع. ومعروف عن مادة بولي اوكسيميثيلين أنها أكثر مرونة من غيرها ويمكن صبها في قوالب، بمعنى أنها سهلة الإنتاج بكميات تسد حاجة المعاقين.
ويعود إلى “ري موشن” الفضل في تأهيل 6328 إنساناً مقعداً على المشي من 14 دولة في الفترة الأخيرة. وعبر 86 بالمئة من المتلقين عن ارتياحهم من الركبة الجديدة التي أعانتهم على المشي، كما شملت المبيعات حتى الآن دولًا مثل اندونيسيا وتنزانيا والسودان وليبيريا والهند.
وتقول دونالدسون إن الفكرة واتتها أثناء زيارة لها إلى العراق حيث لاحظت كثرة المقعدين بسبب الحروب والألغام رغم وجود إحصائية عن عدد الألغام في العراق.
فكرة هندية
تولى طلبة جامعة ستانفورد، قسم البيوميكانيكا، تطوير أطراف “ري وشن” الصناعية بالتعاون مع منظمة “دي-ريف”، لكن الفكرة كانت هندية في الأصل، بحسب تصريح دونالدسون، إذ تقدمت المنظمة الهندية الخيرية “جايبور فووت اورغنايزيشن” بطلب تطوير الأطراف الرخيصة إلى جامعة ستانفورد في العام 2008.
وعمل الطلبة طوال سنوات، بالتعاون مع متخصصين متبرعين، على تطوير نموذج منخفض الكلفة من الأطراف الصناعية. اما تدريب وتأهيل المتلقين على استخدام أطراف “ري مشن” الصناعية فقد تم بالتعاون بين “دي-ريف” والمنظمات الإنسانية في البلدان التي تلقت النموذج الأول من الركبة الصناعية.
تتصدر افغانستان وليبيريا العالم من ناحية عدد الألغام المدفونة في أراضيها، والتي تقدر بنحو 10 ملايين في كل دولة. لكن الأمم المتحدة تعتقد بأن عدد الألغام في العراق يزيد عن 25 مليونًا، ووقعت اليابان عقدًا مع اليابان أخيرًا تتولى شركات يابانية على إساسه تنظيف محافظة البصرة فقط من نحو 10 ملايين لغم نشرت خلال ثلاث حروب خاضها العراق في أقل من ربع قرن.
تطوير ألماني
أمتدح البروفيسور رالف ديكنغ، من عيادة الأطراف الصناعية في ليفركوزن (ألمانيا) أطراف “ري موشن” الصناعية. وقال إن إنتاج طرف صناعي يعمل بهذه الجودة، ويناسب أجسام مختلف البشر، هو انجاز رائع.
وأشار إلى أن هذه الأطراف تغلبت على أهم مشكلتين تواجه الطب في الأطراف الصناعية، وهي آلية العمل السهلة (الحركة) وسهولة الربط على بقية الطرف المفقود. وفي النهاية يبقى الهدف المهم هو تأهيل الناس على الحركة، اما انسياب الحركة فشيء يمكن أن يتطور بالتدريج.
وبرأي ديكنغ يمكن لمنظمة “دي-ريف” الاستفادة من الخبرات الألمانية في مجال ربط الرجل الصناعة مباشرة من خلال عظم الفخذ بدلًا من ربطها بعضلات الفخذ. استعرض جراحو العظام الالمان من العيادة الطبية في ليفركوزن، أول رجل اصطناعية من نوعها تزرع بواسطة “حربة ملولبة” داخل عظم الفخذ، وتؤهل متلقيها لاستخدامها بشكل أقرب ما يكون إلى الطبيعي.
صالحة لكافة المرضى
وكان ديكنغ وزملاؤه قد ركبوا الرجل الصناعية لشابة المانية تعرضت إلى حادث دراجة نارية ولم تنجح الأساليب التقليدية في إعانتها على الحركة. وهي أول محاولة من نوعها في العالم لأن الطرق التقليدية لتركيب الأجزاء الصناعية تعتمد طريقة ربط الرجل الصناعية على عضلات الفخذ.
استطاعت الفتاة المشي بسهولة بعد أربعة أسابيع من تركيب الرجل الصناعية، كما تمكنت بمفردها من صعود سلم من دون الحاجة لسحب الرجل الاصطناعية إلى الأعلى بيدها على كل درجة.
وأكد الجراحون أن الرجل الاصطناعية الجديدة صالحة لكافة المرضى الذين يتعرضون لبتر الساق بسبب الحوادث أو بسبب الألغام، لكنها لا تصلح للمرضى الذين اخضعوا لعمليات البتر بسبب داء السكري كمثل، لأن عملية التئام الجرح عند هؤلاء المرضى سيئة. وعمل الجراحون على حماية عظم وعضلات الفخذ من الالتهابات بواسطة نسيج صناعي من التيتان تم إكساء “الحربة اللولبية” به.
جيل ثالث
تقول دونالدسون إن منظمتها تعمل سلفًا على الجيل الثالث من ركبة “ري موشن”، الذي يفترض أن يكون أكثر تطورًا وأكثر تجاوبًا مع حاجة ضحايا الألغام في بلدان العالم الثالث من ناحية الطقس وحالة الشوارع وغيرها من العوامل. وينتظر أن يبدأ توزيع هذا الطرف الجديد في آيار (مايو) القادم، وأن يشمل دولًا أخرى غير التي جرى ذكرها سابقًا. أما الهدف البعيد فهو تزويد كل المقعدين، وكل ضحايا الحروب في العالم الثالث، بالأطراف الصناعية المناسبة وظيفيًا وسعرًا.
الجدير بالذكر أن “دي-ريف” توظف التبرعات التي تتلقاها في عدة مشاريع انسانية مهمة، وتخطط لرفع حصة “ري موشن” من 35 بالمئة في 2014 إلى 41 بالمئة في العام الجاري. كما توظف 14 بالمئة من مداخيل بيع الأطراف الصناعية في تطوير وتحسين عمل هذه الأطراف.
المصدر: ماجد الخطيب / جريدة: ايلاف .