وكان ذلك تعبيرا عن إدراك سليم لفكرة ان إعادة بناء المجتمع الكويتي الآمن تتطلب إصلاح ما أحدثه العدوان العراقي من تدمير في النفوس، وما ألحقه بها من ضرر نفسي واجتماعي، فالمسألة في نظر سموه، رحمه الله، لم تتوقف عند مجرد إصلاح مظاهر الحياة المادية والعمرانية والمرافق، وإنما لابد من إصلاح النفوس، بحيث تكون آمنة مطمئنة واثقة في تعاملها مع الحاضر وتطلعها الى المستقبل.
وقد أكد سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد، رحمه الله، في اكثر من مناسبة ان عملية إعادة البناء والتعمير لا تقتصر على إصلاح مظاهر الحياة المادية والعمرانية فقط، بل ان ركيزتها الأساسية تكمن في تأهيل الإنسان الكويتي وإعادة الثقة الى نفسه.
وكانت كلمة سمو الأمير الراحل، رحمه الله، في 28 مارس 1992 إيذانا بإنشاء مكتب الإنماء الاجتماعي، حين قال: «إن الحديث عن الآثار النفسية والجسدية التي خلفها الغزو الغادر متشعب وطويل، ولابد من مواجهته بالبحوث والوسائل العلمية الحديثة من اجل التخفيف عن أصحابها بوسائل علاجية متقدمة».
ومن هذا المنطلق، أصدر سموه، رحمه الله، في 21 ابريل 1992 المرسوم رقم 63 /92 المتعلق بإنشاء مكتب الإنماء الاجتماعي للعمل على معالجة الآثار النفسية والاجتماعية التي خلفها العدوان العراقي، وإعادة تأهيل الذات الكويتية لتصبح آمنة مطمئنة تمارس دورها الطبيعي في إنماء مجتمعها، وإكمال مسيرة البناء، وان يلحق المكتب بالديوان الأميري.
ويعد مكتب الإنماء الاجتماعي من التجارب الرائدة في مواجهة الآثار التي تخلفها الحروب والأزمات الشاملة وتم إنشاء المكتب بعد عام تقريبا من انتهاء العدوان العراقي وهناك تجارب قليلة مماثلة في العالم مثل التجربة الألمانية والتجربة الأميركية.
فقد أنشأت ألمانيا مراكز لتقديم الاستشارات النفسية للمواطنين بعد الحرب العالمية الثانية، كما أنشأت الولايات المتحدة مراكز مماثلة بعد حرب فيتنام غير ان هذه المراكز في كلتا الدولتين تم إنشاؤها ليس بمجرد انتهاء الحرب كما حدث في التجربة الكويتية ولكن بعد مضي ما يتراوح بين 5 و15 سنة.
وبفضل الرعاية السامية والتوجيه الحكيم والدعم المالي من قبل سمو الأمير الراحل، رحمه الله، ولما تميز به مكتب الإنماء الاجتماعي من تقديم خدمات وأعمال ونتائج بارزة في علاج الآثار النفسية والاجتماعية والتربوية للعدوان العراقي على الكويت بل وإزالتها منح في اكتوبر من عام 2000 شهادة الآيزو العالمية 9002 وهي شهادة تمنح وفق معايير أداء عالية الجودة.
ويقدم مكتب الإنماء الاجتماعي خدمة عامة على أيدي أهل العلم والمعرفة من المختصين في مجال التعامل مع النفس البشرية في مجالات الاستشارات النفسية والاجتماعية والتربوية أساسها البناء وليس الهدم.
وكي يتمكن المكتب من تحقيق أهدافه عمل على إجراء مسح واستقصاء لاكتشاف الحالات التي تعرضت للاعتداءات وتم تصنيفها حسب نوع الاعتداء والآثار الناتجة عنه سواء كانت جسدية او نفسية او اجتماعية.
وأنشأ المكتب لجنة تابعة لإدارة الخدمات الاستشارية تسمى (لجنة الشهيد الحي) تقدم الخدمات والاستشارات النفسية والاجتماعية لضحايا التعذيب الجسدي إضافة الى التأهيل الوظيفي.
وباشرت اللجنة أعمالها بتاريخ 15 سبتمبر 1995 فقامت بحصر شامل لجميع المواطنين الذين تعرضوا للتعذيب الجسدي من قبل جنود العدو العراقي وتم حصر اسماء المتضررين وعددهم 587 حالة، حيث تم فتح ملف لكل حالة.
وكان سمو الأمير الراحل قد التقى وفدا من المتضررين للوقوف على أحوالهم والاطمئنان على حالاتهم.
وحرص المكتب على ان يكون مصدرا لتقديم خدمة إنسانية علمية متميزة وحضارية ومركزا لرصد الاتجاهات الاجتماعية العامة وتحديد العوامل المؤثرة فيها ونشر الأبحاث العلمية ذات العلاقة باهتمامات ورسالة المكتب وإجراء البحوث المستقبلية التي تحتاج الى رصد علمي وتقديم نتائجها.
وحرص المكتب ايضا على ان يكون ميدانا للقاءات فكرية يشارك فيها العلماء والخبراء ودارا لنشر الثقافة الاجتماعية والتربوية ومصدرا للتوثيق المعرفي.
كما أولى صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد ازالة الآثار المدمرة للعدوان العراقي الغاشم على الكويت جل اهتمامه، وفي مقدمة هذه الآثار رعاية الأسر التي سقط احد افرادها شهيدا دفاعا عن ارض الوطن.
وخلف الاحتلال العراقي للكويت الكثير من المآسي والأحزان والجروح والشروخ في الأسر التي فقدت احد افرادها او بعضهم بالاستشهاد في سبيل الوطن الغالي مما افرز بالتالي الكثير من التغييرات النفسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية على هذه الأسر خصوصا وعلى المجتمع عموما.
ويمثل نحو 593 شهيدا وشهيدة نسبة واحد من الألف من الشعب الكويتي افتدوا الكويت بأرواحهم وعطرت دماؤهم الزكية ثراها الطيب.
لا يوجد بيت كويتي لم يمسه الضر كما لم تخل عائلة كويتية من فجيعة في عزيز لديها راح اسيرا للعدوان البربري او راح شهيدا وافتدى الوطن بروحه ودمه.
وفجعت 1200 اسرة في عزيزها الذي اسر او استشهد في مجتمع آمن ومسالم لم يعرف مثل تلك الممارسات الوحشية من قبل.
وفي ضوء ذلك اولى سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد اسر الشهداء جل الاهتمام وعظيم الرعاية تقديرا لتضحيات من استشهدوا في سبيل الوطن.
ومن هذا المنطلق امر سمو الامير رحمه الله بإنشاء مكتب لتكريم الشهداء بصدور المرسوم الاميري رقم 38/91 في التاسع من يونيو عام 1991 وألحق المكتب بالديوان الأميري.
وجاء إنشاء مكتب الشهيد بعد اربعة اشهر من تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم ووضعه سمو الأمير رحمه الله تحت رعايته ليكون اكثر قدرة على العطاء تقديرا لتضحيات جميع الذين استشهدوا في سبيل الوطن الغالي.
وتتركز رسالة المكتب في تكريم الشهداء عن طريق تخليد بطولاتهم وتضحياتهم في الدفاع عن الوطن وكرامته ورعاية ذوي الشهيد رعاية مميزة في الجوانب المادية والمعنوية بما يحقق الوحدة الوطنية ويكرس خصوصية المجتمع الكويتي ويبث الروح الجهادية لدى الأبناء.
وتتلخص هذه الرسالة في اهداف عدة يصبو المكتب الى تحقيقها وتنحصر في ثلاثة اهداف رئيسية هي تكريم شهداء الكويت وتخليد بطولاتهم وتضحياتهم في الدفاع عن الوطن وكرامته ورعاية اسر الشهداء وذويهم في كل الجوانب وابراز مناحي التكريم المتميز في المجتمع الكويتي وتدعيم انتمائه للوطن.
ويمثل المكتب اسر الشهداء الأب والأم والزوجة وزوج الشهيدة والأبناء والاخوة القصر للشهيد غير المتزوج.
ويرفع مكتب الشهيد تقاريره وتوصياته مباشرة الى مكتب سمو الأمير وذلك لفرط اهتمام سموه الشخصي رحمه الله بهذه الفئة من المواطنين ممن بذلوا حياتهم وسقوا ارض الوطن بدمائهم.
ويعد مكتب الشهيد الوحيد من نوعه في العالم الاسلامي الذي يقدم خدمات مادية ومعنوية شاملة ومتنوعة لأسر الشهداء وأبنائهم حيث ان عدد شهداء الكويت بسبب العدوان العراقي وصل الى نسبة 77% من شهداء تاريخ الكويت المعتمدين في المكتب.
ويعتبر شهيدا حسب تصنيف المكتب كل من مات او قتل اثناء مشاركته في الدفاع المسلح عن دولة الكويت سواء كان عسكريا أم مدنيا وهم شهداء الجهاد الذين قاوموا ايام الاحتلال مقاومة مسلحة او من واجهوا قوات الطاغية في أول ايام الغزو مثل ابطال الجيش والحرس الوطني وكذلك شهداء عمليات التدريب ابان الرباط في المملكة العربية السعودية والدول الاخرى وشهداء نقص الرعاية الطبية وشهداء الاسر والمتفجرات والحوادث المختلفة بسبب العدوان العراقي مثل الألغام والقصف الجوي وبينهم كويتيون وغير كويتيين.
وحرص مكتب الشهيد بناء على التوجيهات الواضحة من سمو الأمير الراحل منذ إنشائه حتى الآن على تقديم كافة اوجه الرعاية لأسر الشهداء كالرعاية الاجتماعية والتربوية والإسكانية والقانونية والدينية من خلال باحثين تربويين يتابعون ابناء الشهداء ميدانيا في مدارسهم كما ان المكتب يكرم المتفوقين منهم من خلال حفل سنوي كان يقام تحت رعاية سمو الامير رحمه الله الذي كان يشرفهم باستقباله. كما ان سمو الامير الشيخ جابر الاحمد ـ رحمه الله ـ كان يحرص دائما على متابعة وتحصيل ابناء الشهداء لدراستهم فحين استقبل ابناء الشهداء والاسرى من المتفوقين في مختلف المراحل الدراسية في 29 يوليو من عام 2002 اعرب عن سروره بامتيازهم وأوصاهم بالحرص الدائم على تحصيل العلم والتحصن بالفضائل متمنيا لهم التوفيق والاجتهاد في حياتهم العلمية والعملية من اجل رفعة الوطن وكان هذا ديدنه في نهاية كل عام دراسي.
«اتجاهات»: أعطى رسالة للأجيال الجديدة من أبناء الكويت أن رموز الوطن لا تموت أبداً مهما مرت السنون
فيما تصادف اليوم الذكرى التاسعة لرحيل أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد في الخامس عشر من يناير عام 2006، أصدر مركز اتجاهات للدراسات والبحوث الذي يرأسه خالد المضاحكة، تقريرا مفصلا حول ذكرى رحيل واحد من أبرز رجالات الدولة، عن عمر ناهز الـ 79 عاما. ويعتبر الشيخ جابر الحاكم الثالث عشر من أسرة آل الصباح، وقد ولد في 29 مايو 1926، وهو الابن الثالث للشيخ أحمد الجابر الصباح من الشيخة بيبي السالم الصباح ابنة حاكم الكويت التاسع الشيخ سالم المبارك الصباح.
التأهيل الوظيفي
وأوضح «اتجاهات» أن الشيخ جابر الأحمد تلقى تعليمه النظامي في كل من المدرسة المباركية والمدرسة الأحمدية، فضلا عن اكتسابه الاهتمام بالثقافة والتعليم من والده، بخلاف سفره لدول عديدة، مما ساعده في المرحلة العملية. وتقلد الشيخ جابر الأحمد العديد من المناصب التنفيذية قبل حصول البلاد على استقلالها في بداية عقد الستينيات من القرن الماضي. ففي عام 1949، عينه والده نائبا له في محافظة الأحمدي، وظل مسؤولا عن الأمن العام في المحافظة على مدى عشر سنوات، فضلا عن التعامل مع شركات النفط بما يمكنه من الحفاظ على المصالح الوطنية الكويتية.
الإنجاز الاقتصادي
وفي عام 1959، عينه الشيخ عبدالله السالم الصباح رئيسا لدائرة المال والأملاك العامة، بحيث تكونت لديه دراية ومعرفة بالاقتصاد والنفط. ويعد من أهم إنجازاته في شؤون النفط تأسيس ميناء الشويخ وتشغيل معمل تقطير مياه البحر وأول محطة لتكرير المياه، وتأسيس شركة البترول الوطنية الكويتية. كما كان رئيسا لمجلس النقد الكويتي، الذي أشرف على إصدار أوراق النقد والمسكوكات في الكويت. وقام في 1 أبريل 1961 بإصدار أول عملة رسمية في الكويت تحمل توقيعه.
التشكيل الحكومي
وأوضح «اتجاهات» أن دور الشيخ جابر الأحمد ازداد في مرحلة ما بعد استقلال الكويت في 19 يونيو 1961، إذ عين وزيرا للمالية والصناعة في الحكومة الأولى التي ترأسها الشيخ عبدالله السالم الصباح. ودعا لإنشاء بنك الائتمان لتيسير الائتمان العقاري والزراعي والصناعي. وكان صاحب فكرة إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية والذي أنشئ في 31 ديسمبر 1961، وشغل موقع أول رئيس مجلس إدارة له.
وعندما تولى الشيخ صباح السالم الصباح رئاسة الحكومة أصبح نائبا لرئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى منصبه كوزير للمالية والصناعة. وفي الحكومة الرابعة التي تشكلت في 3 يناير 1965، استمر الشيخ جابر في منصبه كوزير للمالية والصناعة مع إضافة وزارة التجارة إليه. وبعد وفاة الشيخ عبدالله السالم وتولي الشيخ صباح السالم الحكم في 30 نوفمبر 1965 عين في 30 نوفمبر 1965 رئيسا لمجلس الوزراء. وفي 31 مايو 1966، بويع في مجلس الأمة وليا للعهد وذلك بعد تزكية الأمير له.
وقد شكل الشيخ جابر الحكومات المتعاقبة السابعة والثامنة والتاسعة في تاريخ الحكومات الكويتية المتعاقبة خلال الفترة (1971-1976). وقد تولى الحكم في 31 ديسمبر 1977 بعد وفاة الشيخ صباح السالم الصباح، وقام بأداء اليمين الدستورية في اليوم التالي في اجتماع لمجلس الوزراء عقد في قصر المسيلة، وذلك لأن مجلس الأمة كان منحلا في تلك الآونة. وبعد توليه الحكم، أصدر الشيخ جابر الأحمد مرسوما بتعيين الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح رحمه الله وليا للعهد، بعد التوافق داخل العائلة الحاكمة، وصار الأخير رئيسا للوزراء على مدى ربع قرن.
الصندوق السيادي
ولفت التقرير إلى بعض المبادرات التي قدمها سموه، فالشيخ جابر الأحمد هو من طرح ونفذ إنشاء «صندوق الأجيال القادمة»، حينما كان رئيسا للوزراء في عام 1976، حيث رأى أن الأجيال القادمة لم تولد بعد ومن حقها على بلادها أن يضمن لها جزءا من خير الحاضر، فكان مشروعه الذي ارتبط باسمه وهو اقتطاع ما نسبته 10% من دخل النفط السنوي ليودع في صندوق يستثمره وينميه، وأشرف عليه مباشرة في بداية إنشائه، وتحول هذا الصندوق بمرور السنين إلى ضمان لمستقبل الكويت، بعد تغلغل الاقتصاد الكويتي في شرايين الاقتصاد العالمي، فجعل الاقتصاد بمنأى عن تقلبات الأزمات المالية الدولية.
التحول النيابي
ويعتبر من أبرز أدوار الشيخ جابر الأحمد حسب «اتجاهات» إعادة الحياة النيابية مرة أخرى إلى الكويت في العام 1981 بعد أن تم تقسيم الدوائر الانتخابية من 10 دوائر إلى 25 دائرة. وقد تعرض الشيخ جابر الأحمد في يوم 25 مايو 1985 لمحاولة اغتيال بواسطة سيارة مفخخة نجا منها سالما عندما كان في طريقه للذهاب إلى مكتبه في قصر السيف، وقتل في تلك العملية اثنان من مرافقيه، وألقى كلمة شهيرة بعد هذه العملية الإرهابية «إن عمر جابر الأحمد مهما طال الزمن هو عمر إنسان يطول أو يقصر ولكن الأبقى هو عمر الكويت والأهم هو بقاء الكويت والأعظم هو سلامة الكويت».
وفي 3 يوليو 1986، تم حل مجلس الأمة بسبب المواجهات الحادثة بين مجلس الأمة والحكومة، فضلا عن تعطيل بعض مواد الدستور، على نحو أدخل البلاد في أزمة سياسية ممتدة، دعت الشيخ جابر إلى إجراء حوار وطني كويتي، وتم تأسيس المجلس الوطني بعد ذلك، الذي قاطعه النواب بحجة عدم دستوريته، ثم تغير الوضع مع انعقاد المؤتمر الشعبي الكويتي في جدة بالسعودية خلال الفترة (13 أكتوبر وحتى 15 أكتوبر 1990) حينما وعدت الحكومة بعودة مجلس الأمة، والتزمت بهذا الوعد فيما بعد، وبصورة بالغة السرعة.
عاصفة الصحراء
وفي مرحلة ما بعد الغزو العراقي للكويت، خاطب الشيخ جابر الأحمد الكويتيين لمواجهة قوات الاحتلال، في 3 أغسطس 1990، واستطاع صف الآراء المؤيدة للكويت في مختلف المحافل الدولية، عبر عدد من الزيارات الميدانية والجولات الواسعة لدول مجلس الأمن دائمة العضوية مثل الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة والصين، حتى تحررت البلاد من الغزو الغاشم.
الإصلاح الداخلي
وقد عاد الشيخ جابر الأحمد إلى البلاد في 14 مارس 1991، وخلال تلك المرحلة، أجرى الشيخ جابر العديد من الإصلاحات في مجالات الاقتصاد والإسكان والتعليم والصناعة في إطار عملية إعادة إعمار الكويت ومحو آثار الغزو من الذاكرة الجمعية الكويتية، وألغى جميع الديون المستحقة على الكويتيين بعد حرب الخليج الثانية. وظلت حركة الإصلاحات تسير إلى الأمام في عهد سموه حتى توفاه الله في فراشه في الساعة الرابعة والنصف من صباح يوم 15 يناير 2006، لتفقد البلاد واحدا من أبرز رجالاتها الحقيقيين خلال العقود الماضية، ما يعطي رسالة للأجيال الجديدة من أبناء المجتمع الكويتي أن رموز الكويت لا تموت أبدا مهما مرت السنون.
كلمات من نور
«إننا من الكويت نبدأ، وإلى الكويت ننتهي، وما عدا ذلك فليس من الكويت، وليست الكويت منه».
«إن الكويت هي المنبت الذي تمتد في اغواره جذورنا والحصن الذي نأوي إليه ونعتصم به بعد الله سبحانه، ان الكويت هي الكيان الذي يمسك علينا وجودنا المتلاحم في معالمه وقسماته». «إن الدروس القريبة والبعيدة قد علمتنا ان حقيقتنا هي الكويت، وان التفافنا حول هذه الحقيقة هو الذي هيأ لنا بفضل الله انتصارنا المبين».
«إن الشعور بالذات والامتلاء بعز الانتماء وفخر الانتساب مصدره الأكبر والأوحد، هو الوطن، هو الكويت».
«لتكن خياراتنا على قدر امكاناتنا، ولتكن تحدياتنا على قدر حجمنا، ولنحذر ان تكون صيحاتنا اعلى من حناجرنا، فالله سبحانه لا يكلف نفسا الا وسعها، ولا يسومها الا ما اتاها».
«إن حمل المسؤولية شرف، وصيانتها امانة، وأداءها واجب والتفريط فيها خطيئة».
«النساء شقائق الرجال، في الحق والواجب والعطاء الذي يعود خيره على الاسرة والمجتمع».
«إن أقصى ما تصاب به امة ان يكون بأسها بينها وأن يكون اعداؤها من نفسها».
«إن الديموقراطية الكويتية ليست مستوردة، بل هي متأصلة في نفوس الكويتيين».
«إننا نريد لشبابنا ان ينشأوا على الكفاح والجد والخشونة والبعد عن الترف وحب المظاهر، مقتدين بآبائهم في الطموح وشدة المراس وعدم الاسترخاء أو التواكل».
«إن ثمار البحث العلمي غالية، ولا تنالها إلا العقول التي عاشت لها، وبذلت لها العزيز من الوقت والجهد في صبر وتلاحم ونكران ذات، مؤمنة بأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض».
«إن مسؤوليات المستقبل هي أشد من مسؤوليات الماضي والحاضر، وعلى قدر سعة الآمال تأتي ضخامة الأعمال».
«نحن في أيام تحتاج إلى الحكمة أكثر من حاجتها إلى الاندفاع، وإلى التعاون أكثر من حاجتها إلى المواجهة، وإلى المصافحة أكثر من حاجتها إلى التحدي».
«علينا أن نغرس في نفوسنا جميعا احترام القانون واعتبار احترامنا له خلقا رفيعا وسمة حضارية».
«إن غرس القيم الفاضلة في النفوس حصانة ذاتية فعالة، تبني وتحفظ، وتعمر وتصون، وتبادر وتدفع، وتمد وتمنع».
«شكرا لكل مواطن يتحلى بالثبات والوعي، ويضاعف جهده في أداء عمله».
«إن الأوطان يبنيها الإنسان، فالتغني بمجد الوطن هو التغني بمقدار ما يعطيه المواطنون».
«بقدر ما نعطي الكويت تحوطنا بالسعة، وبقدر ما نغرس في جنباتها نجنيه رخاء، وبقدر ما نقدمه في صيانتها والذود عنها ننعم به رفعة، وعزة الوطن صيغة من عمل ابنائه وكفاحهم».
جابر الأحمد.. نبراس أضاء ظلمات الإعاقة
رحل بعد أن حفر ذكراه في قلوب أبنائه شبابا وشيبا أصحاء أو معوقين فلم يملكوا إلا أن يلهجوا له بالدعاء بالمغفرة والرضوان في الذكرى السادسة لوفاته.
انه الأمير الراحل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح الذي أسر القلوب بعطفه وعطائه فكان لها أميرا وعني بأبنائه ذوي الإعاقة أيما عناية وخطا في سبيل ذلك خطى ثابتة تعدت حدود وطنه لتصل الى العالمية في زمن العولمة.
فقد ذهل العالم بمدى رعاية الكويت وأميرها لفئة ذوي الإعاقة وتوفير مقومات المستقبل لهم لتشمل جميع جوانب الحياة المالية والنفسية والتعليمية والاجتماعية حتى حملت هذه الظاهرة الفريدة في عام 2005 شيري بلير حرم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير على الاعتراف بأن «ما تقدمه الكويت من خدمات وتسهيلات لذوي الاحتياجات الخاصة يفوق بمراحل ما تقدمه بريطانيا».
ففي عام 2001 تم توقيع اتفاقية إطلاق جائزة سمو أمير البلاد آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح للبحوث الخاصة بالمعوقين وذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون والآداب (يونسكو).
وتبلغ قيمة الجائزة 500 ألف دولار أميركي وتقدم كل سنتين مناصفة بين فائز عربي وآخر غير عربي حرصا من الامير الراحل على خدمة ذوي الإعاقة وتسليط الضوء على هذه الفئة بما يحقق لها الرفاهية والعناية الكاملة.
وكان رحمه الله يمد يده الى المحتاج قبل أن تنطق شفة الأخير بمعاناتها ويغدق بالعطاء الجزيل ويأبى إلا أن ينسب الخير لمحبوبته الكويت.
وبمبادرة من الأمير الراحل في 15 يناير 1998 وأثناء زيارة لكل من جمعية المكفوفين الكويتية ونادي المعاقين وجمعية الصم الكويتية تبرع بمبلغ 20 ألف دينار لكل جهة منها كما تقرر صرف هذه المبالغ بشكل سنوي.
وكان سموه يدعم المجلس الأعلى لشؤون المعاقين بمبلغ سنوي يفوق الـ 8 ملايين دينار تصرف على ذوي الاحتياجات الخاصة وأمر صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد باستمرار صرف المبلغ بعد تسلمه مقاليد الحكم. ومن تبرعاته رحمه الله مبلغ 17 ألف دينار في 22 أغسطس من عام 1993 للأنشطة الشبابية لمراكز الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة والجوالة ومعسكرات العمل جريا على عادته كل عام في تشجيع النشء على ممارسة هوايتهم وصقل مواهبهم واستغلال فراغهم بما يعود عليهم وعلى الوطن بالنفع.
وفي عهد الشيخ جابر أيضا تقرر صرف المساعدات المادية للمعاقين من فئة الداون منذ ولادتهم وذلك من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
ولم يقتصر اهتمام الأمير الراحل على التبرعات والهبات بل كان يحرص على زيارة المؤسسات التي تعنى بذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة بشكل دوري وعلى التواصل مع أبنائه من تلك الفئات ولاسيما في الأعياد الدينية والمناسبات القومية.
وفي مجال دمج تلك الفئات باقرانهم من الأسوياء قطعت الكويت شوطا كبيرا في عهد الشيخ جابر تمثل في إطلاق برنامج الفصول الخاصة للأبناء بطيئي التعلم عام 1995 وهو برنامج علمي ونفسي اتبع من قبل اختصاصيين كويتيين وطبق على المراحل الدراسية من الصف الثالث الإبتدائي وحتى الرابع المتوسط وتم تخريج اول دفعة في 2001.
الدعيج: قائد من طراز فريد
أكد رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لـ«كونا» الشيخ مبارك الدعيج ان أبناء الكويت يستذكرون بكل تقدير وإجلال مسيرة أمير القلوب المغفور له بإذن الله الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح الذي قاد سفينة الكويت إلى بر الأمان وسط أمواج متلاطمة وعواصف عاتية شهدتها المنطقة في العقدين الأخيرين من القرن الماضي.
وقال الشيخ مبارك الدعيج إن العالم كله أجمع على حكمة الأمير الراحل ونظرته الثاقبة في مواجهة التحديات وإبعاد الكويت عن الصراعات الإقليمية والدولية التي عصفت بالمنطقة.
وأضاف ان التاريخ يذكر للشيخ جابر الأحمد ـ طيب الله ثراه ـ أنه كان قائدا من طراز فريد استطاع أن يحافظ على أمن الكويت واستقرارها وأن يحقق لها مكانة متميزة في العالم من خلال مواقفه الثابتة وسياسته الحكيمة التي أدت إلى الانفتاح على العالم وإرساء قواعد لعلاقات دولية متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وأوضح أن الأمير الراحل عرف بمبادراته الحضارية التي أسهمت في إشاعة الخير والتنمية في كثير من دول العالم مثل تبنيه فكرة إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الذي يقوم بتمويل مشاريع تنموية عملاقة في حوالي مائة دولة حول العالم إضافة إلى إعلانه إعفاء الدول الفقيرة من ديونها المستحقة للكويت وغيرها من المبادرات التي ساهمت في إعلاء راية الكويت إقليميا ودوليا.
وذكر أن الأمير الراحل، أسكنه الله فسيح جناته، كان وراء فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي انطلاقا من إيمانه بأن قوة الدول الخليجية واستقرارها تكمن في اتحادها وتماسكها وهو ما أكدته الأيام، حيث كان المجلس درعا واقية لدوله في مواجهة الأحداث في المنطقة العربية.
وقال الشيخ مبارك الدعيج إن الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، حمل منذ أن بدأ العمل السياسي في ريعان شبابه هموم الكويت في قلبه وطموحات شعبها في وجدانه وبذل الجهد والوقت حتى اللحظات الأخيرة من عمره فحقق الكثير من الانجازات الخالدة ونجح في إضافة العديد من الصفحات الناصعة لتاريخ الكويت.
وأكد أن مسيرة الشيخ جابر الأحمد تختزل تاريخ الكويت الحديث وكان رحمه الله شريكا في كل الإنجازات التي حققتها الكويت منذ الأربعينيات لبناء نهضة شاملة ثم واصل المسيرة بنجاح كبير بعد أن تولى مسند الإمارة أواخر سبعينيات القرن الماضي.
وأشار الى الجهود التي بذلها الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد مع رفيقي دربه الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، رحمه الله، وصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في مواجهة الغزو العراقي عام 1990 والوقوف بقوة وصلابة من اجل استعادة الحق الكويتي وإجبار قوات الاحتلال على الانسحاب من كامل الأراضي الكويتية.
المصدر: جريدة الأنباء