إذا كانت المرأة تعاني أحياناً من التمييز ضدها وهضم حقوقها، فإن المعاقة تدور في فلك المعاناة. ورغم أن النساء من ذوات الاحتياجات الخاصة عموماً يعانين من التهميش ونقص الدعم، فإن المطلقات الأكثر معاناة بسبب ظروفهن الجسدية وانعدام العائل لهن ولأبنائهن، فضلاً عن عدم الحصول على السكن من الجهات المختصة.
القبس التقت شرائح مختلفة من ذوات الاحتياجات الخاصة وعدداً من الناشطات والحقوقيات، ورصدت أبرز المثالب والنواقص التي تواجه المرأة المعاقة.
فقد انتقدت ذوات الاحتياجات الخاصة محدودية الوظائف المتاحة للكفيفات وضعيفات البصر، مؤكدات أن التأهيل المهني مجرد كلام ولا دمج على أرض الواقع. وأشرن إلى واحدة من كبرى المشكلات التي تواجههن وهي رفض أغلب الشباب الزواج من فتاة معاقة بسبب المفاهيم المغلوطة وعدم الإيمان بقدراتها، فضلاً عن نقص الوعي بأن الإعاقة الجسدية لا تمنع ممارسة الحياة بصورة طبيعية.
وأكدن أن بعض الأسر تمارس التعسف ضد الفتاة المعاقة وتتحرج منها وتحرمها حقها في التعليم والسفر والتوظيف. كما أن بعض أولياء الأمور يحصلون على الدعم المادي من الفتاة المعاقة بلا مبرر.
سعاد الأمير (من ذوات الإعاقة الحركية) ذكرت أن المرأة المعاقة تعاني من مشاكل عدة في قطاعي الإسكان والصحة، مستعرضة معاناتها مع العلاج بالخارج في الطب الطبيعي، وتفشي الواسطة في هذا القطاع، ورفض الأخيرة طلبها الدائم بشأن العلاج خارج البلاد، الأمر الذي اضطرها إلى السفر على نفقتها الخاصة لجلب جبيرة لقدمها.
وأشارت إلى عدم توافر الجبيرة المتطورة «أي ماج» في الكويت، حيث يبلغ سعرها في لندن وألمانيا ما يعادل 8000 دينار، لافتة إلى أن الجبيرة العادية المتاحة في البلاد تتراوح ما بين 1500 – 2000 دينار.
وبالحديث عن معاناة المرأة المعاقة في السكن، خصوصاً المطلقة، دللت الأمير بتجربتها الشخصية، حيث إنها تعيش في منزل قديم وآيل للسقوط، كما أنه غير مهيأ لذوي الإعاقة، لافتة إلى أن منحة التسليف البالغة (10 آلاف دينار) غير كافية لترميم منزلها وتوفير جميع الاحتياجات اللازمة لها.
أين الحقوق؟
وطالبت بضرورة الاهتمام بالمرأة المعاقة، ومراعاة حقوقها الوظيفية والاجتماعية، مقترحة إنشاء ناد صحي وترفيهي لذوات الاعاقة، وتشكيل جمعية معنية بحقوقهن.
واعتبرت أن الإعاقات الذهنية من أكثر الفئات ظلماً في المجتمع الكويتي، ويليها المكفوفون ومن ثم الصم، في حين أن الإعاقات الحركية هي الأكثر حظاً، منتقدة نظرة المجتمع الدونية في مسألة الارتباط أو الزواج بفتاة معاقة.
وانتقدت منى عبدالله (كفيفة) محدودية الوظائف بالنسبة لمجتمع المكفوفين، وحصرها في نطاق الأعمال الإدارية، سواء في مجالات التدريس أو البدالة، لافتة إلى الصعوبات التي تعترض ذوات الاعاقة البصرية في الجهات الدوائر الحكومية، وفي مقدمتها الهيئة العامة لشؤون ذوي الاعاقة، حيث لا توجد لوحة رقمية ناطقة، الأمر الذي يضطرهن إلى الاستعانة بمعين/ معينة لتقديم المساعدة لهن، ناهيك عن عدم منح الأولوية للمكفوفين عموماً في اجراء معاملاتهم.
التأهيل المهني
وأشارت إلى أن التأهيل المهني لذوات الإعاقة لا يتناسب وظروفهن الصحية، مستشهدة بتجربتها. فبالرغم من أنها تعاني من إعاقة بصرية، فإنها تم اختيارها ضمن أصحاب مهنة الخياطة علماً بأنها لا تبصر.
ولفتت إلى أن الخياطة تمثل المهنة الرئيسية لجميع الإعاقات الحركية والسمعية والبصرية، ملمحة إلى أن معاناتها في التأهيل المهني أدت إلى تقديم استقالتها نهائياً.
المعاقات سمعياً
أما خبيرة لغة الإشارة والموجهة الفنية المتخصصة في الإعاقة السمعية مها الحمدان، فأكدت اهتمام الكويت ورعايتها لذوي الاحتياجات الخاصة عموماً، فضلاً عن حرصها على تعزيز دور المرأة ذات الإعاقة السمعية، حيث وفّرت لها حقوقها التعليمية والوظيفية، مستشهدة بتوفير مترجمات لغة الإشارة في بعض وزارات الدولة مثل العدل والجامعات والكليات، وكذلك في أحد البنوك المحلية لتيسير عملية التواصل مع هذه الفئة وإنجاز معاملاتهن.
وزادت: بالرغم من اهتمام الدولة بتفعيل الأنشطة والأندية المسائية الخاصة بذوات الإعاقة السمعية بما يتناسب وطموحاتهن واحتياحاتهن، فإن هناك بعض النواقص والمطالب تواجه هذه الشريحة، أبرزها ضرورة توفير هيئة تدريسية مؤهلة ومتخصصة في مجال الإعاقة السمعية، وتجيد استخدام لغة الإشارة، بالاضافة إلى حث وتوعية المجتمع الكويتي على كيفية التواصل مع هذه الفئة، فضلاً عن تكثيف دورات لغة الإشارة في الجامعات والوزارات الحكومية.
لغة الإشارة
وأشارت إلى صعوبة تواصل المرأة ذات الإعاقة السمعية مع الكادر الطبي والتمريضي في المستشفيات والعيادات، مستذكرة موقفاً حرجاً تعرضت إليه امرأة حامل من فئة الصم، حيث واجهت صعوبة في التواصل مع الأطباء أثناء ولادتها.
وعرجت إلى الحديث عن الحقوق الرياضية للمرأة ذات الإعاقة السمعية، مشيرة إلى غياب ظهورها اللافت على الساحة الرياضية، حيث لا يوجد الدعم الكافي لها لكي تمارس هواياتها الرياضية والترفيهية، لافتة إلى أهمية دعم نادي الصم للفتيات لتعزيز أنشطته الترفيهية والثقافية والدينية.
مطالب بإعادة النظر في قانون الحجر على الإعاقات الذهنية
رأى عدد من أولياء أمور أن الاعاقة الذهنية تعد الأكثر معاناة مقارنة بالاعاقات الأخرى، لافتين إلى أن القانون أجحف حقوق هذه الفئة من الجنسين، لا سيما عند بلوغهم السن القانونية.
وطالبت نائبة رئيس الجمعية الكويتية لمتلازمة الداون حصة البالول (وولية أمر) بإعادة النظر في قانون الحجر والتي تواجه هذه الفئة فور بلوغهم السن القانونية، موضحة أنه في حال إذا كانت الأسرة مستقرة يكون الأب هو الولي الطبيعي للابن/الابنة وتتم الولاية عن طريق المحاكم، في حين اذا كان الطرفان مختلفين فالمعاناة تكون أكثر.
ولفتت إلى عدم وجود أندية رياضية أو مراكز تدريبية للفتيات ذوات الاعاقة الذهنية عقب بلوغهن سن 21 عاما، الأمر الذي يسبب لهن احباطات نفسية واجتماعية وحتى إن وجدت تكون مكلفة حسب ما ذكرته، مشيدة بجهود وزارة التربية والخدمات التعليمية التي توفرها لهذه الفئة.
وانتقدت التسيب الذي يعتري وزارة الصحة من حيث عدم الدقة في تزويد المراجعين/المراجعات بالبيانات المطلوبة لإجراء التحاليل والفحوصات الطبية، ناهيك عن القصور في عيادات الأسنان ورفض استقبال المعاق الذهني وحصره في المستشفى الأميري، بالاضافة إلى عدم التعامل مع هذه الفئة في الأشعة المغناطيسية بطريقة تتناسب وإعاقته، إلى جانب عدم تفعيل قانون العلاج الطبيعي المنزلي، مطالبة بضرورة تفعيل الرقابة على مكاتب الخدم الخاصة برعاية ذوي الاعاقة الذهنية.
المحامية عذراء الرفاعي
القانون غير مفعَّل في بعض جهات الدولة
انتقدت المحامية عذراء الرفاعي عدم تفعيل القانون في بعض جهات الدولة، وقالت: إن المرأة الكويتية تستمد حقوقها من الدستور الذي لم يميز أو يفرق بين الجنسين، حيث كان أول من أنصف المرأة الكويتية في حقوقها، ومن ثم الاتفاقيات الدولية التي صادقت وانضمت اليها الكويت لإعطاء المرأة الكويتية كل حقوقها مع وجود بعض التحفظات المخالفة لشريعتنا الإسلامية. وصادقت الكويت على اتفاقية ذوي الإعاقة، ليكون للمرأة المعاقة أيضاً نصيب في تلك الامتيازات الممنوحة لها.
وأردفت بالقول: إذا كانت المرأة المعاقة في الكويت ذات أهلية فلها الحقوق نفسها للمرأة العادية في كل المجالات المدنية – السياسية – الاجتماعية، وبل الأولى «المعاقة» لها امتيازات أكثر، فهي تستطيع التقاعد والحصول على سكن بأقصر وقت ممكن، لكن ما يعيق المرأة المعاقة هو اضطهاد المجتمع لها عن طريق عدم إعطائها الحق في إثبات نفسها، وبالرغم من ذلك إلا أن هناك الكثير من النساء المعاقات أثبتن جدارتهن وتركن لأسمائهن بصمة عالمية.
وأشارت الرفاعي إلى أن المرأة المعاقة في الإسكان لها الأولوية في الطلب إذا كانت زوجة أو ابنة، أما إذا كانت عزباء أو مطلقة فهي تعامل معاملة المرأة في قانون الإسكان الصادر في سنة 2011 والذي أعطى للمرأة حقا، ولكن لم يذكر المرأة المعاقة في ذلك القانون مما انتقص حق الأولوية لها.
مؤسسة تأهيل وإرشاد
اقترحت الناشطة منال مقصيد إنشاء مؤسسة تأهيلية وإرشادية للمرأة المعاقة للتوعية بقضاياها والدفاع عن حقوقها ومناصرتها، مشيدة بدور المرأة المعاقة في تمثيل قريناتها في المجاميع التطوعية وتوصيل صوتهم للمسؤولين.
الأحوال الشخصية
قالت المحامية عذراء الرفاعي إن قانون الأحوال الشخصية لم ينقص من حق المرأة المعاقة بل أعطاها الحق في أن تحتضن أبناءها إذا كانت قادرة وعاقلة ولها حق النفقات والإرث، كما لها الأولوية في العمل في قانون الخدمة المدني وكذلك في التعليم، حيث ساهمت الدولة في تحمل كل نفقاتها التعليمية سواء كانت ذات أهلية أو من غير أهلية وشجعتهم على مواصلة الدراسة الجامعية.
ولفتت إلى أن قانون الجزاء جعلها صاحبة مسؤولية في ارتكاب أي جريمة إذا كانت ذات أهلية فلم ينص صراحة بتمييزها، بل تم مساواتها بالإنسان الكامل، لافتة إلى أن ما تعانيه المرأة المعاقة هو عدم تفهم بعض من أفراد المجتمع لها وعدم توفير متطلباتها العلاجية اللازمة، كما أنها تعاني من عدم وجود مراكز تأهيلية نفسية، وأيضاً عدم إعطائها أولوية في العلاج بالخارج ونقص بعض المواد العلاجية المطلوبة كمبتوري الأطراف.
ناشطات وحقوقيات: تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص
شددت مجموعة من الحقوقيات والناشطات العاملات في مجال ذوي الإعاقة على ضرورة الالتفاف لحقوق المرأة المعاقة المنقوصة على حد وصفهن فضلا عن مناصرة قضاياها باعتبارها نصف المجتمع ولها حقوق وعليها واجبات، كما أنها عنصر فاعل في عملية التنمية، مطالبات بتعزيز حقوقهن الاجتماعية والوظيفية المشروعة التي كفلها لهم القانون والدستور الكويتي حسب قولهن، فضلا عن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في الحقوق والواجبات.
ومن واقع تجربتها ومؤازرتها لمجتمع ذوي الاحتياجات الخاصة، اعتبرت الناشطة في مجال ذوي الاعاقة منال مقصيد أن حقوق المرأة المعاقة مهضومة، مشيرة إلى الصعوبات التي تواجهها في الدوائر الحكومية وأجهزة الدولة عند اجراء معاملاتهن، فضلا عن عدم منحهم الأولوية ومراعاة ظروفهن الصحية.
مناصب قيادية
استغربت مجموعة من ذوات الاعاقة من عدم بلوغ المرأة المعاقة للمناصب القيادية امتثالا بقرينها الرجل، علما بأنها تتمتع بمؤهلات تفوق نظيراتها من السويات، آملة ان تنال المرأة حقوقها في الترقية.
موروث ثقافي
ناشدت خبيرة لغة الإشارة مها الحمدان الجهات العاملة في مجال الإعاقة بالمشاركة في تطوير لغة الإشارة والحفاظ عليها كموروث ثقافي وإنساني شامل.
المصدر: مي السكري . الجريدة: القبس .